أبرزت محاور المنتدى العربي الإعلامي، الذي أقيم في دبي أهمية ودور الإعلام للارتقاء بواقع المجتمعات البشرية
أبرزت محاور المنتدى العربي الإعلامي، الذي أقيم في مدينة جميرا بدبي على مدى يومي الثالث والرابع من نيسان الجاري برعاية كريمة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أهمية ودور الإعلام للارتقاء بواقع المجتمعات البشرية، وذلك ضمن تجمع سنوي للإعلام العربي والعالمي، وبحضور شخصيات من القيادات والرموز الإعلامية.
ولعل المشاركات كانت على مستوى ما كان يطمح إليه المنتدى العربي الإعلامي، حيث شملت المحاور الإعلامية المطروحة كل ما يتعلق بقضايا الإعلام صحافة ًوتلفزة ًوإذاعةً، وأغنت المواضيع والنقاشات المطروحة ما يهدف إليه منتدى الإعلام العربي، وقد اعتاد نادي الصحافة بدبي ومن خلال المنتدى الإعلامي العربي وعلى مدى سبعة عشر عاماً استضافة أبرز ممثلي وخبراء المؤسسات الإعلامية عربياً وعالمياً لعرض المستجدات في الشأن الإعلامي وتكنولوجيا المعلومات، لاستجلاء الحقائق الناصعة بهدف النهوض بالواقع الإعلامي العربي والخروج بمقترحات بنّاءة وتوصيات مفيدة تجعل الإعلام العربي في مصاف المؤسسات العالمية الكبرى.
دور الإعلام في مواجهة أعمال العنف والتحديات التي تطال الشعوب الآمنة هي مسؤولية وجدانية منوطة برجال الإعلام، وأي تهاون فيها ضياع لمبدأ شفافية المهنة وقداستها وانتقاص من مضامينها الخلاقة ومبادئها الإنسانية ومواثيقها العالمية
وتلك المنتديات الإعلامية التي تنظمها دولة الإمارات تغني المسألة الإعلامية وتثريها فكراً وثقافة، بل وتشكل هذه الملتقيات روح العمل الإعلامي وعلى كل المستويات؛ لأنها بطبيعة الحال تمس حياة الناس وقضايا وجودهم، فالأخبار في بعض الصحف أو الأقنية الفضائية وحتى في الإذاعات مهما كانت رسمية أو خاصة لا تنتهي عند القارئ ولكنها في الحقيقة تبدأ عنده، لأن المادة الإعلامية المميزة تنشط القارئ، ومن ثم تتحول إلى شبه وكالة أنباء رأي عام متنقلة بين أبناء المجتمعات.
وفي سياق ما تم طرحه آنفاً، يمكن عرض بعض النقاط الأساسية والتي تتمحور ضمن أحقية المهام والمهمات الإعلامية وأبرزها:
أولاً: الحديث في مسألة الإرهاب التي كثر الكلام عنها وعن أشكالها ومناهجها، فبالإضافة إلى الوجه التقليدي هناك أكثر من نوع ومنهج للإرهاب وعدا عن الإرهاب الأمني والإرهاب الاقتصادي والإرهاب الفكري، نجد الإرهاب الإعلامي الذي يشكل نقطة مهمة، حيث يسود الاعتقاد بأن الإرهاب الإعلامي هو منهج قادر على تغيير الحقيقة في عقل المتلقي، إما عن طريق حجبها عنه وإما إعادة صنعها وضخها لتصبح حكراً إعلامياً في وسط معين، تنتقل من خلاله الصورة بشكل مشوه وغير حقيقي، فالمعركة اليوم هي معركة إعلامية سلاحها الفكر والمعرفة، والفكر هو رأسمال الأمم في عصر المعلومات الذي نعيشه.
ويبدو أن الإرهاب الفكري في الإعلام هو إرهاب غير مستقل ولا منفصل عن المدارس السياسية العالمية، وهو إرهاب يعود في قسم كبير منه إلى انعدام لغة الحوار الديمقراطي وغياب ممارسات الحريات بكل أشكالها وألوانها، وبذلك لم يكن باستطاعة الإعلام بوجود ممارسات ضاغطة، التحرك بصدق وأمانة في أجواء من الهيمنة والاغتيال والقتل والإرهاب.
وكما أشار الدكتور علي النعيمي، رئيس تحرير العين الإخبارية، في جلسة الإعلام العربي المؤثر، إلى حالة الإرهاب الفكري لدى هؤلاء الإرهابيين الذين استهدفوا الشباب فقال: "الفجوة التي استطاع منها الإرهاب وتنظيماته أن يوظف الإعلام لاستهداف الشباب في السنوات السبع الماضية كان هناك فراغ سده مَن يصنع الإرهاب والتطرف، واستطاع الإرهابيون توظيف الإعلام الحديث لأجندتهم، فتنظيم داعش الإرهابي كان لديه تسعون ألف تغريدة يوميا".
ثانياً: في مجال تحقيق الأمن الإعلامي يندرج هذا المفهوم تحت مظلة تحقيق الأمن القومي ولا سيما في شقِه الثقافي، وتصحيح الخلل الإعلامي يقتضي إدراك أهمية الاتصال ودور المؤسسات الإعلامية بغية الحفاظ على الثقافة والشخصية الاجتماعية في سبيل بناء وعي عربي متحرر من الأدران الاجتماعية والمشاكل العالقة والمحيطة به، ويستوعب ما ينتاب المجتمعات العربية من قضايا شائكة وبالتالي يسهم في تطوير الواقع العربي والمساهمة في تنميته وبناء قدراته واستنهاض إرادة أبناء المجتمع نحو مراقي الخير والعزة والكرامة، وكلما كان الإعلام الوطني أكثر ارتباطاً بثقافة الشعب ويستلهم تراثه وتاريخه وحضارته وخصوصيته شجع ذلك على الإبداع وترسيخ القيم الإيجابية للشخصية الاجتماعية والإنسانية.
ثالثاً: لم يكن الإعلام الإلكتروني نتاج تطوير أو تهجين للإعلام التقليدي، بل هو نموذج إعلامي مختلف سواء في هندسة الحامل الإعلامي أو في آليات العمل الجديدة أو في النتاج المعرفي، خاصة بعد ظهور مناهج جديدة في مجال التنقيب في المعطيات، واستكشاف المعرفة والإنتاج الآلي للنصوص التي جاءت لتنسجم مع الضخ الإعلامي الواسع الذي خلق حالة جديدة أطلق عليها انفجار المعلومات، حيث تعجز القدرات البشرية عن تتبعها واكتشاف المعنى في ارتباطات عناصرها.
من هنا فإن دخول الإعلام الإلكتروني في حياتنا اليومية سيعيد صياغة العملية الإعلامية بشكل كامل بما يحقق التكاملية مع الإعلام التقليدي وفق منهجية القيمة المنسجمة مع متطلبات المتلقي وبما يتيح إيجاد الحلول للكثير من المشاكل التي تواجه الإعلام ويضعه على الطريق الصحيح في عصر جديد يرى في المعلومة القوة الاقتصادية والصناعية والثقافية الكبرى.
ومن المفيد بناء سياسة معلوماتية متكاملة على الصعيد الوطني والقومي تتيح للعرب استقبال هذه الحقبة التكنولوجية بأكبر قدر ممكن من الفائدة انطلاقاً من أن لوسائل الإعلام أهمية كبيرة وهي أكثر تأثيراً من غيرها من الوسائل التقليدية التي عرفها المجتمع، فالتطور العلمي والتقني والفني لم يكن بعيداً عن وسائل الاتصال ففي كل يوم هناك جديد على الصعيد التقني والفني والبرامجي، ومسايرة عصر الإعلام والمعلوماتية تؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير أسلحة العزلة والجهل.
رابعاً: ينبغي على الصحفيين ورجال الإعلام القيام بدور إيجابي وفعّال في المحافظة على السلام العالمي، وفضح قوى الشر والإرهاب وتعرية فعائلهم الهادفة إلى طمس الحقوق الإنسانية وتدمير الحياة البشرية.
وبذلك يتجلى دور الإعلاميين في ترسيخ أسس الإعلام والسلام العالمي وينبغي على الحكومات في العالم حماية الصحافة والصحفيين من الوقوع في براثن الاحتكارات أو القوى الدخيلة التي تسيء إلى صناعة الكلمة وقداسة المهنة، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أستذكر مقولة الدكتور أستاذ الصحافة المصرية مختار التهامي الذي قال: "إن تصارع الأفكار هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة، ولا يمكن أن يوجد الفرد أو الجماعة التي يمكنها الادعاء بأنها قد وصلت إلى قمة الحكمة في التفكير فتحاول على هذا الأساس فرض رأيها بالقوة على الناس كافة..".
ويقتضي من العاملين في مجال المؤسسات الإعلامية بشكل عام ضرورة الالتزام بالميثاق الإعلامي، والامتثال إلى عهد الشرف الدولي للصحفيين ورجال الإعلام، وبمقتضى هذا العهد عليهم أن يراعوا خلال قيامهم بأعمالهم تدعيم فكرة التعايش السلمي بين الشعوب في شتى الميادين، وأن يعملوا على اجتثاث جذور الأفكار الخاطئة والهدامة التي يروّج لها عملاء وتجار الحروب والقوى الاستعمارية والتي تتمسك بالإرهاب وبحتمية الاقتتال والحروب.
ما يمكن التأكيد عليه أن دور الإعلام في مواجهة أعمال العنف والتحديات التي تطال الشعوب الآمنة هي مسؤولية وجدانية منوطة برجال الإعلام، وأي تهاون فيها ضياع لمبدأ شفافية المهنة وقداستها وانتقاص من مضامينها الخلاقة ومبادئها الإنسانية ومواثيقها العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة