محمود خليل الحصري.. مدرسة قرآنية فريدة
تصادف اليوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرى رحيل الشيخ محمود خليل الحصري، أحد أبرز القرّاء في تاريخ الإذاعة المصرية وشيخ المقارئ الأسبق، والذي ترك إرثًا صوتيًا وتعليميًا واسعًا لا يزال حاضرًا في كل بيت يستمع إلى ترتيل القرآن الكريم.
وعرضت الإذاعة المصرية في هذه المناسبة تسجيلاً نادرًا بصوته يتحدث فيه عن بداياته ومسيرته مع كتاب الله.
روى الشيخ الحصري في التسجيل أن نشأته كانت في قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية، حيث أتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة، قبل أن يلتحق بالأزهر ويتدرّج في دراسة علوم القراءات حتى نال أعلى شهاداتها وهو لم يتجاوز العشرين.
وفي خمسينيات القرن الماضي انتقل إلى القاهرة ليُعيَّن قارئًا لمسجد الحسين، قبل أن يصدر قرار تعيينه وكيلاً لمشيخة المقارئ عام 1957 ثم شيخًا لها عام 1960 خلفًا للشيخ علي الضباع.
وأشار إلى أن بداية مشروع تسجيل المصحف المرتل جاءت عام 1961، عقب انتشار طبعات غير دقيقة للمصحف في عدة دول عربية وأفريقية، فكان القرار بتسجيل مصحف مُعتمد بصوت واحد. وتم اختياره ليكون أول من يقوم بهذه المهمة التي أصبحت لاحقًا مرجعًا للعالم الإسلامي.

ويُعد الشيخ الحصري من أبرز من حملوا لواء القراءات في القرن العشرين، بعد أن وُلد عام 1917 في بيئة بسيطة اشتهر والده فيها بصنع الحصير، فلقّب بـ"الحصري" نسبة إلى المهنة.
التحق بالكتاب في الرابعة، وأصبح صيته معروفًا بين أبناء قريته وهو لا يزال طفلًا، ثم انتقل إلى المعهد الديني بطنطا حيث درس حتى المرحلة الثانوية قبل أن يتفرغ لعلوم القراءات.
في عام 1944 تقدّم لامتحان الإذاعة بين 200 قارئ، وحصل على المركز الأول، لتبدأ رحلته مع الميكروفون التي استمرت عشر سنوات متقطعة حتى أصبح له موعد ثابت يوم الأحد.
وبعدها عُيّن قارئًا للمسجد الأحمدي ثم لمسجد الحسين، قبل أن يتولى منصبه الأشهر شيخًا للمقارئ المصرية ومراجعًا رسميًا للمصاحف.
وسعى الحصري إلى تطوير العمل القرآني، فدعا إلى إنشاء أماكن لتحفيظ القرآن في كل المدن والقرى، واقترح تأسيس نقابة لقراء القرآن للعناية بشؤونهم. كما تولى مناصب عدة منها خبير بمجمع البحوث الإسلامية ورئيس اتحاد قراء العالم عام 1967.

ترك الشيخ تراثًا إذاعيًا ضخمًا، أبرزُه المصحف المرتل بروايات متعددة، والمصحف المعلّم، والمصحف المفسَّر، إلى جانب مؤلفات مهمة في علم التجويد والقراءات مثل "أحكام قراءة القرآن الكريم"، و"القراءات العشر"، و"معالم الاهتداء في الوقف والابتداء".
وكان يرفض الحصول على أي مقابل مالي نظير تسجيلاته، إذ كتب بوضوح على مظروف أجره في الإذاعة: "لا أتقاضى مالًا على تسجيل كتاب الله".
شهدت مسيرة الحصري محطات بارزة خارج مصر أيضًا؛ فقد ارتّل القرآن في الهند وباكستان برفقة الرئيس جمال عبدالناصر، وشارك في بعثات دينية حول العالم، وقرأ في الأمم المتحدة عام 1977 بطلب من الوفود العربية والإسلامية.
وكانت له زيارات مؤثرة، من بينها ترتيله في مسجد بباريس عام 1966 لمدة عشر ليالٍ، حيث أعلن عدد من الفرنسيين إسلامهم بعد سماعهم لصوته.
كما اشتهر بمكتبته الثرية التي ضمت نحو سبعة آلاف كتاب وقرابة 500 مخطوط نادر، وكان يعتبرها من أعز ممتلكاته، ويخصّص أوقاتًا طويلة لتأليف كتبه وإعداد بحوثه.
وخصّص جزءًا كبيرًا من ماله لبناء مساجد ومعاهد دينية، بينها مسجد شيّدَه في قريته فوق الأرض التي شهدت أولى خطواته في حفظ القرآن.
رحل الشيخ محمود خليل الحصري في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1980 بعد رحلة امتدت أكثر من خمسة عقود، ظل خلالها صوتًا معتمدًا في البيوت والمدارس والمحافل، وما تزال تسجيلاته تواصل دورها في تعليم الأجيال وتقريب معاني القرآن لقلوب المستمعين.