إذا كنت من متابعي كرة القدم المصرية بشكل قوي، فلا شك أن النصف الثاني من العنوان قد مرّ عليك كثيرًا على مدار الشهر الماضي.
"برونو سافيو واضح من لمساته إنه هيبقى إضافة كبيرة للأهلي.. وإن مهاراته كويسة وقراراته سريعة مش بيفكر مرتين.. باسم الله ما شاء الله".
بهذه الجملة، التي كانت ساخرة، ملأت جماهير نادي الزمالك المصري مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل السخرية من تكرار التعليق نفسه لبعض جماهير الغريم التقليدي، الأهلي، احتفاءً بلاعبها البرازيلي الجديد.
ولأن كرة القدم هي لعبة المفارقات، فقد حدث ما لم يكن في حسبان جماهير الزمالك، سجل برونو سافيو نفسه هدف فوز الأهلي على الفريق الأبيض في كأس السوبر المصري.
وللمزيد من المفارقات، فقد جاء هدف اللاعب البرازيلي بما سخرت منه جماهير الزمالك، تسلّم الكرة، وراوغ بـ"مهارة كويسة"، واتخذ "قرارًا سريعًا"، دون أن "يفكر مرتين"، ليدفعك لتقول "باسم الله ما شاء الله".
بالتأكيد لن أحدثك هنا عن برونو سافيو، فتقييمه فنيًا في الوقت الحالي لن يكون صائبًا، وإن كانت بداياته تبشّر بمسيرة جيدة، لكن ما لفت نظري في تلك المفارقة الغريبة هي حالة المبالغة التي سيطرت على المشهد.
بالغت جماهير الأهلي في مدح لاعبها كما اعتقدت جماهير الزمالك، فردّت على ذلك بمبالغة أكبر، وبعدما تكرر التعليق بلسان الجماهير الحمراء عشرات المرات، تكرر بلسان الجماهير البيضاء آلاف المرات، حتى حدث ما حدث.
والواقع يؤكد أن تلك المبالغة لم تعد غريبة على المشهد، بل إنها كانت المسيطرة على الجماهير التي حضرت مباراة كأس السوبر المصري في العاصمة الإماراتية أبوظبي، من خلال الدخلات التي تم ابتكارها.
جماهير الأهلي على سبيل المثال رفعت لافتة تشير فيها إلى أنها برغم كل المحاولات ستبقى لا ترى المنافس، والمقصود جماهير الزمالك، الفريق الذي حصد ثنائية الدوري وكأس مصر، الموسم قبل الماضي، وحصد لقب الدوري مجددا في الموسم الماضي.
جاءت تلك المبالغة غير المنطقية على النقيض من فعل تلك الجماهير نفسها، فالكل يعرف ما تحتاج إليه هذه الدخلات من جهود كبيرة قد تستمر لأيام طويلة، وهو ما لم يكن من الممكن أن يتحمله أحد من أجل خوض مباراة أمام منافس لا يراه.
في المقابل وضعت جماهير الزمالك صورة لقائدها محمود عبد الرازق "شيكابالا" وبجواره صورة تعبيرية ترمز لجماهير الأهلي وهي تبكي خشية منه، رغم أن تاريخ اللاعب أمام الفريق الأحمر لا يدل على ذلك.
ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي تُقدم فيها جماهير الزمالك على مثل تلك اللقطات الاستفزازية للمنافسين، فقد تكرر الأمر قبل مباراة كأس سوبر "لوسيل" في قطر، عندما رفعت الجماهير لافتة تشير إلى أن الفريق الأبيض هو زعيم الكرة العربية الأوحد، من أمام مقر نادي الهلال المُلقب بـ"الزعيم"!
بعد المباراة، احتفلت جماهير الأهلي بفريقها، وبالغ البعض منهم في ذلك، فسخرت من ذلك بعض جماهير الزمالك، بداعي أنها مجرد "بطولة شرفية" في بداية الموسم، وليست بقيمة الدوري وكأس مصر، وكأن هناك "كتالوج" مُخصصا لطريقة الاحتفال بكل بطولة.
جماهير الأهلي، التي تعاني من ذلك الآن، كانت هي مَن وضعت هذا "الكتالوج" قبل شهرين، حين سخرت من احتفالات جماهير الزمالك بلقب الدوري المصري، لتتحول الفرحة التي تُلعب كرة القدم من أجل تحقيقها إلى سلاح جديد للاستفزازات.
استنكاري مثل تلك الأمور ليس الغرض منه الدعوة لأن تقلل الجماهير من شأن فريقها، بل على العكس، فالمشجع يجب أن يكون فخورًا بالنادي الذي يشجعه، لكن في المقابل يجب ألا يمتد ذلك للتقليل من المنافسين أو محاولة استفزازهم.
التقليل من المنافس لا يضر أحدًا أكثر منك ومن فريقك، فإذا كان منافسك ضعيفًا إلى تلك الدرجة، التي تحاول تصويرها، فإن انتصاراتك عليه في المقابل واهية وخسائرك كبيرة، لأنها جاءت أمام فريق ضعيف.
كرة القدم لعبة صُممت للمتعة، متعتها في التنافس الشريف مع خصوم أقوياء تعزز قوتهم من قيمة الفوز عليهم، الفوز الذي لن يبقى أبد الدهر، ولكنه سيتحول في يوم من الأيام إلى هزيمة، وكما تفرح لفريقك بفوزه، فمن حق المنافس أن يسعد هو الآخر بانتصار فريقه، أيًا كانت نوعية تلك الانتصارات أو قيمتها، وعليك أن تدعو بأن تبقى ولا تزول، ومن أجل ذلك فقل كما علّمنا من سبقونا "باسم الله ما شاء الله"!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة