في ذكرى عمر المختار.. لماذا أعدمت روما «شيخ الشهداء» في هذا التاريخ؟ (خاص)
تُحيي ليبيا "يوم الشهيد" في الذكرى الـ93 لاستشهاد شيخ الشهداء، عمر المختار، أحد أهم رموز ليبيا والجهاد ضد الاستعمار في العصر الحديث.
وتأتي هذه الذكرى في وقت يتوق فيه الليبيون إلى نبذ خلافاتهم الداخلية، والتوحّد من جديد ضد التدخلات الأجنبية التي تضرب أمن البلد واستقرارها ووحدتها منذ عام 2011.
وبحسب القانون رقم (5) الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي السابق، بتاريخ 8 يناير/ كانون الثاني 2012، الخاص بالعطلات الوطنية والدينية، فإن يوم الشهيد عطلة رسمية، وفق وكالة الأنباء الليبية "وال".
مَن عمر المختار؟
وُلد المختار في 20 أغسطس/ آب 1858 في منطقة جنزور بطبرق، شرقي ليبيا، وتلقى تعليما دينيا بالزاوية السنوسية في جنزور، ثم ذهب إلى الجغبوب، ليصبح تلميذا في الطريقة السنوسية الصوفية.
ومع إعلان إيطاليا بداية حملتها الاستعمارية على ليبيا وإنزال قواتها بمدينة بنغازي في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1911، بدأ المختار في تجميع وتجنيد المقاومين بزاوية القصور ضد الإيطاليين، وظل يقود المعارك لمدة 20 عاما، حتى وقع في الأسر في 11 سبتمبر/أيلول 1931، حين جُرح حصانه فسقط أرضا، ووقع في الأسر.
وفي 15 سبتمبر 1931، جرت محاكمة "صورية" للمختار؛ إذ انتهى الطليان من ترتيبات الإعدام، وأعدوا المشنقة قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم بالإعدام الذي نُفِّذ في 16 من نفس الشهر ببلدة سلوق، جنوب مدينة بنغازي شرق ليبيا.
رثاء واسع للمختار
بتعبير المؤرّخ الليبي ومدير مكتب إدارة وحماية ضريح عمر المختار، الدكتور فرج نجم، فإن هذا اليوم "يجسّد الوجع والألم، ليس فقط الليبي أو العربي والإسلامي، وإنما الوجع الإنساني من نير ووطأة الاستعمار الأوروبي".
ويضيف لـ"العين الإخبارية" أن "شيخ الشهداء عمر المختار، مثَّل كرامة العرب والمسلمين، حين رفض كل المغريات والعروض التي عرضت عليه"، مُذكِّرا بما قاله أمير الشعراء المصري أحمد شوقي، في رثائه بقصيدة "بطل الصحراء":
خُيِّرت فاخترت المبيت على الطوى .. لم تبنِ جاها أو تلم ثرى
كما يلفت نجم إلى أن عمر مختار "اختار أن يموت وهو جوعان بائس، لكن حفظ لنفسه ولمبادئه ولكرامته مكانتها؛ فرحل كرجل لم يساوم، ورأينا كيف تأثر العرب والمسلمون بهذه الفاجعة، ولعل مرثيات أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وخليل مطران، فيها خير دليل على ذلك".
ويسوق أبياتا أخرى لشوقي جاء فيها:
- رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ
- يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
- يا وَيحَهُم نَصَبوا مَنارًا مِن دَمٍ
- توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
- ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ
- بَينَ الشّعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
واختتم المؤرخ الليبي حديثه ذاكرا أن عمر المختار "انتصر مظلوما كالحسين، واستطاع أن يخلد ويسجّل تاريخه بدماء من الذهب، على عكس جلاديه وشانقيه؛ أمثال رودولفو جراتسياني، وموسليني الذي شنقه الطليان وعلّقوه في محطة بنزين من قدميه"، وفق تعبيره.
فخر ليبي ورمز للوحدة
يعتبر رئيس مؤسسة "السلفيوم" للأبحاث والدراسات الليبية، جمال شلوف، أن يوم 16 سبتمبر/ أيلول، هو "تاريخ للفخر الليبي، يُذكِّر بوحدة الليبيين في وجه المستعمر، وبأن أي تدخل خارجي لن يستطيع أن يحدِث أي تغيير حال وحدة الليبيين".
وأوضح شلوف، لـ"العين الإخبارية"، أن هذا اليوم "ليس تاريخ استشهاد شيخ المجاهدين وحسب، بل هو ذكرى معركة بوعرق المجيدة التي قُتل فيها أكبر قائد عسكري على يد المجاهدين، وهو اللواء ألفونسو توريللي، قائد القوة الإيطالية، المسمّاة بجبال الألب، وكانت تضم الكتيبتين التاسعة والعاشرة، في 16 سبتمبر 1913".
وفي هذا الصدد، يُنبه الباحث الليبي إلى أن بعض الكتّاب الطليان كشفوا أن اختيار تاريخ 16 سبتمبر/ أيلول، لإعدام عمر، "ليس مصادفة، وإنما للثأر للواء توريللي، أعلى رتبة عسكرية إيطالية أسقطها المجاهدون خلال الاستعمار الإيطالي لليبيا، خاصة أن قائد قوات المجاهدين في زاوية القصور وقتها هو الشيخ عمر المختار نفسه".
وعن احتفاء الشعر الليبي بالنضال الشعبي وقتها، يقول: "الشعراء حفظوا هذه الملحمة؛ إذ قال أحد الشعراء الشعبيين: صار يوم في بوعرق توقد ناره .. رهيف الجواجي ما حمل تياره، وكذلك قال الشاعر سعد الزايدة في مقتل اللواء توريللي: أشربت فيهن يا جان النار .. بعد تموا هلها حضار، مع القباعة راسك طار .. وعدى يحوم بضرب مكوغط فيه نجوم.
كما كانت هذه المعركة "نقطة تحوّل مهمة؛ فبعدها انتهى الزحف الإيطالي نحو الجبل الأخضر، واكتفت قوات المستعمر بالتمركز فقط في المدن الساحلية التي سيطرت عليها، ودانت للمجاهدين الليبيين السيطرة على كل الدواخل، حتى عودة الحركة الاستعمارية مجددا بعد سيطرة الفاشيست وموسوليني على الحكم في إيطاليا"، كما يقول شلوف.
رد اعتبار
يُذكر أنه في سبتمبر/ أيلول 2008، انحنى رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، سيلفيو برلسكوني، خلال زيارته لمدينة بنغازي أمام محمد، نجل عمر المختار، معتذرا عن فظائع بلاده بحق الشعب الليبي، وقُورنت صورة انحنائه حينها بصورة التقِطت لعمر المختار مكبّلا بالأغلال قبيل إعدامه، بحسب وكالة الأنباء الليبية "وال".
aXA6IDE4LjExNy4yNTQuMjAyIA== جزيرة ام اند امز