أنطوان جالان.. فرنسي سحرته "ألف ليلة وليلة" فأهداها إلى العالم
الكثيرون لا يعرفون فضل المستشرق الفرنسي أنطوان جالان (1646 - 1715 م)، الذي كان أول من ترجم نص "ألف ليلة وليلة" إلى لغة أوروبية
يعد كتاب "ألف ليلة وليلة " أكثر الكتب شعبية في العالم العربي، وأكثرها ارتباطا بشهر رمضان، حيث نالت حكاياته اهتماماً كبيراً، وتحولت إلى أعمال درامية بصيغ ووسائط مختلفة.
ورغم الشهرة التي نالها الكتاب، والأزمات التي سببها في العالم العربي بسبب طابعه الجريء، فإن الكثيرين لا يعرفون فضل المستشرق الفرنسي أنطوان جالان (1646 - 1715 م)، الذي كان أول من ترجم النص إلى لغة أوروبية.
وبفضل ترجمته الفرنسية بدأت "الليالي" رحلتها في العالم، وأصبحت أكثر النصوص إلهاما لمبدعي العالم، سواء في الأدب أو مختلف الفنون الدرامية.
ولكي ندرك دوره الاستثنائي، علينا أن نعلم أن "الليالي" حتى ذلك الوقت لم تكن قد ضمها كتاب مطبوع في العالم العربي الذي لم يكن قد عرف الطباعة بعد.
وصدرت الترجمة الإنجليزية باسم "الليالي العربية" سنة 1706، في حين طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة 1825م بإشراف المستشرق هايخت، فأنجز منه ثمانية أجزاء، مع ترجمته إلى الألمانية، وتوفي قبل إتمام الكتاب، فأنجز الباقي تلميذه هاينريخ فلايشر المتوفى سنة 1888م ثم طبع مرات عدّة، أهمها طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1960م، وقد عمِل محسن مهدي على توثيق النسخ العربية في عمل صدر له في ليدن سنة 1984م.
وكان جالان أستاذاً للغتين العربية والعبرية بالكلية الملكية الفرنسية، واشتغل بجمع التحف والمخطوطات النادرة لصالح أثرياء فرنسا، ومن بين هؤلاء الوزير الفرنسي الشهير كولبير.
وسجل خبراء الترجمة جملة من التحفظات حول ترجمة "جالان"، لأنه ألبس الليالي ثوباً فرنسياً كعادة معاصريه الذين يلجأون إلى الاقتباس أكثر من الترجمة، ولذلك بدت الترجمة منسجمة مع قواعد الأدب الكلاسيكي الغربي.
ومن جانبه، يرى الدكتور عبدالواحد شريفي، في دراسة له أن "جالان" كان مترجماً قديراً وأديباً فذاً، استطاع أن يقدّم لقرائه أجود حكايات الكتاب بأسلوب قصصي بارع يتسم بالوضوح والرشاقة، ولغة ناصعة يتداولها القارئ، كأنّه أمام نص أصيل.
وأضاف أن هذه الترجمة ظهرت في الوقت المناسب، إذ سئم القراء في أوائل القرن 18 من الأدب الكلاسيكي، الذي جمدته قوالب فنية لا تقبل التطور، وراحوا يبحثون عن أدب جديد قادر على إلهاب الخيال، أدب يختلف تماماً عن الكلاسيكية التي عمّرت طويلاً.
ولفت إلى أن "جالان" بدأ رحلته مع النص بترجمات تدريجية، حيث بدأ بترجمة حكايات "السندباد البحري"، ثم "المخطوط الشامي"، وبعد ذلك ترجم المخطوط العربي، الذي وصل إليه من حلب ونشر ترجمته في 7 مجلدات، ما بين سنتي 1704 و1707، مضيفاً إليها حكايات "السندباد البحري" التي عثر عليها على حدة في بداية الأمر.
وفاجأته ناشرة كتبه كلود باربان بنشر المجلد الثامن من الترجمة عام 1709، وفيه ترجمات لآخرين من قصص الليالي.
ومهما كانت التحفظات التي سجلها المتخصصون بشأن ترجمة "جالان"، فإنه كان مصدر إلهام كُتاب العالم الذين تأثروا بمدرسة الاستشراق، خصوصا مع ظهور ترجمة أخرى للفرنسي المصري جوزيف ماردروس (1886-1949) تحت اسم "خلف الليالي"، الذي قدم الليالي في عروض شبيهة بعروض "الرواة الشعبيين"، فعمق من تأثيرها في فرنسا، خصوصا أنه تدخل بالإضافات التي نالها من خبراته الشخصية، فأنتج نصاً هو نتيجة لتفاعل عدة نصوص.
aXA6IDE4LjExNi4xNC4xMiA= جزيرة ام اند امز