غزة وَصَمَت ولايته.. بلينكن من «بطل للسلام» إلى «وزير للحرب»
يعكس إرث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تحولا معقدا وشائكا في السياسة الخارجية الأمريكية خلال سنوات توليه المنصب.
في بداية ولاية الرئيس جو بايدن في يناير/كانون الثاني 2021 اختار بلينكن وزارة الخارجية، واعتُبر الأخير حينها بطلا للسلام ومؤيدا للعدالة الدولية، عندما قاد الجهود الأمريكية لدعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.
كما لعب بلينكن دورا محوريا في حشد التحالفات العالمية، وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، ما جعله يظهر كمدافع عن "مبادئ السلام والأمن الدوليين"، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
لكن مع اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 تغير إرث بلينكن جذريا، إذ استمر في دعمه غير المشروط لإسرائيل في حربها ضد حماس، ما عرضه لانتقادات حادة من مختلف الأطراف، واتهامات بتأييد "جرائم الحرب" و"الإبادة الجماعية"، باعتبار أن هذا الدعم أسفر عن مقتل آلاف الفلسطينيين.
مشهدان متناقضان
وخلال رحلته الأخيرة كأرفع دبلوماسي أمريكي إلى باريس، مسقط رأسه، حظي بلينكن باستقبال الأبطال، ووصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حفل أقيم في قصر الإليزيه بأنه "خادم السلام"، قبل أن يمنحه وسام جوقة الشرف، أعلى وسام في البلاد.
لكن المشهد اتخذ منحى مختلفا تماما في واشنطن بعد بضعة أيام، عندما ألقى خطابه الأخير أمام حشد من خبراء السياسة الخارجية، وخلاله صاحت سيدة "يا وزير الخارجية بلينكن! سيظل إرثك رمزا للإبادة الجماعية! ستُعرف إلى الأبد بـ"بلينكن القاتل، وزير الإبادة الجماعية".
تم إخراج السيدة المحتجة من القاعة، وكذلك رجل كان يحمل لافتة كتب عليها "بلينكن: مجرم حرب".
وعكس المشهدان المتناقضان ثنائية فترة ولاية بلينكن كوزير للخارجية، فخلال أربع سنوات طار خلالها أكثر من مليون ميل، كان وجها للسياسة الأمريكية في حربين، واحدة في أوكرانيا والأخرى في غزة، الأولى دافع خلالها عن أوكرانيا ضد روسيا، وحظيت قضيته بدعم واسع، والثانية تحولت إلى كابوس سياسي وأخلاقي لإدارة بايدن.
وزير الحرب
وفي هذا السياق اتُهم بلينكن بتقويض المبادئ التي دافع عنها في أوكرانيا، ليصبح هدفا لانتقادات لاذعة لم توجه إلى وزير خارجية أمريكي من قبل.
وقالت "صحيفة نيويورك تايمز" "بسبب ارتباط عمل بلينكن وسمعته بالصراعات يمكن القول إنه كان يجسد لقب وزير الحرب".
وفي مقابلة بمكتبه علق بلينكن قائلا "إذا أردنا استخدام مصطلح الحرب بشكل واسع، أعتقد أن وزارة الخارجية قد تعاملت مع هذا الموضوع بشكل كبير".
حربان وموقفان
كانت بداية مهام بلينكن في الوزارة مع انسحاب أمريكا من أفغانستان، في خطوة اعتبرها كثيرون فشلا ذريعا، إلا أن النقطة الرئيسية التالية كانت مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وبصفته وزيرا للخارجية قاد بلينكن جهود تشكيل تحالف من نحو 50 دولة لدعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا.
لكن الحرب في غزة جعلت الوضع أكثر تعقيدا، ومع بدايتها وقف بلينكن بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب، وصرح قائلا "أنا هنا ليس فقط كوزير للخارجية، ولكن أيضا كيهودي".
وبمرور الوقت، انغمس بلينكن في التفاصيل العسكرية، حيث كان يزور إسرائيل ويبحث مع قادتها استراتيجيات الحرب، وفي الوقت نفسه يضغط من أجل السماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين والحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
وزادت الانتقادات التي وجهت إلى بلينكن بعد التأكد من استمرار أمريكا في إرسال الأسلحة إلى إسرائيل رغم سقوط آلاف القتلى من الفلسطينيين.
ومع مرور الوقت، واصل بلينكن اتباع سياسة إدارة بايدن بالتمسك بتحالف أمريكا مع إسرائيل، وتقديم دعم مستمر كان محط انتقادات من بعض الأمريكيين والمحتجين الذين اتهموه بـ"تمكين الإبادة الجماعية في غزة".
ويعترف بلينكن بأن "الرأي العام تجاه الولايات المتحدة أصبح أكثر صعوبة في الأماكن التي يُنظر فيها إلى أمريكا باعتبارها منافقة"، لكنه يؤكد أن "معظم هذه التحديات لا تحمل نهايات واضحة كما في أفلام هوليوود".
aXA6IDE4LjExNi44Ni4xMzQg جزيرة ام اند امز