ماذا لو اقتنع الغرب منذ البداية بالموقف السعودي بأن بن لادن إرهابي؟ ماذا لو تم اعتقاله كما طالبت الرياض قبل نحو عقد من أحداث 11 سبتمبر؟
«طالبنا باعتقال بن لادن في التسعينيات... فردّ الغرب: إنه يمارس حرية التعبير!». هذه العبارة، التي سردها ولي العهد السعودي في حواره مع «التايم» الأميركية، كافية لنسف أي أفكار مغلوطة ما زال صداها يتردد في دوائر غربية بشأن كيفية التعامل مع التطرف والمتطرفين. تكرار ممل وربط غير منطقي واتهامات مرسلة فقط لأن قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن «كانت» جنسيته سعودية.
لم يطرح أحد هذا السؤال: ماذا لو اقتنعت الدول الغربية منذ البداية بالموقف السعودي، بأن بن لادن صدقاً إرهابي؟ ماذا لو تم فعلاً اعتقاله كما طالبت الرياض قبل نحو عقد من أحداث 11 سبتمبر (أيلول)؟! من يدري ربما حينها لم يكن ليحصل تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك 1993، ولا تفجير سفارتَي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، وصولاً إلى الحدث الإرهابي الأهم في القرن الحادي والعشرين، وهو تفجيرات 11 سبتمبر. من يتخيل أن أولئك الذين دافع عنهم الغرب باعتبارهم «مناضلين من أجل الحرية»، وحذرت منهم السعودية مراراً وتكراراً، يصبحون هم الخنجر الذي طعن الغرب في خاصرته!
من غير المعقول وغير المنطقي أنه إذا ألقت دولةٌ ما القبض على المتطرفين وحاكمتهم أصبحت دولة «قمعية»، وإنْ تركتهم يسرحون ويمرحون على المنابر وفي وسائل الإعلام أصبحت متساهلة معهم و«تخنق» حرية التعبير!
هل كانت هذه المرة الأولى التي تحذّر الرياض من خطر الإرهاب قبل حدوثه وانتشاره؟ بالطبع لا، فعلَتها أيضاً مع بداية الحرب السورية. حذّرت من أن تجاهل الغرب للمأساة السورية وعدم حل الأزمة سيتسبب في تكاثر الجماعات الإرهابية وتناميها، وحدث المحظور وتكررت المأساة عندما غض الغرب النظر عن هذه التحذيرات، ليفاجأ العالم بأن تنظيماً صغيراً جداً مثل «داعش» أصبح «بعبع» لم يتوقف إرهابه في العراق وسوريا والسعودية ومصر وليبيا والمغرب فحسب، وإنما بلغ الولايات المتحدة وعواصم أوروبية عدة، نفس الخطأ الذي حدث مع بن لادن و«القاعدة» تكرر مع «داعش»، السعودية تحذّر والغرب يعتبر أن ذلك ليس أكثر من مبالغة أو «خنق حرية التعبير!». هل انتهى الأمر؟ للأسف لا، فها هو يتكرر في الصراع الدائر في اليمن بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، ومساندة التحالف العربي للشرعية، والاتهامات الدائرة للسعودية بأنها مسؤولة عما يحدث، نعم هناك كارثة إنسانية في اليمن لا أحد ينكرها، لكنهم، الغرب، يتذكرونها ويتغافلون عن السبب الرئيسي فيها وهو انقلاب الحوثي، وكذلك لا أحد ينظر إلى أن اليمن من دون تدخل التحالف، كما قال الأمير محمد بن سلمان، سيكون «منقسماً بين مجموعتين إرهابيتين؛ الحوثيين وهم (حزب الله) الجديد في الشمال، و(القاعدة) في الجنوب.
وهكذا سترون اليمن منقسماً بين هاتين المجموعتين الإرهابيتين»، والأدهى والأمرّ أن الوضع، سيكون أسوأ بكثير جداً مما هو عليه في العراق عام 2013 عندما سيطر «داعش» على نصف العراق، ومع ذلك استغرق الأمر 5 سنوات للتخلص منهم بتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، فكيف سيكون الحال في اليمن لطرد «القاعدة» وحدها من دون تحالف؟! ولي العهد السعودي توقع أنها ستستغرق نحو 20 سنة، وستتطلب تحالف أكثر من 60 دولة وستعرقل 13% من التجارة العالمية عبر باب المندب، وسيتعطل الاقتصاد العالمي بفعل تنظيمين إرهابيين يسيطران على دولة أصبحت حاضنة ومقراً لهم، هل كان على دول المنطقة، وهي المستهدفة أولاً بمخاطر الإرهاب، أن تكرر الخطأ للمرة الثالثة فقط لكي تثبت للغرب عدم قدرتها على استشراف الإرهاب وانتظار وقوعه وانتشاره؟! لا. لن تفعلها السعودية ولا الإمارات ولا البحرين ولا مصر ولا باقي دول المنطقة أبداً وتعرِّض أمنها القومي للخطر.
الجميع يتفق على المبادئ العالمية لحرية التعبير وحقوق الإنسان، إلا أن المعضلة الأساسية أن المجتمعات الغربية نفسها لا تتوافق تماماً على هذه الحقوق، فمثلاً من أصل الولايات الأميركية البالغ عددها 50، هناك 31 ولاية تطبّق عقوبة الإعدام، في نفس الوقت الذي تعتبر الولايات التي لا تطبقها أنها «عقوبة وحشية». بالتأكيد ليس شرطاً أن كل المجتمعات يطابق بعضها بعضاً، باعتبار أنه ليس هناك مجتمع مثالي يمكن أن يفرض قوانينه وأعرافه، لكن من غير المعقول وغير المنطقي أنه إذا ألقت دولةٌ ما القبض على المتطرفين وحاكمتهم أصبحت دولة «قمعية»، وإنْ تركتهم يسرحون ويمرحون على المنابر وفي وسائل الإعلام أصبحت متساهلة معهم و«تخنق» حرية التعبير!
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة