"النملة" الأغلى في العالم.. معجزة جاك ما التي أخافت الصين وأمريكا
رغم التوترات الكبيرة في العلاقات التجارية بين الصين وأمريكا خلال حقبة الرئيس دونالد ترامب، اجتمع الطرفان على إحباط نملة "جاك ما".
والنملة المعجزة هي مجموعة "آنت جروب" الصينية لتكنولوجيا الدفع الإلكتروني التي كان الملياردير جاك ما مؤسس "علي بابا" يعتزم طرحها للاكتتاب العام في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
والطرح الذي تأجل قبل ساعات فقط من تنفيذه، كان مرشحا لجمع 35 مليار دولار ليصبح أكبر اكتتاب عام أولي في التاريخ.
أمريكا تعادي "النملة"
وحسب تقارير إعلامية، حاولت وزارة الخارجية الأمريكية إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب بوضع شركة "آنت جروب" الصينية على القائمة السوداء.
وشككت إدارة ترامب في الشركة قائلة إنها تحمل مخاطر محتملة على الأمن القومي الأمريكي.
لكن خطوة وضع الشركة في القائمة السوداء تم تعليقها في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بقرار من وزارة التجارة الأمريكية.. فلماذا أوقفت الصين الاكتتاب؟
لماذا رفضت الصين دخول التاريخ؟
في الحقيقة، لم يكن اكتتاب "آنت جروب" مجرد طرح عام تاريخي ضخم، بل أنه كان بوابة عملاقة أمام أسواق المال الصينية لدخول التاريخ.
وكان ينظر لدخول مجموعة آنت في الأسواق الصينية، بمثابة تأكيد على بناء بورصات خاصة ذات ثقل عالمي.
ورغم أن السلطات الصينية قالت إن طرح "آنت جروب" في شنغهاي وهونج كونج تأجل بسبب مجموعة من أوجه القصور التي تتطلب إصلاحا في المجموعة المالية الصينية، إلا أن الصحف الغربية كان لها رأي آخر.
ونقلت صحيفة "وول ستريت" الأمريكية عن مسؤولين صينيين قولهم إن الحزب الشيوعي أوقف الاكتتاب، خاصة وأن الحكومة الصينية غير مرتاحة بشأن النفوذ المتزايد والنمو السريع للمجموعة المختصة بعمليات المدفوعات الإلكترونية.
ومن المعروف أن كل الأمور المتعلقة بالدفع الإلكتروني ومستقبل المعاملات المالية هي دائما مصدر قلق للسلطات المالية المركزية.
وقد مر مارك زوكربيرج بضغوطات مشابهة عندما أعلن عزمه طرح عملة مشفرة قال إنها ستشكل مستقبل الدفع الإلكتروني مستقبلا.
ومن جهته، انتقد الملياردير جاك ما المنظمين المحليين والعالميين لخنقهم الابتكار وعدم الاهتمام الكافي بالتنمية والفرص المتاحة للشباب.
وانتقد ما بصراحة اللوائح المالية الحكومية المتزايدة الصرامة لعرقلة تطوير التكنولوجيا، كجزء من معركة طويلة الأمد بين آنت والمسؤولين الماليين.
ملابسات تأجيل الطرح
بالرغم من الفرصة المتاحة للتقارب بين رجل الأعمال جاك ما والحزب الشيوعي الحاكم في البلاد، على خلفية التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مع تهديد واشنطن بشطب الشركات الصينية من أسواق الأسهم الأمريكية، واجهت آنت تدقيقا في وسائل الإعلام الحكومية الصينية خلال الأيام الأخيرة.
وقبيل الطرح، قال بنك الشعب الصيني، إنه أجرى بالاشتراك مع لجنة تنظيم البنوك والتأمين ولجنة تنظيم الأوراق المالية وإدارة النقد الأجنبي لقاءات مع عدد من مسؤولي شركة آنت جروب.
وتلقى جاك ما وعدد من المديرين التنفيذيين استدعاءً من قبل بنك الشعب الصيني وجهات تنظيمية أخرى لطرح تساؤلات قبل الطرح العام.
وعلى نحو مفاجئ، أصدرت الحكومة الصينية تشريعات جديدة قال عنها المستثمرون إنها ستلزم شركة "آنت" العملاقة بتغيير نموذج الأعمال الخاص بها.
وقبل يومين من بدء تداول الأسهم، أعلنت بورصة شنغهاي الصينية للأوراق المالية إلغاء الطرح العام الأولي لأسهم الشركة.
وقالت إدارة البورصة إنه تم إلغاء الطرح بسبب تغييرات "في البيئة القانونية الرقابية"، وهو ما يعني أن آنت جروب لم تحقق شروط الإفصاح المطلوبة لتنفيذ الطرح العام الأولي.
وكانت آنت جروب تعتزم تسجيل أسهمها في بورصتي هونج كونج وشنغهاي، وحددت سعر الطرح بـ 80 دولار هونج كونج للسهم في بورصة هونج كونج و68.8 يوان صيني للسهم في بورصة شنغهاي.
وتوقعت آنت جروب جمع 17.2 مليار دولار من خلال الطرح في بورصة شنغهاي ونفس المبلغ تقريبا من خلال الطرح في هونج كونج.
وكان من المنتظر أن تصل القيمة السوقية لشركة آنت جروب إلى 313 مليار دولار بمجرد بدء تداول سهمها في بورصة هونج كونج.
إلى متى يتأجل الطرح؟
وفقا لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية فإن الطرح قد يتم تأجيله 6 أشهر على الأقل.
ونقلت الصحيفة عن مصادر ومستثمرين، أن تقييم الشركة قد ينخفض بشدة بعد التشريعات الجديدة التي أقرتها بكين والتي سيتعين على الشركة الالتزام بها.
وقال أحد المصادر القانونية التي شاركت في الإشراف على عملية الطرح، إن القواعد الجديدة ستلزم الشركة بإعداد نشرة طرح جديدة في بورصة هونغ كونغ، وهو الأمر الذي قد يستغرق نحو 6 أشهر على الأقل.
وتابع "الشيء الرئيسي في عملية التأجيل هو تلك التشريعات الجديدة".
وبحسب المصادر، فإن التشريعات الجديدة ستلقي بظلالها السلبية على نشاط الإقراض التابع للشركة والذي مثل نحو 40% من مبيعاتها بالنصف الأول من العام الجاري، وهو ما سينعكس بالتبعية على تقييم الشركة.
وتشير حسابات Morningstar إلى أن الشركة الصينية العملاقة لديها محفظة قروض استهلاكية تقدر بنحو 1.8 تريليون رنمينبي أي ما يوازي نحو 271 مليار دولار، فيما تلزم التشريعات الجديدة الشركة بعدم تخطي محفظة قروضها في ميزانيتها نحو 540 مليار رنمينبي.
وتلزم التشريعات الجديدة الشركة بتحمل نحو 30% من القروض الاستهلاكية المقدمة للعملاء فيما تتحمل الشركة في الوقت الحالي نحو 2% فقط وتأتي بقية مصادر التمويل من البنوك.
"النملة" المخيفة
وتعد مجموعة آنت التي تمتلك تطبيق "Alipay" للمدفوعات الإلكترونية عبر الهواتف الذكية، محط أنظار صناع القرار في البلاد، نظرا لنفوذها المتزايد.
وأدى تطبيق آنت إلى ضرر النظام المالي في الصين، كون 70% من سكان البلاد يستخدمونه فعليا، كما قدمت المجموعة قروضا لأكثر من 20 مليون شركة صغيرة، وما يقرب من نصف مليار فرد، ويدير أكبر صندوق مشترك ويبيع عشرات المنتجات المالية الأخرى.
وكانت آنت تركز على خدمة الأفراد والشركات التي تجاهلتها البنوك التقليدية لفترة طويلة، حيث برزت باعتبارها شركة ملهمة في عملية التمويل.
ونجت المجموعة منذ فترة طويلة من اللوائح الصارمة ومتطلبات رأس المال التي تخضع لها البنوك التجارية، إذ واجه المنظمون في وقت سابق مقاومة قوية للجهود المبذولة لكبح جماح آنت.
وسعت بكين إلى تشديد اللوائح المالية بشكل عام بعد انهيار سوق الأسهم في الصين عام 2015 الذي اختبر قبضة الحزب القوية على الاقتصاد.