"الشباب لم يعودوا محبين لكرة القدم".. عبارة صادمة ألقى بها فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد، النادي الأنجح في تاريخ اللعبة.
إذا جاءت تلك الكلمات من أي شخص آخر لما صدقه أحد، فالجميع يعلم أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولكنها جاءت من رئيس النادي الأنجح في تاريخ اللعبة، بعد أيام قليلة من تتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة رقم 14 في تاريخه.
"بيريز" هو الشخص الذي يعتبره البعض الرئيس الأنجح في تاريخ كرة القدم، وقد كان صاحب فكرة إنشاء دوري السوبر الأوروبي، تلك البطولة المُغلقة التي كانت ستشهد مشاركة الأندية الأقوى والأكثر شعبية في العالم، قبل أن تتوارى فكرته بعد سلسلة من النزاعات مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
زعم "بيريز"، وكذا مَن شارك في تلك البطولة، أن الهدف الرئيسي منها، بعد زيادة العائد المالي للأندية المشاركة، هو إنهاء حالة الملل التي بات يشعر بها محبو كرة القدم في السنوات الأخيرة، والتي تهدد مكانتها كأكبر لعبة تحظى بالشعبية في العالم.
هذا الطرح لم يكن جديدًا، فمشكلة الملل الذي أصاب مشجعي كرة القدم ظهرت على السطح منذ عدة سنوات، وناقشها العديد من أساطير كرة القدم، وفي مقدمتهم الهولندي ماركو فان باستن، الذي أعد مجموعة مقترحات في عام 2017 لتغيير شكل اللعبة بشكل كامل.
وتزامنت تلك المُقترحات في العام نفسه مع تفكير مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم "IFAB" في تقليص عدد دقائق المباراة الواحدة من 90 إلى 60، لا سيما وأن الزمن الفعلي لأي مباراة لا يزيد على ذلك، من أجل معالجة حالة الملل التي تشعر بها الجماهير خلال مباريات كرة القدم.
ولا شك أن هذا الأمر يدفعنا للبحث عن السبب الحقيقي وراء تلك النظرة التي أصبحت مسيطرة على الجميع، لماذا أصبحت كرة القدم التي كان بإمكان الشباب الجلوس أمام مبارياتها بالساعات الطويلة مملة؟
لا يمكن أن تكون هناك إجابة واحدة، بل ربما نحتاج إلى أبحاث كاملة للخروج بإجابة دقيقة، ولكن الواقع يقول إن الشباب أصبحوا الآن أكثر شوقًا إلى المشهد الأخير، اللقطة التي يبحثون عنها منذ البداية، لم يعد بإمكانهم الانغماس في متابعة الأحداث المتسلسلة التي ستُوصلهم إلى خط النهاية.
إذا قرأ أحدهم منشورًا على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يجب ألا يشتمل على كلمة "عرض المزيد"، وإن شاهد مقطع فيديو، فلا يجب أن تزيد المدة على دقيقتين، هذا قد يحدث حتى في الأمور الجادة، فكيف بأمر ترفيهي ككرة القدم يشاهده من يحرص على الترفيه عن نفسه؟
يتضح ذلك في كرة القدم من وجود لاعب بجودة النرويجي إيرلينج هالاند، مهاجم مانشستر سيتي الإنجليزي، الذي أصبح حديث الجميع في الفترة الأخيرة، بعد الأرقام الخارقة التي حققها في انطلاقته مع الفريق السماوي.
اللاعب النرويجي أصبح ماكينة أهداف لا تتوقف عن التسجيل، بل بات من المُستغرب أن يسجل هدفا واحدا "فقط" في المباراة، وهو ما جعله معشوقًا لدى جماهير كرة القدم، لكن هذا العشق لم يعد مقصورًا على الملعب، بل انتقل إلى أماكن أخرى لم تعرفها اللعبة سوى في السنوات الأخيرة.
"فانتازي الدوري الإنجليزي"، تلك اللعبة الافتراضية التي أصبحت الملاذ الأول لمحبي كرة القدم، حتى إنه في أغسطس/آب الماضي بلغ عدد من يقومون بممارستها إلى أكثر من 8.5 مليون شخص حول العالم.
لا تحتاج اللعبة إلى أي فنيات، فقط تحتاج إلى معرفة بمن يجلب أكبر عدد من النقاط، ومن ثم اختياره في التشكيلة، لذا بات هالاند نموذجًا على الطريقة التي أصبحت الجماهير تنظر بها إلى لعبة كرة القدم، فهو بالنسبة لهم مجرد آلة تحصد لهم النقاط، لا يهم كيف، المهم أن يحصد.
لم يعد جزء كبير من الجمهور يتابع هالاند حتى ينظر كيف يسجل الأهداف، وكيف يساعده زملاؤه على ذلك، لكن المهم أنه يسجل، ومن ثم سيُضيف نقاطًا، لذا أصبحت تلك هي المتعة التي تشعر بها الجماهير حاليًا، وحتى المدربون الذين يحولون لاعبيهم إلى أحجار لتنفيذ خططهم وتكتيكاتهم.
هالاند وكيليان مبابي، نجم باريس سان جيرمان الفرنسي، باتا المرشحَين الأقرب للتنافس على الكرة الذهبية في السنوات المقبلة، وهما موهبتان نادرتان، سواء في التسجيل أو السرعة الخارقة، وهو ما يوضح كيف اختلفت كرة القدم مما كانت عليه في الماضي.
لم يعد نجم كرة القدم هو ليونيل ميسي أو رونالدينيو أو زين الدين زيدان، لم يعد هو اللاعب الذي يجلس المشاهد أمامه طوال 90 دقيقة لينتظر منه لمحة فنية تُشبع غريزته، وإنما أصبح النجم هو الماكينة التي تحول الكرة داخل الشباك، أما مَن أبدع ليساعده على ذلك، فلا ذكر له إلا بالفُتات.
إذا أصبحت كرة القدم مسرحًا للفوز، والفوز فقط، حتى ولو على حساب المُتعة، فهنا ولا شك سيذهب جزء كبير من محبيها إلى منصات أخرى، يبحثون عن المتعة التي أصبحت مفقودة في الملاعب، التي لم تعد تعترف سوى بالماكينات والتكتيكات، وهنا تكمن الإجابة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة