الأمين المساعد للجامعة العربية: وضع ليبيا ينذر بمواجهة قادمة
السفير حسام زكي يتحدث في حوار مع "العين الإخبارية" حول التدخلات التركية والإيرانية وملف تطوير ميثاق الجامعة العربية وعودة سوريا
من واقع مسؤولياته، وبلهجة الدبلوماسي الهادئة، التي لم تخلُ من واقعية سياسية، وبخبرات متراكمة لسنوات عديدة تجاوزت الـ33 عاما يوصّف السفير حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية في حوار مطوّل مع "العين الإخبارية" من مكتبه بمقر الجامعة العربية بوسط القاهرة، أزمات المنطقة.
وفي مقدمة الأزمات التي تحدث عنها الدبلوماسي المخضرم التدخلات التركية-الإيرانية في شؤون عدد من الدول العربية، والأخطار المحدقة بسبب هذا التدخل، مستعرضا في الوقت ذاته الفرص الممكنة لتجاوزها.
وقال زكي إن "التهديدات التى تمثلها تركيا للشؤون العربية تتوازى في مخاطرها مع التدخلات الإيرانية"، مضيفا أن "أنقرة وطهران لديهما الأسلوب المؤسف نفسه في الانقضاض على دول عربية فقدت قدرتها على التوحد، وتعاني من أزمات كبيرة".
وبتعبير لافت، يرى السفير زكي أن الوضع العربي الراهن هو "الأسوأ والأصعب بالنظر إلى ما كانت عليه الأوضاع في السابق".
وحول ليبيا التي تقرع تركيا فيها طبول الحرب؛ لاستنزاف مواردها، قال الدبلوماسي المصري: إن "الوضع بالبلاد يتسم بالخطورة البالغة، ويتجه نحو التدهور ميدانيًّا فى اتجاه صدام نأمل تجنبه". وشدد في هذا الصدد على أن "أي حل للأزمة لابد أن يكون ليبيًّا خالصًا".
ومع تأكيد على أن الوضع السوري يختلف نسبيًا عن الواقع الليبي، أشار زكي إلى أن "الجامعة تسعى لتجنيب ليبيا المصير السوري".
ويكشف الأمين العام المساعد للجامعة العربية في حواره عن أن مسألة تعديل ميثاق الجامعة "لم تغلق" حتى الآن، وهناك إمكانية لفتح الملف إذا رأت الدول ذلك.
وفي مسألة إعادة عضوية سوريا للجامعة العربية، بعد تجميدها منذ عام 2011، قال: "لم يحدث أي تحرك رسمي من أي طرف حتى الآن، عدا انعقاد جلسات تشاور غير رسمية على مستوى الوزراء، والمسألة تحتاج إلى ذات التوافق بين الدول الأعضاء بالجامعة، الذي كان في مرحلة التجميد".. وإلى نص الحوار:
تشهد الساحة الليبية حاليا تطورات عديدة بين دعوات عربية وأوروبية للحل السياسي مقابل تصعيد عسكري تركي.. ما تقييمك للوضع الحالي بليبيا؟
الوضع في ليبيا يتسم بالخطورة البالغة؛ حيث إنه يتعلق بـ"سرت" وما حولها، وينذر بأن هناك مواجهة قادمة، ومن الواضح أن هناك طرفًا على الأقل يصر على الحل العسكري، وهذا الأمر من الصعب أن يقبل به الطرف الآخر.
للأسف الشديد فإن الوضع يتجه نحو التدهور ميدانيًا في اتجاه صدامٍ قد يحدث على الأرض، لكننا نأمل تجنّبه، وألا تتطور الأمور لتصل إلى حد خطير يهدد استقرار ليبيا والمنطقة.
كيف ترى الإصرار التركي على التدخل العسكري في ليبيا؟
هناك قرارات واضحة من الجامعة العربية فيما يتعلق بالتدخلات التركية، وكذلك في الشئون الداخلية العربية الأخرى.
ففي مارس/أذار الماضي أصدرت الجامعة قرارًا يحمل فقرات واضحة تخص ليبيا وسوريا والعراق. وفي الشأن الليبي لم تتحدث الجامعة عن التدخل التركي فحسب، بل عن كل التدخلات الأجنبية الأخرى، باعتبارها أمرًا لا يساعد الليبيين على الوصول إلى التسوية المناسبة.
ونحن مستمرون في تشجيع الليبيين على الجلوس سويا لحل خلافاتهم؛ لأنه في النهاية لا يوجد حل سوف يفرض عليهم من الخارج. ونؤكد أن أي حل للأزمة لابد أن يكون في المقام الأول حلا ليبيًا خالصًا، ويمكن أن تدعم القوى الإقليمية والدولية لاحقا هذا المسار الوحيد لإنهاء الأزمة.
من المسؤول عن تعطيل التوصل إلى حل سياسي في ليبيا؟
كل من يستمر في الترويج لإمكانية الحل والحسم العسكري تقع عليه مسئولية لا مناص منها؛ لأنه بذلك يحرم الجميع من فرص التسوية السياسية.
ويجب هنا أن يدرك الناس أن الحل العسكري أو الميداني أمر لن يكون متاحًا لأي من الجانبين المتصارعين، والحل الوحيد من خلال التسوية السياسية، والمسار السياسي الذي رسمه مقررات مؤتمر برلين (الذي عقد في ألمانيا يناير/كانون الثاني الماضي بمشاركة 11 دولة بحضور تركيا وروسيا، للتوصل لتسوية سياسية للأزمة الليبية).
هل ما زالت مقررات برلين قائمة وقابلة للتطبيق في ظل التطورات الميدانية الحالية؟
نعم.. لأنها في الحقيقة تعبر بشكل أساسي عن رؤية المجتمع الدولي للمسألة الليبية؛ حيث أن المؤتمر جمع بين أهم اللاعبين الدوليين والإقليميين، والكل توافق على مقررات المؤتمر، والمفترض أن من يتوافق على مقررات مؤتمر أن ينفذها، ولا يخرقها أو يناقضها.
ونناشد الجميع في هذا الصدد أن يلتزموا بهذه المقررات؛ لأن تنفيذها يصبُّ في صالح استقرار ليبيا وشعبها.
لكن هناك أطرافا شاركت في مؤتمر برلين، وتحديدا تركيا ولم تلتزم بمقرراته وخرقته بإرسال السلاح والمرتزقة لليبيا .. كيف ترى هذا الأمر؟
مسألة إرسال السلاح والمرتزقة والإرهابيين إلى ليبيا أمر مستهجن، ولا يمكن القبول به؛ لأن مثل هذه الأفعال تذكي نار الخلاف والصدام العسكري، وتجعل من الحل العسكري إمكانية ماثلة في الأذهان لدى قطاع من الأطراف الليبية المتحاربة، في المقابل إذا امتنع الجميع عن إرسال السلاح والمرتزقة إلى ليبيا في هذا الوقت الحرج ربما يساعد هذا في إقناع الليبيين بأن المسار العسكري ليس هو الطريقة المثلى لحل خلافاتهم، وأن الحوار والمسار السياسي هو المجال الوحيد لحل الأزمة.
ماذا عن المبادرة السياسية لإنهاء الصراع في ليبيا التي أعلنها الرئيس المصري في يونيو المعروفة بـ"إعلان القاهرة"؟
نحن أعربنا عن إشادتنا بإعلان القاهرة، باعتباره يروّج أيضا للحل السياسي، ويبتعد بالأزمة الليبية عن مسارات المواجهات العسكرية، وتبعاتها السلبية على الشعب الليبي، وعلى عموم إقليمي شرق شمالي إفريقيا وجنوب المتوسط. ونؤكد على استمرار دعمنا لكل المبادرات التي تروِّج للحل السياسي.
وفيما يتعلق بهذا الإعلان تحديدا، أعتقد أنه يحظى بموافقة قطاع واسع من الليبيين، ونأمل أن يحظى بموافقة مماثلة من الطرف الآخر في الصراع (في إشارة إلى حكومة الوفاق).
هل ترى أن التدخل التركي هو العامل الأخطر الذي يواجه العالم العربي حاليا؟
أعتقد أن التهديدات التي تمثلها تركيا للشؤون العربية عموما توازي في مخاطرها التدخلات الإيرانية. أنقرة وطهران لديهما الأسلوب نفسه المؤسف في الانقضاض على دول عربية فقدت قدرتها على أن تتوحد، وتعاني من بؤر أزمات كبرى، وأطراف مؤثرة على الساحة الداخلية خارج سيطرة الدولة، وذلك لتحقيق أغراضهما الإقليمية.
وينبغي أن يتوقف هذا الأمر وعلى العرب أن يدركوا أنه بمثابة انتقاص من سيادتهم ولُحمتهم وقدرتهم على التوحد. والاستقطاب الحاد الذي تسببت فيه التدخلات الإيرانية والتركية بالشؤون العربية نتج عنه مشكلات ضخمة بدولنا، وهو ما يتطلب عدة سنوات لإصلاح ما أفسدته هاتان الدولتان.
ما أبرز تداعيات التدخل التركي الإيراني في المنطقة؟
لكلتا الدولتين، أجندتها ورؤيتها وحساباتها الخاصة، وكيفية تحقيق مصالحها، سواء كان في الإقليم، أو ما وراءه.
وتداعيات التدخل على الوضع العربي سلبية جدا؛ لأنه عندما تدخل أي من طهران أو أنقرة في دولة ذات وضع متأزم سياسيا تحيله في الأغلب إلى صدام عسكرى طويل، ويكون له تداعياته على استقرار هذه الدولة وما وراء حدودها، وهو ما يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة، وبالتالي استمرار معاناة العرب.
هل تخشى الجامعة العربية من تكرار السيناريو السوري في ليبيا؟
نتمنى بطبيعة الحال ألا يتكرر السيناريو السوري في ليبيا، الذي يختلف الوضع فيه عن الحالة السورية، فهناك دول جوار عربية وإفريقية لليبيا، ونتحدث هنا عن دول عربية أعضاء بالجامعة لديها مصالح، وقدرة أيضا على الوجود، وعرض رؤيتها، والتأثير على المسرح الليبي، ورؤى تلك الدول سوف تؤخذ في الاعتبار.
وفي كل الأحوال فإن الأمور لم تصل بعد إلى الوضع الصعب للغاية الذي وصلت إليه الحالة السورية، ومع ذلك فالحذر واجب، وعلينا جميعا أن نسعى لتجنيبها المصير السوري.
هناك دعوات طالبت بتجميد عضوية ليبيا في الجامعة العربية، وسحب الاعتراف من حكومة فايز السراج؟
كأمانة عامة بالجامعة العربية لا ينبغي أن يكون لنا وجهة نظر مؤيدة لتجميد عضوية أي دولة على الإطلاق، فنحن نتعامل مع جميع الدول، أما قرار التجميد فيجب أن تتوافق عليه الدول الأعضاء بالجامعة.
ونذكر في هذا الصدد بقرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية الذي اتخذ عام 2011 والذي اعتبره كثيرون بمثابة حرمان الجامعة من قدرتها على التأثير في الملف السوري. فقد أثبتت الأحداث أن التسرع في اتخاذ إجراء التجميد لم يكن مناسبًا على المدى الطويل؛ حيث أصبح تأثير الجامعة شبه منعدم على الوضع في سوريا.
ومن موقع الأمانة العامة، نقول إن الحل ليس في التجميد والمنع، لكن في تشجيع الحوار، والمسار السياسي، وهو ليس أمرًا مستحيلا، ولكن يحتاج إلى إرادة سياسية من جانب الفرقاء الليبيين أولا، قبل أن يكون من جانب الدول العربية، أو الدول المنغمسة في الشأن الليبي.
إذن.. هل يمكن أن تعيد الجامعة النظر في مسألة إعادة مقعد سوريا؟
تحدثنا عن مسألة مقعد سوريا كثيرا. وقلنا إن إعادة عضويتها يحتاج إلى ذات التوافق نفسه الذى كان في مرحلة التجميد، فهناك ملاحظات عديدة من الدول الأعضاء بالجامعة على الأداء الحكومي السوري، وهناك تخوفات أن مثل هذه العودة ربما تحمل تبعات سلبية على تماسك الوضع العربي المثقل بعوامل عدة.
وهنا لابد أن تؤخذ مسألة إعادة العضوية السورية بدقة بالغة؛ حتى لا نزيد من عوامل الفرقة الموجودة في الصف العربي حاليا. ويفضل الأمين العام بالجامعة العربية (أحمد أبو الغيط)، بأن ينصح الدول الأعضاء دائما بالاستمرار في حوارها حول هذه المسألة، وحتى إذا تقررت عودة المقعد السوري يكون بتوافق الآراء.
وما إمكانية طرح عودة المقعد السوري في القمة العربية القادمة بالجزائر؟
الإعلام يطرح المسألة بشكل مستمر، لكن لم يحدث أي تحرك رسمي من أى طرف حتى الآن، فيما عدا انعقاد جلسات تشاور غير رسمية على مستوى الوزراء.
بعد إجتزاء الإخوان تصريحاتكم حول "حكومة الوفاق".. هل ترى أن هناك تربصا بتصريحات الجامعة بشأن الأزمة الليبية؟
قنوات الإخوان الإعلامية سعت إلى إجتزاء تصريحات لي عن الأزمة، قد تدعم وجهة نظر أحد الفرقاء، وحاولت صنع قصة فارغة ليس لها أساس من الصحة.
وعموما لا أتوقف كثيرا عند هذه الأمور؛ لأن هناك أطرافا كثيرة لديها مصالح، ومن الطبيعي أن تحاول الانقضاض على تصريحات معينة وتفسرها لصالحها.
(وكان الأمين العام المساعد للجامعة العربية قد نفى في تصريحات مزاعم قنوات الإخوان بشأن اعتراف الجامعة العربية بشرعية الوفاق، قائلا إن تصريحاته خرجت عن سياقها حيث ذكر أن "حكومة الوفاق نتجت عن اتفاق الصخيرات، الذي انتهت صلاحيته، لكن المجتمع الدولي توافق على استمرار الاعتراف بالمؤسسات الناتجة عن هذه الحكومة إلى حين وصول الليبيين إلى مؤسسات أخرى، وهو ما لم يحدث حتى الآن).
هل هناك فروق بين السلوك الإيراني والتركي في المنطقة.. البعض يرى أن نفوذ إيران ينحسر؟
لا أعتقد أن هناك فروقا كبيرة بين أسلوب إيران وتركيا في التعامل مع الشأن العربي، ربما تركيا الأكثر تحركا الآن؛ لأنها تفتح 3 جبهات في وقت واحد هى سوريا والعراق وليبيا، أما إيران فتعتمد على لاعبين لصالحها تغذيهم بالمال والسلاح وغيره.
وتلك التصرفات كلها غير مسؤولة، وتضعنا في وضع في منتهى الدقة والصعوبة وتمثل ضغطا كبيرا على الرأي العام العربي، والوضع الميداني، وخاصة في مناطق الأزمات التي تعاني كثيرا.
كيف يتم استغلال التوافق الأوروبي والعربي للضغط على تركيا من أجل وقف تدخلاتها؟
وقف التدخل التركي يتطلب توفر عدة عناصر لا أراها مكتملة الآن، ربما قد تكتمل بعد فترة، لكن للأسف الشديد فيما يتعلق بالساحة الليبية الآن، تشير الأوضاع إلى أن هذه التدخلات ستستمر ولن تنحسر قريبا.
وماذا عن الموقف الأمريكي وتأثيره لوقف التدخل التركي؟
الموقف الأمريكي دائما ينظر إليه باهتمام؛ لأنها دولة عظمى ولديها تأثيرها الكبير لكنه ليس الموقف الوحيد، فهناك مواقف كثيرة مؤثرة مثل دول الجوار وروسيا وغيرها. وللأسف الساحة الليبية الآن ساحة للعديد من الأطراف، وصدامات صعبة وآثارها وتداعياتها أصعب.
نأمل أن يعود الجميع إلى رشده، وإلى الصواب حتى لا تتطور الأمور إلى اتجاه لا يحمد عقباه.
على صعيد القضية الفلسطينية.. ما خطورة المخطط الإسرائيلي لضم أراضي بالضفة؟ والدور الذي قامت به الجامعة لمواجهة هذا المخطط؟
خطة الضم الإسرائيلية بحثناها على مستوى الأمانة، ثم على مستوى الدول الأعضاء، وكان بها قرارات واضحة، ونفذنا هذه القرارات. هدفنا دائما هو عدم انتقال خطة الضم إلى حيز التنفيذ.
حتى الآن الخطة لم تر النور، ولا نريد أن نعتبر هذا نجاحا للجامعة العربية فقط ولكن ربما الحكومة الإسرائيلية لديها اعتباراتها، أو هناك إعادة نظر في بعض الأمور، وربما لديهم اعتبارات داخلية.
ما نستطيع قوله إن الجامعة العربية قامت بدورها في هذا الأمر، وما كلفت به من الدول الأعضاء التي كانت على مستوى المسؤولية القومية بحيث تضامنوا وعملوا بشكل جيد ومبشر، من أجل إعاقة المخطط الإسرائيلي للضم، وأعتقد أننا وصلنا لنتيجة جيدة ومرضية حتى الآن.
وقد تواصلنا مع الاتحاد الأوروبي ومع دول مؤثرة كروسيا والصين والهند، وأوضحنا أن مخطط الضم يهدد حل الدولتين وهو أمر يجب أن يشعر الجميع بخطورته حيث يهدد استقرار المنطقة.
كما عملنا بشكل جيد وممنهج مع أطراف صديقة تدافع عن حل الدولتين، وتعتقد أن أي مساس به هو تهديد للاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، ونعتقد أن نتيجة العمل حتى الآن إيجابية.
وهل لاحظتم تراجعا إسرائيليا عن مخطط الضم؟
نعتقد أن التردد الإسرائيلي في المضي قدما فى هذا الأمر، نتيجة للضغط الدولي الذي تم في هذا الموضوع، والذي كنا جزءا منه.
75 عاما مرت على تأسيس ميثاق جامعة الدول العربية.. وبطبيعة الحال اختلفت قضايا العرب في مضمونها وشكلها حاليا.. هل هناك تفكير في تعديل بعض بنود الميثاق؟
تم بحث هذا الأمر مرارا على مستوى الدول، والميثاق بشكله الحالي رغم حاجة بعض الأمور به للتحديث، إلا أن حكمة من صاغوه في الماضي، كانت عالية جدا حيث تناولت عناوين عريضة ومبادئ رئيسية، ولم تدخل في تفاصيل صغيرة، وهو ما مكن كل من جاء بعد الرعيل الأول من التعامل مع هذا الميثاق.
ونظرا للحاجة إلى مزيد من إعادة النظر في الميثاق، شكلت الدول الأعضاء منذ عام 2013 فرق عمل لبحث هذا الأمر، لكنها لم تصل بعد لخلاصة متفق عليها.
ونؤكد هنا أن الميثاق بمثابة وثيقة رئيسية لا يمكن أن تخضع للتصويت بحيث أن تعارضها بعض الدول، وتوافق عليها دول أخرى.
لكن كيف تتعامل الجامعة العربية مع مستجدات قضايا لم تكن موجودة في السابق؟
الميثاق دائما يصاغ بشكل رحب وفضفاض، بحيث يكون مظلة واسعة يعمل تحتها الجميع في الأزمات بين الدول.
ونؤكد إجمالا أنه إذا جرى إعادة صياغة لبعض بنود الميثاق، فالرأى والتوصية لدينا مع الدول هي أن تصاغ بدقة وحذر شديدين، وأن تحصل على التوافق لأنها الوثيقة الرئيسية للمنظمة.
إذن مسألة تعديل الميثاق قائمة وتخضع للمناقشة؟
الميثاق بوضعه الحالي يحوز على رضا الجميع، لكن مسألة تعديله قائمة ولم تغلق حتى الآن، وهناك إمكانية لفتح هذا الملف إذا رأت الدول ذلك.
هل تتوقع عقد القمة العربية المقرر انعقادها بالجزائر خلال العام الجاري، بعد تأجيلها منذ مارس/أذار الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا؟
هناك تشاور مستمر مع الجزائر باعتبارها الدولة التي سوف تترأس القمة المقبلة بعد تونس، وبمجرد التوصل لنتيجة سوف نعلنها.
بمناسبة الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز، قلتم إن ما جرى في مصر 2013 "حدث تاريخي، قلب ميزان قوى إقليمية، وتداعياته ستستمر سنين".. ما مغزى رسالتكم تلك؟
قصدت أن ما حدث في مصر عام 2013 غاية في الأهمية، حيث إن دولة محورية بحجم مصر وسكانها وتاريخها وجيشها أخرجت نفسها من مدار الدول التي تسعى فيها تيارات الإسلام السياسي للسلطة، وخرجت من هذا المعسكر بالكامل، وهو أمر سيدفع هذا المعسكر، بكل قدرته وإمكاناته إلى عقاب القاهرة على قرارها بالخروج من هذا المدار، والمسألة ليست سهلة.
المصريون مستعدون للابتعاد عن هذا المعسكر بالكامل، ودفع ثمن الخروج من دائرة تأثير الإسلام السياسي ومناوراته على الحكم والسلطة وكل الدعم الذي يأتيه، وكل الأمور التي يروج لها في هذا الصدد.
كيف ترى خطورة استمرار الإخوان في حكم مصر؟
الأمر اختيارات شعوب، ولعل بعض الدول والشعوب يعجبها هذه التيارات وفكرها، لكن الرأي العام في مصر رفض هذه الجماعة، رغم أنه كان هناك قدر من التفهم لهذا التيار في السابق قبل عام 2011، لكنه تغير، حين قفز هذا التيار على السلطة. وحين رأى الناس وجها قبيحا لهم (الإخوان)، وقفوا بوضوح ضدهم.
هل هناك مستقبل للإسلام السياسي في المنطقة؟
بالطبع لا مستقبل للإسلام السياسي في مصر، أما في المنطقة فهناك قطاعات شعبية لا تزال تؤمن بهذه الأفكار، وتضعها في أطر سياسية.
لكن ألا يمثل تواجدها في أطر سياسية خطرا على الدولة؟
أثبتت التجربة المصرية أن هذا التأطير السياسي، يتيح أمورا في غاية الخطورة في هذه الدول، وبالتالي يمكن أن يكون هناك تداعيات. ونقول إن كل شعب له خياراته التي يجب احترامها، فالشعب المصري كان خياره واضحا وينبغي احترام هذا الاختيار.
المشكلة تبدأ حين يأتي أحد من خارج الدولة ليملي على الشعب، أو الدولة خيارات معينة، وهذا غير مقبول، ولا يوجد شعب يقبل بذلك.
قضيت نحو 33 عاما فى العمل الدبلوماسي.. هل مرت على الأمة العربية فترة أصعب، أو أسوأ من تلك التي تمر بها حاليا؟
للأسف لا.. الوضع الحالي يتجاوز بمراحل أسوأ ما كنا عليه في السابق، فالأوضاع الحالية مزرية وصعبة للغاية من نواحي عديدة.
هل السبب في غياب إرادة عربية حالية للحل؟
من وجهة استراتيجية بحتة، من الصعب أن تترك الكتلة العربية، التي تقع في قلب العالم، للعرب وحدهم لكي يقرروا مصيرهم بأنفسهم دون تدخلات.
السؤال كيف يتصرف العرب لمواجهة هذه التدخلات؟.. للأسف فإن المشكلة أن هذه التدخلات تستفيد من تناقضات عربية، ولذلك تنفذ أجندتها، وتحقق أهدافها، مثلما تفعل إيران التي بدأت في التوغل بالعالم العربي منذ 30 عاما.
نؤكد أنه إذا لم يستطع العرب حل مشكلاتهم بأنفسهم، سوف تتدخل أطرافا أخرى، إما لحل المشكلة، أو تفاقمها، وفي الحالتين نحن خاسرون.
هل يكون الحديث عن تفعيل اتفاقية "الدفاع العربي المشترك" بعيدا عن الواقع؟
تنفيذ اتفاقية الدفاع العربي المشترك الآن غير مجد؛ لأن الظروف والمفاهيم التي صيغت فيها الاتفاقية لم تعد تنطبق على الواقع الحالي، فالظروف والتهديدات الأمنية والعسكرية مختلفة ومعقدة جدا ولم تعد الأمور أبيض وأسود كما كان يحدث في الماضي.
aXA6IDMuMTQ1LjcuMjUzIA== جزيرة ام اند امز