اللغة التركية باتت اللغة الرئيسية في مدارس هذه المناطق التي سيطرت عليها أنقرة بالتعاون مع مليشياتها الإرهابية السورية
لم يعد خافياً على أحد أن تركيا والمليشيات الإرهابية السورية التكفيرية الموالية لها تعمل على اقتطاعِ جزءٍ من الأراضي السورية، لتُنشئ فيه كياناً جغرافياً بحكم الأمر الواقع بعد سيطرة الجيش التركي مع هذه المليشيات على مدنٍ سوريّة عدّة تقع شمال غربي البلاد وشرقها مثل جرابلس والباب واعزاز وعفرين، وكذلك رأس العين/سري كانييه وتل أبيض/كري سبي، ويحصل هذا الأمر بوسائل مختلفة.
يضعنا هذا السيناريو التركي القديم والّذي يتجدد اليوم في شمال شرق سوريا وغربها ويُمهد لإقامة كيانٍ تركي مستقلٍ فيها، أمام مخاوف حقيقية على مستقبل المنطقة برمتها، فيما لو أعلنت أنقرة عن تأسيس جمهورية جديدة فيها على غرار تجربتها في قبرص!
يأتي التتريك في مقدّمة هذه الوسائل، فاللغة التركية باتت اللغة الرئيسية في مدارس هذه المناطق الّتي سيطرت عليها أنقرة بالتعاون مع مليشياتها الإرهابية السورية، على الرغم من أن معظم سكانها من العرب السوريين باستثناء عفرين الّتي كان سكانها من الأكراد قبل أن يقوم الجيش التركي ومليشياته بتهجير معظمهم من المدينة وتوطين تركمانٍ سوريين وعرب بدلاً منهم.
وتستعد أنقرة في الوقت الحالي لإنشاء مدارسٍ تكون فيها التركية اللغة الأساسية في المناهج التعليمية إلى جانب العربية كلغةٍ ثانويّة في مدينتي رأس العين وتل أبيض، والّلتين كان يقيم فيهما العرب والأكراد والأرمن والسريان وغيرهم معاً قبل الهجوم التركي الأخير عليهما في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ حيث أدى ذلك لتغيير ديمغرافيتهما بالكامل بمساندة من مليشيات أنقرة الإرهابية والتي يقودها أمراء سابقون في تنظيم داعش الإرهابي.
ويُشرف على تأسيس هذه المدارس المجلسان المحليان في رأس العين وتل أبيض، والّلذان أُسسا برعايّة أجهزة الاستخبارات التركية، ولا تقتصر اللغة التركية في هذه المناطق على المراحل التعليمية الأولى والمتوسطة والثانوية، فقد عمدت أنقرة كذلك إلى السيطرة على التعليم الجامعي من خلال افتتاح فروعٍ لجامعاتها وكلياتها ومعاهدها على الأراضي السورية في اعزاز وعفرين والباب وغيرها في وقتٍ سابق من هذا العام.
وكذلك أُرغم السكان في هذه المناطق على إصدارِ هوياتٍ جديدة كُتِبت بياناتهم فيها باللغة التركية. وكذلك تُستخدم هذه اللغة كلغةٍ رسميّة في دوائر المؤسسات التي تخضع شكلياً للمجالس المحلية السوريّة الّتي أسستها الاستخبارات التركية في المدن التي احتلها الجيش التركي، وتبدو أسماء الولايات التركية الّتي تُتبع لها هذه المدن واضحة تماماً فوق مبانيها الحكومية والخدمية، إلى جانب علم تركيا الّذي لا يغيب عن سطوحها وأبوابها، بالإضافة لصور رئيسها رجب طيب أردوغان والتي تكون دائماً بحجمٍ كبير، بينما أسماء تلك المؤسسات فتكتبُ أيضاً بخطٍ صغير باللغة العربيّة أسفل قرينتها التركية.
وإلى جانب ممارسة التتريك في هذه المناطق السورية يُمارس كذلك التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي، فالأكراد يجب أن يغادروا عفرين، وهذا ما يحصل منذ سيطرة الجيش التركي على المدينة أواخر مارس/آذار من عام 2018، ونجحت أنقرة في ذلك، حيث تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 300 ألفٍ كُردي من سكان عفرين الأصليين غادروها بعدما استولت المليشيات السورية المدعومة تركياً على بيوتهم ومزارع الزيتون الّتي تعود ملكيتها لهم.
والأمر ذاته يتكرر اليوم في مدينتي رأس العين وتل أبيض، فالعرب موالون للأكراد الّذين يحاربون الجيش التركي في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، وعليهم أيضاً أن يغادروا المدينتين إن لم ينفّذوا مُخططات الإرهابيين وخضعوا لها. وكذلك الأكراد، فقد أُرغموا على مغادرة رأس العين وتل أبيض واستولى الجيش التركي ومليشياته الإرهابية على بيوتهم، وكذلك فعلوا مع الأرمن وهناك أكثر من ثلاثة آلاف أرمني مُنعوا من العودة لبيوتهم في تل أبيض ورأس العين، وفقاً لإحصائيات مسؤول أرمن الشتات.
ويُضاف إلى التتريك والتغيير الديمغرافي والتطهير العرقي استبدال العملة السوريّة المحلية بالليرة التركية، فقد أصدرت مؤخراً عدّة مجالس محليّة موالية لأنقرة في اعزاز واخترين وغيرها قراراتٍ تمنعُ تداول الليرة السوريّة، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في غضونِ أقل من شهرين، لتنوب عنها الليرة التركية بعد ذلك. كما أن هذه المجالس تعتمد التوقيت الزمني في مناطق وجودها وفقاً لتوقيت أنقرة المحلّي منذ العام الماضي.
والواقع يقول إن التتريك والتغيير الديموغرافي والتطهير العرقي وإلغاء تداول العملة السورية واعتماد التوقيت المحلي لأنقرة في هذه المناطق، يُعيدنا إلى السيناريو التركي في قبرص، فقد أعلِن عن تأسيس "جمهوريّة شمال قبرص التركية" أواخر عام 1983، وذلك بعد سنوات من اجتياح أنقرة لقبرص في عام 1975، وهذه "الجمهورية" لا تحظى إلى الآن سوى باعتراف تركيا وحدها.
ويضعنا هذا السيناريو التركي القديم والّذي يتجدد اليوم في شمال شرق سوريا وغربها ويُمهد لإقامة كيانٍ تركي مستقلٍ فيها، أمام مخاوف حقيقية على مستقبل المنطقة برمتها، فيما لو أعلنت أنقرة عن تأسيس جمهورية جديدة فيها على غرار تجربتها في قبرص!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة