لا بد من التذكير أن مسلسل التفجيرات بالسيارات بدأت أولى حلقاته مع سيطرة الجيش التركي وجهادييه على عدة مدن سورية
منذ سيطرة الجيش التركي رفقة الجهاديين السوريين الموالين له والمدعومين منه على مدينتي رأس العين/سري كانييه وتل أبيض/كري سبّي، السوريتين على الحدود مع تركيا، أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحولت المدينتان اللتان كانتا تشهدان هدوءاً كبيراً قبل الهجوم التركي لكتلة من النار.
وقد تمكنت أنقرة من السيطرة على المدينتين اللتين توازي مساحتهما نصف مساحة لبنان نتيجة الاتفاق الأمريكي-التركي، بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لأنقرة مع وزير خارجية بلاده مايك بومبيو يوم السابع عشر من أكتوبر الماضي؛ حيث أعلن الجانبان الأمريكي والتركي حينها عن هدنة لوقف إطلاق النار لعدة أيام، مع تجميد الهجوم العسكري التركي الواسع النطاق على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" شمال شرقي سوريا.
لا بد من التذكير أن مسلسل التفجيرات بالسيارات والدراجات المفخخة بدأت أولى حلقاته مع سيطرة الجيش التركي وجهادييه على عدة مدن سورية منذ منتصف عام 2016، مثل جرابلس والباب والراعي وعفرين، وتبدو هذه الطريقة الوسيلة الأكثر نجاحاً التي تتخذها أنقرة لتهجير السكان الأصليين منها وتوطين تركمانها عوضاً عنهم
وتلا ذلك اتفاقاً مماثلاً بين موسكو وأنقرة شريطة تراجع مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية من المناطق التي لم يتوقف فيها إطلاق النار رغم الاتفاق الأمريكي-التركي، لمسافة تصل لأكثر من ثلاثين كيلومتراً وهو ما حدث بالفعل، فقد انسحب مقاتلو سوريا الديمقراطية من مدينتي رأس العين وتل أبيض، ومن ثم سيطر الجيش التركي وجهاديوه السوريون بالكامل على المدينتين بعد معاركٍ طاحنة دامت لأكثر من أسبوع، وعلى إثرها نزح مئات الآلاف من السكان.
ويمكننا القول إن أنقرة على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان كانت تتمسك بضرورة السيطرة على رأس العين وتل أبيض والمسافة الشاسعة التي تربط بين المدينتين، وتصل لأكثر من مئة وأربعين كيلومتراً، لينشئ فيها أردوغان ما يطلق عليها "المنطقة الآمنة"، لكن ماذا يجري هناك في تلك المناطق بعد أكثر من شهرٍ ونصف من سيطرة جيشه وجهادييه عليها؟
لا يكاد يمر أسبوع دون وقوع تفجيرات تُستخدم فيها السيارات والدراجات المفخخة، والّتي تستهدف مدينتي رأس العين وتل أبيض والبلدات الصغيرة التي تقع في محيطهما، ويسقط نتيجة ذلك عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، فيما توجّه وزارة الدفاع التركية أصابع الاتهام لقوات سوريا الديمقراطية كعادتها، على غرار الاتهامات التي توجهها باستمرار لحزب العمال الكردستاني عند حدوث أي هجوم.
وقد يصدّق البعض اتهامات أنقرة لمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، بوصفها عمليات انتقامية من وجود الجيش التركي هناك، لكن منذ تأسيس هذه القوات ونواتها التي تمثلها وحدات حماية الشعب "الكُردية"، لم يلجأ أحد من مقاتليها لترويع المدنيين وسكان المناطق التي يسيطرون عليها بالسيارات والدراجات المفخخة، وكيف سيقدمون على ذلك وهم ذاتهم من كانوا يعملون على فتح ممرات إنسانية للجهاديات من زوجات مقاتلي تنظيم "داعش" المتطرف أواخر مارس/آذار الماضي للخروج من بلدة الباغوز، وهناك مئات الصور والفيديوهات التي توثق حصول هذا الأمر، والذي يمنح قوات سوريا الديمقراطية صورة الجيوش الملتزمة، لا المليشيات غير المنضبطة.
إضافة أخرى في هذا الصدد، من هو المستفيد من هذه التفجيرات التي تستهدف رأس العين وتل أبيض؟ قوات سوريا الديمقراطية أم أنقرة؟ لا سيما أن الأولى تطالب الجهات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة بضرورة ضمان عودة نازحي المدينتين الفارين إلى كوباني ومنبج والرقة والحسكة إلى بيوتهم، بينما الثانية تمارس كل ما لديها من وسائل لطرد السكان الأصليين من رأس العين وتل أبيض ولا يقتصر هذا التهجير القسري على الأكراد وحدهم، بل يشمل السريان الآشورين والأرمن والعرب الموالين لقوات سوريا الديمقراطية؛ حيث شهدت المدينتان عشرات من حالات الاعتقال من بينها نساء بتهمة الموالاة لقوات سوريا الديمقراطية.
وبالتزامن مع هذه التفجيرات التي تستهدف رأس العين وتل أبيض بالسيارات والدراجات المفخخة، وردت تقارير أخرى تفيد بتدمير الجهاديين الموالين لأنقرة بيوت السكان الأكراد في بلدة شركراك الواقعة بريف تل أبيض، بالإضافة لسطوهم على حقول القطن التي لم يتمكن أصحابها من قطفها وتعود ملكيتها لمزارعين أكراد وسريان في المنطقة، هذه الأمور كلها تضع أنقرة وجهادييها في موضع الاتهام، لا قوات سوريا الديمقراطية، خاصة أن جهاديي أنقرة من التركمان السوريين يرغبون بأن يكونوا الطرف الوحيد الّذي يسيطر على هذه المناطق دون مشاركة الجهاديين السوريين العرب، الأمر الّذي يعيق تشكيل الهياكل الإدارية في رأس العين وتل أبيض.
ويضاف إلى محاولة التركمان السيطرة على المدينتين لوحدهم، وجود أكثر من 500 عنصر مما تطلق عليهم أنقرة "الشرطة المدنية" في رأس العين ومثلهم في تل أبيض، فكيف لا يتمكن هؤلاء جميعاً من حماية المدينتين من المفخخات التي تستهدفهما، لا سيما أن المدينتين صغيرتين جغرافياً، وهذه الأرقام التي أوردتها فضائية TRT التركية لأعداد عناصر الشرطة تكفي لحمايتهما مع قراهما وبلداتهما كلها!
ختاماً لا بد من التذكير أن مسلسل التفجيرات بالسيارات والدراجات المفخخة بدأت أولى حلقاته مع سيطرة الجيش التركي وجهادييه على عدة مدن سورية منذ منتصف عام 2016، مثل جرابلس والباب والراعي وعفرين، وتبدو هذه الطريقة الوسيلة الأكثر نجاحاً التي تتخذها أنقرة لتهجير السكان الأصليين منها وتوطين تركمانها عوضاً عنهم.
لذلك تكرر أنقرة الطريقة ذاتها اليوم في رأس العين وتل أبيض، وبوسعنا أن نقول نتيجة ما يجري فيهما إنها مناطق أردوغان للتفجيرات الآمنة، لا مناطق آمنة أبداً!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة