أسباب وطريقة إدارة الأزمة لا بد أن يدهشنا ويثير فينا الفضول ويدفعنا للوقوف أمامه مطولا
عجيبة ردة فعل كوريا الجنوبية على قرار اليابان برفع اسمها من قائمة الدول التي لها الأفضلية في التجارة البينية مؤخرا، حيث يدل على أن الميراث التاريخي للدول بغض النظر عن مستويات التقدم التكنولوجي والاقتصادي لا يزال يلعب دورا في طريقة إدارة الأزمات.
فغير أن مسؤولا كوريا قال إن بلاده لن تنهزم مجددا من جارتها، في إشارة إلى الاحتلال الياباني لشبة الجزيرة الكورية خلال الفترة 1910-194، فإن السبب الذي دفع باليابان إلى اتخاذ هذا القرار هو ناتج عن حساسيات تاريخية، حيث يطالب الكوريون طوكيو بتعويضات مالية لعمال خدموا الإمبراطور بالسخرة خلال فترة الاحتلال وتقديم اعتذار حقيقي.
أسباب وطريقة إدارة الأزمة لا بد أن يدهشنا ويثير فينا الفضول ويدفعنا للوقوف أمامه مطولا للتأكد ما إن العاطفة التاريخية والموروث التاريخي عوامل محركة للعلاقات الدولية هو أمر يقتصر على العرب فقط أم أن الأمر مشاع ومنتشر في كل المجتمعات التي تنتمي إلى الشرق؛ لأننا نعيش طريقة إدارة أزمة بين دولتين حققتا الكثير من مؤشرات التقدم الحضاري والعلمي يؤمن البعض بأنها كفيلة لتغيير آلية تفكير الناس في التعاطي مع الاختلافات، ولكن أثبت الأمر أن المسألة لا علاقة لها بالتطور والتنمية.
كل الدلائل تشير إلى أنه لا يزال مبكرا الحديث عن انتقال قيادة العالم من آسيا اعتمادا على الثقل الاقتصادي فقط دون الأخذ في الاعتبار العديد من الاعتبارات منها: أساليب إدارة الأزمات وطرق إيجاد الحلول لقضايا تعد تاريخية تثير النعرات العصبية التي تصيب أي علاقات دولية بالهشاشة
لأن هاتين الدولتين تعدان نقطة ارتكاز كبيرة في تنافس الشرق على قيادة العالم بين الولايات المتحدة الأمريكية الحليف المشترك بينهما وبين الصين الدولة الصاعدة التي لا بد لها أنها تفكر في الاستعانة بهما في مشروعها العالمي في مواجهة الولايات المتحدة في نقل القيادة العالمية إليها والتي بالتأكيد لن تتم إلا بتحالفات إقليمية بين دولها وكوريا الجنوبية واليابان في المقدمة.
كنا نعيب على الدول العربية أو الدول التي تقع في منطقة الشرق الأوسط بسبب الطريقة التي تتم فيها إدارة الأزمات وإثارة النعرات السياسية والدينية، ولكن يبدو أن هذا الأمر له علاقة بأهل هذه المنطقة، حيث تقوم على استدرار الماضي كعامل مهم في مواجهة الآخر الذي يعد عاملا مساعدا في تهييج أي اختلاف وتصعيده بطريقة كبيرة والذي يصل أحيانا إلى أن يمس الشعوب وبدلا من أن يكون خلافا سياسيا على مصالح تتحول إلى أزمة بين الشعبين من خلال استخدام النعرات والاتهامات ترجع إلى عقود ماضية.
المغزى الثقافي أن أمر الجغرافيا لأهل الشرق هو المسيطر عموما وليس على العرب فحسب، حيث تتم الإدارة بالطريقة نفسها وأن الأمر له علاقة بالإرث الثقافي للشعوب التي تنتمي إلى الرقعة الجغرافية أو كل من ينتسب إلى هذه المنطقة من العالم وهذه إحدى النتائج التي أفرزه هذا الخلاف.
هذا الخبر يعيد بذاكرتنا إلى كتاب "الاستشراق" للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد الذي يمكن اختصار فكرته أنه ينقل رؤية المستشرقين الغربيين لمنطقة الشرق الأوسط وأهلها بأنهم يشتركون في مجموعة من الصفات الثقافية لسكان المنطقة العربية. لكنني أملك إضافة من عندي هي أن ما حمله الكتاب ينطبق على أهل الشرق كلهم بما فيهم الآسيويون وكأنهم يذكرونا بأننا "كلنا في الهم شرقيون" على الأقل في جانب التمسك بالعصبيات والإرث الثقافي والاجتماعي، وأن السكوت عنها أو عدم تصعيدها في فترة من الفترات لا يكون عدم وجودها وإنما لغايات المصلحة فقط ولكن بمجرد ما ينتهي الأمر تعود كل الأفكار القديمة، وهو عكس الدول الغربية تماما والدليل أن ألمانيا لم تكن على علاقة جيدة بأغلب الدول الأوروبية في السابق وما بين فرنسا وبريطانيا خلافات قديمة كثيرة ولكنهم يتفقون في الكثير من المواقف ويديرون اختلافاتهم بطرق دبلوماسية.
تدعي الأدبيات السياسية إمكانية إحلال الدول الآسيوية مكان الغرب في قيادة العالم وترتفع بعض الأصوات مؤكدة أن الحديث عن إمكانية قيادة دولة وحيدة دون أن يكون معها حلفاء في شيء من المبالغة وبالتالي يكون الحديث عن تحالف إقليمي بقيادة الصين للمنطقة ومن العالم ولكن في ظل إدارة الخلافات السياسية بهذه الطريقة والأسلوب الغوغائي فإن الأمر يشوبه الكثير من الشك والتردد والنظام العربي خير مثال.
كل الدلائل تشير إلى أنه لا يزال مبكرا الحديث عن انتقال قيادة العالم من آسيا اعتمادا على الثقل الاقتصادي فقط دون الأخذ في الاعتبار العديد من الاعتبارات منها: أساليب إدارة الأزمات وطرق إيجاد الحلول لقضايا تعد تاريخية تثير النعرات العصبية التي تصيب أي علاقات دولية بالهشاشة والوهن بما يجعلها أقرب الانشقاق والتشرذم وتكالب الآخرين عليهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة