واجهت جامعة الدول العربية في إطار العمل العربي المشترك كثيراً من العقبات وكثيراً من النقد وُجه لهذه المؤسسة القومية.
يعاني العمل الإقليمي العربي من مشكلات خطيرة تهدد الأمن القومي وتجعل العمل الإقليمي على درجة من الخطورة دون الأخذ بها بالأهمية، ومن أبرزها الإرهاب الذي ضرب جذوره في دول عديدة من منطقتنا العربية؛ عدا عن حالات التفرقة في صفوف الأمة العربية وخروج بعض الدول عن الاجماع العربي، وتآمر بعضها على أشقائها وما ينتاب القضية الفلسطينية من تحديات باتت تشكل خطراً فادحاً على مسألة السلام.
وتتحرك هيئات جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب لمناقشة المقترحات الهادفة إلى تطوير الجامعة، وتفعيل العمل العربي المشترك، تمهيداً لبلورة مفاهيم توفر الاتفاق بالحد الأدنى من الأهداف الاستراتيجية التي تحمي الأمن القومي العربي، فالمناخ الحالي السائد على امتداد الساحة العربية هو الأنسب لتحقيق المصالحة القومية.
وجاء مؤتمر القمة العربية في دورته التاسعة والعشرين لطرح العديد من القضايا الشائكة التي أصبحت تشكل عائقاً أمام العمل العربي المشترك، وأولاها تصاعد حدة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة والدعم الواسع الذي يتلقاه من دول عربية وعالمية، بما فيها إمارة قطر وتركيا.
يجب أن تؤدي جامعة الدول العربية الدور الأكبر لاسيما أنها تمثل جميع الدول العربية، وجميعها متفقة على ميثاقها وموقعة عليه، وما تتمناه الشعوب العربية وقف حمامات الدماء ووضع نهاية للصراعات والاقتتال بين الأشقاء العرب، فالحل النهائي يأتي من داخل المنطقة العربية وليس من خارجها.
ورغم تداول بعض الجهات الرسمية من أن النظام القطري قلّص دعمه لمنظمات متطرفة في سوريا وليبيا، والعمل على إيجاد حل سلمي لهاتين الأزمتين، إضافة إلى تقليص الدعم لحركة حماس ما فرض على الحركة تسليم غزة للسلطة الفلسطينية، فيما تؤكد الدول الأربع المقاطعة للنظام القطري في بيانها استمرار السلطات القطرية بدعم واحتضان وتمويل الإرهاب، وتشجيع التطرف ونشر خطاب الكراهية، وأنها لم تتخذ أية إجراءات فعالة بالتوقف عن النشاط الإرهابي.
وقطر التي لم تكترث بما آلت إليها تصرفاتها على مستوى المنطقة تدميراً وإجراماً، ترى نفسها أكبر مما تتصور، وأن مصيرها إلى زوال سياسياً وعسكرياً وإقليمياً، حيث أكد وزير خارجيتها حين رد على سؤال حول احتمال قيام الدول المقاطعة باتخاذ إجراء عسكري بحقها قائلاً للصحفيين في واشنطن: إنه على الرغم من أن قطر تأمل في ألا يحدث ذلك فإن بلاده مستعدة جيداً، ويمكنها الاعتماد على شركائها في الدفاع عنها ومنهم فرنسا وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة التي لها قاعدة في قطر، وفقاً لتصريحاته مضيفاً أنه "ولا يمكن التنبؤ بسلوكهم لذا ينبغي أن تكون كل الخيارات قائمة على الطاولة بالنسبة لنا، لكن لدينا من الأصدقاء من أجل منعهم من اتخاذ هذه الخطوات كما أنه لو وقع أي عدوان ستتأثر به القوات الأمريكية".
ثمة تساؤل يمكن طرحه أين دور أجهزة الدفاع المشترك واللجان المتفرعة عنه؟ منذ أن وافق مجلس جامعة الدول العربية عام 1950م على إبرام معاهدة الدفاع المشترك لسد الثغرات التي ظهرت في الميثاق في المجالين الدفاعي والاقتصادي، فالميثاق نص في مادته السادسة على أن من اختصاص مجلس الجامعة اتخاذ التدابير عند وقوع عدوان أو خشية وقوعه على إحدى الدول الأعضاء، ولكن الميثاق لم يحدد نوع هذه التدابير وحجمها، وكيفية تنفيذها مما يجعل قمع العدوان يفتقد الآليات العملية لتنفيذه لذلك لابد من معالجة هذا القصور، وضرورة إعادة صياغة إبرام معاهدة الدفاع المشترك وإنشاء هيئات جديدة تتولى تنفيذ ما جاء في المعاهدة، وتتضمن معاهدة الدفاع المشترك أحكاماً تتعلق بفض المنازعات بين الأعضاء بالطرق السلمية، كما تتضمن أحكاماً أخرى تتعلق بمواجهة العدوان المسلح.
لقد اعتبرت المعاهدة أي اعتداء على دولة هو اعتداء على بقية الدول الأعضاء، وأقرت عملاً بمبدأ الدفاع عن النفس اتخاذ جميع التدابير اللازمة بما فيها استخدام القوات المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلم، ونصت المعاهدة على إنشاء قيادة عسكرية موحدة دائمة تتكون من ممثلي الجيوش العربية ولم تظهر هذه الهيئة إلا عام 1964م، وترتب عليها أيضاً إنشاء هيئات جديدة في نطاق الجامعة ولكنها لا تدخل ضمن فروعها الرئيسية.
لكن أين تنفيذ هذه المهام الموكلة إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك؟ وأين الخطط العسكرية لمواجهة كل الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح لتقديم المقترحات ولتنظيم قوات الدول المتعاقدة ولتعيين الحد الأدنى لقوات كل منها إلى جانب مهام أخرى تتعلق بالتدريبات المشتركة والمعلومات المتعلقة، وإمكانيات كل دولة من الناحية الحربية ومقدراتها في المجهود الحربي؟
ونستذكر أنه لما عقد مؤتمر قمة أنشاص عام 1946م بعد مدة قصيرة من صدور التقرير الأميركي البريطاني المؤيد لوجهة النظر الصهيونية بشأن هجرة اليهود إلى فلسطين، احتجت الوكالة اليهودية قبل المؤتمر على صدور بروتوكول الإسكندرية عام 1944م، وتوقيع ميثاق الجامعة، وكل خطوة عربية وحدوية كانت سبباً لقلق الصهيونية، وكانت أيضاً نتيجة للمطامع الصهيونية واستمرت علاقة التضاد بين الخطوات الوحدوية العربية وبين إسرائيل منذ أربعينيات القرن العشرين، وإسرائيل هي أكثر من يشعر بعلاقة التضاد هذه.
وفي عام 1990م مع غزو الكويت تولد شعور بأن النظام السياسي العربي كان أول ضحايا ذلك الغزو، واستطاع العرب عقد قمة 1996م وكانت قمة ناجحة بمعايير نجاح القمم العربية إلا أن الالتزام بقرارات تلك القمة كان هزيلاً.
واجهت جامعة الدول العربية في إطار العمل العربي المشترك كثيراً من العقبات وكثيراً من النقد وُجه لهذه المؤسسة القومية، واستطاعت أن تتجاوز معظم ما أحاط بها من عقبات وأن تمضي في طريقها وأن يكون إجمالي ما تم تحقيقه من أهدافها وطموحاتها أقل مما كان مأمولاً، والأمر في هذا كان نتيجة طبيعية لظروف موضوعية طالما أحاطت بالجامعة العربية وبمؤسساتها وتوجهاتها وإن كان لابد من ملاحظة أن الجهود العربية لم تتوقف باتجاه تفعيل وتنشيط الجامعة.
وعلينا ألا نتوقع من إسرائيل، ومهما تغيرت حكوماتها، أن تنشد السلام أو تقبل بتنفيذ قرار حق العودة أو إيجاد حل للدولتين أو التراجع عن اعتبار القدس عاصمة لها، وكل مبتغاها تهديم كل ما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة التاريخية زهرة المدائن مدينة السلام، في الوقت الذي تتصاعد فيه عملياتها العدوانية بحق الفلسطينيين.
على يد الغزاة تحول الدم العربي إلى حبر يخطون به استراتيجية النهب، وفي موطن الشرائع الأولى في تاريخ المنطقة، تداس فيها الشرائع لصالح غطرسة القوة العدوانية والصهيونية العنصرية.
وبهذا الصدد يجب أن تؤدي جامعة الدول العربية الدور الأكبر ولاسيما أنها تمثل جميع الدول العربية، وجميعها متفقة على ميثاقها وموقعة عليه، وما تتمناه الشعوب العربية وقف حمامات الدماء ووضع نهاية للصراعات والاقتتال بين الأشقاء العرب، فالحل النهائي يأتي من داخل المنطقة العربية وليس من خارجها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة