أردوغان لم يكتف بتحويل عفرين إلى جزيرة معزولة، فقد تعمد أيضا لتهجير سكانها الأصليين من الأكراد بحجة محاربة وحدات حماية الشعب.
تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال هجومين منفصلين للجيش التركي على الأراضي السورية رفقة جهاديين سوريين مدعومين منه وموالين له من فصل مدينة عفرين الكردية السورية شمال غربي البلاد عن مدينة كوباني في الشمال الشرقي، مع الربع الأول من عام 2018.
وبالتالي باتت تلك المدينة الكردية جزيرة معزولة تفصلها عن كوباني، عدة مدن وبلدات تسيطر عليها مليشيات إسلامية راديكالية مدعومة من أنقرة وجيشها الذي يوجد في بعض هذه البلدات السورية مثل الباب والراعي وأعزاز.
ولم يكتفِ أردوغان بتحويل عفرين إلى جزيرة معزولة، فقد تعمد أيضاً لتهجير سكانها الأصليين من الأكراد بحجة محاربة "وحدات حماية الشعب" الكردية، رغم أن هذه المدينة كانت قد استقبلت قبل ذلك الهجوم نحو 360 ألف نازح سوري خلال سنوات الحرب الطويلة الماضية.
وتشير بيانات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية أخرى نافذة في مجال حقوق الإنسان إلى أن نحو 300 ألف من الأكراد وهم السكان الأصليون في عفرين قد هجّروا منها، بينما سيطرت المليشيات المدعومة من أردوغان على بيوتهم واحتلوها بقوة السلاح ولم يتمكن هؤلاء جميعاً من العودة إلى أرضهم نتيجة ذلك.
وبالرغم من حقيقة ما جرى، فإن البعض من المنظمات السورية الحقوقية والدولية خاصة الممولة من قطر، التي تدعم مختلف مشاريع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، لا تزال تصف هؤلاء المستوطنين والمحتلين الذين استولوا على بيوت المدنيين الأكراد في عفرين بـ"المهجّرين"، وتعلل ذلك بخروجهم من مدن وبلدات ريف دمشق، بعد إبرام مقاتليهم المسلحين المعارضين لحكومة الأسد، اتفاقاً معها قضى بخروجهم من تلك المدن بعد تسليم سلاحهم.
بهذه الطريقة يحقق أردوغان بناء عازل بشري وجغرافي بين الأكراد السوريين، لمنعهم من تحقيق أي تجربة في الحكم الذاتي كما كانوا خلال السنوات الماضية، حين كانوا يديرون مدنهم مع جميع المكونات السورية الأخرى في مناطق الإدارة الذاتية، وهو ما يُغضب أردوغان بشدة.
ولكن لا يمكن بأي شكل من الأشكال التساهل مع هذه الحالة تحت غطاء "حقوق الإنسان" ووصف المحتلين والمستوطنين بـ"مهجّرين" أو "نازحين". وقد كان يعيش في عفرين قبل سيطرة أنقرة عليها مع مليشياتها، مئات الآلاف من النازحين السوريين، وهؤلاء النازحون كان يقيم بعضهم في مخيمات بأرياف المدينة وبعضهم الآخر تمكن من استئجار بيوت في المدينة، وكذلك كانوا يعملون فيها جنباً إلى جنب مع سكانها الأصليين من الأكراد دون أن تشهد المدينة أي حالات عنف على أساس قومي أو مذهبي، وكان وما زال من حق هؤلاء البقاء أو التنقل في هذه المدينة كما لهم الحق بالتنقل أو النزوح لأي مدينة سورية أخرى ما دام أنهم لا يؤذون الآخرين على طريقة موالي أردوغان. هؤلاء هم النازحون الحقيقيون وليس من استولى على بيوت وممتلكات أصحاب الأرض بقوة السلاح.
ويمكننا القول أيضاً في هذا الصدد إن أردوغان تمكن بهذه الطريقة بالفعل من إجراء تغيير ديمغرافي كبير في عفرين بعد تحويلها لجزيرة معزولة في الخطوة الأولى ويتكرر هذا المشهد مرة أخرى اليوم بعد الهجوم التركي الثالث على الأراضي السورية.
وقد أعلنت أنقرة، نهاية الأسبوع الماضي، عن وصول أولى دفعات المستوطنين والمحتلين إلى مدينتي رأس العين وتل أبيض، التي سيطرت أنقرة عليها الشهر الماضي، بعد هجومها الواسع النطاق على مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في تلك المناطق مع حلفائهم المحليين من السريان والعشائر العربية وبقية المكونات.
ويبدو واضحاً أن هدف أردوغان الرئيسي من هذه الهجمات العسكرية، هو تحويل المدن الكردية السورية كلها إلى جزر معزولة عن بعضها البعض، فعفرين التي أجرى فيها مع مليشياته تغييراً ديمغرافياً كبيراً باتت معزولة ولا يمكن لأحد منها الآن أن يصل إلى كوباني.
واليوم تبدو مدينة كوباني معزولة عن مدينتي القامشلي والحسكة بعد سيطرة الجيش التركي على تل أبيض ورأس العين، خاصة مع محاولاته في الوصول إلى الطريق الدولي الّذي يربط بين حلب والحسكة، ويمر من قرى جنوب كوباني وعين عيسى وتل تمر.
بهذه الطريقة يحقق أردوغان بناء عازل بشري وجغرافي بين الأكراد السوريين، لمنعهم من تحقيق أي تجربة في الحكم الذاتي كما كانوا خلال السنوات الماضية، حين كانوا يديرون مدنهم مع جميع المكونات السورية الأخرى في مناطق الإدارة الذاتية، وهو ما يُغضب أردوغان بشدة.
وبالطريقة ذاتها يواصل أردوغان اليوم أيضاً، عزل أكراد سوريا عن أكراد تركيا الذين يلتقون على طرفي الحدود وتربطهم ببعضهم علاقات اجتماعية قوية، لذلك من خلال الهجوم التركي الأخير على سوريا، يود أردوغان تحقيق عدة أهداف في آنٍ واحد، وهي متابعة فصل المدن الكردية الرئيسية داخل سوريا وقطعها عن بعضها البعض جغرافياً وزرع مستوطنين ومحتلين من تركمان وعرب سوريين موالين له بينهم، بالإضافة لتركمان أجانب. وبالتالي منعهم فعلياً من تحقيق أي نوع من الحكم الذاتي مستقبلاً لعدم وجود صلة جغرافية بين هذه المدن الثلاث ذات الأغلبية الكردية في سوريا.
ويُضاف إلى هدف فصل الأكراد السوريين عن بعضهم البعض، فصل الأكراد السوريين عن أكراد تركيا وبالتالي منع أي تواصل جغرافي مباشر بينهم، لا سيما أن أردوغان يتخوف من أي تحرّكِ كردي مشابه داخل بلاده، لذلك يزرع التركمان السوريون والعرب الموالون له وغيرهم في هذه المناطق ويحوّلها لأفغانستان جديدة ستكلف السوريين بعربهم وأكرادهم وبقية مكوناتهم، الكثير من الدماء حتى يتخلصوا منها مستقبلاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة