حديث الرئيسين التركي والإيراني باللغة العربية لن يكون الأخير إن لم تتحرك الجامعة العربية ومصر على وجه التحديد لإنقاذ ما تبقى من سوريا
روحاني: السلام عليكم
أردوغان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
روحاني: كيف الحال؟
أردوغان: الحمد لله.. كيف حالكم أنتم؟
شر البلية ما يحزن لا ما يضحك في الملف السوري، فالمشهد في هذا البلد لا شيء فيه مشجع على الابتسامة، كلُّ ما فيه دامٍ قاتم محزن مظلم.
كان لافتا طريقة استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الإيراني حسن روحاني في القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في أنقرة قبل أيام، ترحيب حار وحضنٌ دافئ لمن كان يُوصف قبل فترة من المسؤولين الأتراك بأنّهم سفاحو دم الشعب السوري أي إيران.
حديث الرئيسين باللغة العربية ليس عبثيا وإن كان البعض يضعه في إطار تحية الإسلام باعتبار البلدين مسلمين لا على الإطلاق؛ فالرجلان يرسلان رسالة مفادها أنّ دولتيهما هما اللتان تقرران مصير سوريا "قلب العروبة" ومستقبلها.
في الواقع لا شيء جديدا في طريقة تعاطي هاتين الدولتين مع الأزمة السورية المندلعة منذ نحو سبع سنوات ونيف.
حديث الرئيسين التركي والإيراني باللغة العربية لن يكون الأخير إن لم تتحرك جامعة الدول العربية ومصر على وجه التحديد لإنقاذ ما تبقى من سوريا، وسيواصل التركي والإيراني والروسي كذلك رسم حدود وطن لطالما كان مشرعا أمام كل شخص يحمل جوازا عربيا
فطهران وأنقرة استفادتا كثيرا من الحرب السورية، إيران فاوضت على ملفها النووي وكانت تضع ملفات أخرى تحت قبضتها كالملفين السوري واليمني وتشير بهما للدول المفاوضة إياها بأنّها قادرة على اللعب بهاتين الورقتين لزعزعة استقرار المنطقة، يضاف إليهما دورها في العراق وما يشكله ذلك من نفوذ غير مرحب به من الدول العربية وأطراف داخلية عراقية.
شئنا أم أبينا نجحت إيران في استثمارها هذه الملفات لصالحها، وباتت دولة مهمة في الملف السوري تحضر وتناقش وترفض على مزاجها ولا شيء يعكر صفوها، فلا الدم الجاري على الأرض السورية يُحزنها ولا دمار البلد يحرم مسؤوليها النوم.
في الواقع استطاع المسؤولون الإيرانيون حجز مكان لبلدهم في تقرير مستقبل سوريا السياسي بالتنسيق المباشر مع الروس تارة، وتارة أخرى مع الجانب التركي، وما مشهد اللطميات المتواصلة من عاصمة الأمويين دمشق إلا دلالة على قوة النفوذ الإيراني داخل الأرض السورية.
في المقابل يمارس التركي تقية سياسية غريبة عجيبة؛ فالرئيس التركي لديه مقاربات لا يمكن فهمها، تارة يبحث عن مساندة الشعب السوري ضد نظام يصفه بالقمعي، وأخرى يعزو تحركاته على الأرض السورية بغية الحفاظ على أمن بلاده ممن يطلق عليهم لقب إرهابيين، ويقصد قوات سوريا الديمقراطية التي استطاعت قواته طردهم من مدينة عفرين شمال البلاد.
حجم الفائدة التي حققتها تركيا من القضية السورية كبير، فورقة اللاجئين فزاعة كان يستخدمها الرئيس التركي لإخافة الأوروبيين وقالها ذات مرة صراحة بأنّه إذ لم تساند الدول الأوروبية بلاده سيفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين إلى القارة العجوز، وكأنّ السوري سلعة يلوح بها المسؤولون الأتراك حال شعورهم بالتهميش من الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الأوروبية.
ثمة شيء آخر استطاع أردوغان الاستفادة منه وهو الحصول على تأييد شريحة كبيرة من السوريين الذين تعرضوا للظلم في كثير من الأحيان ببلدهم إثر القصف العشوائي الذي استهدف مناطقهم، وبات يرسم مستقبل شمال سوريا كما يريد اعتمادا على مكون بشري مؤيد له، وإن بشكل لحظي، إلى درجة إعلان الناطق باسم الحكومة التركية إبراهيم كالان أن بلاده لن تنسحب من عفرين والشمال السوري قبل استتباب الأمن وهذا ما لا يُعرف زمنه بعد.
وللإنصاف ثمة شيء لا بد ذكره عند الحديث عن الدور التركي في الأزمة السورية وهو أن هذا البلد تحمل والأردن ولبنان الكثير من الأعباء المادية وغيرها، نتيجة الأعداد الهائلة التي وصلت من السوريين الباحثين عن مكان آمن لا أزيز رصاص فيه ولا دوي مدافع.
ما يؤلم في القضية السورية بعيدا عن منظر الموت المخيّم والجاثم على قلوب السوريين هو عدم وجود دور عربي في مشكلتهم التي استعصت على الأمم المتحدة وعلى مبعوثيها الذين اقتصر دورهم على تنظيم جلسات حوار لم ولن تقدم وتؤخر في الأزمة شيئا، وجنيف وجولاته المتكررة مثالا على ذلك.
حديث الرئيسين التركي والإيراني باللغة العربية لن يكون الأخير إن لم تتحرك جامعة الدول العربية ومصر على وجه التحديد لإنقاذ ما تبقى من سوريا، وسيواصل التركي والإيراني والروسي كذلك رسم حدود وطن لطالما كان مشرعا أمام كل شخص يحمل جوازا عربيا، فدمشق التصق اسمها بالعروبة وهي التي ينام الغريب فيها على ظله واقفا كما قال عنها الراحل محمود درويش.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة