حبيب الصايغ يوجه رسالة إلى الشعراء العرب في يوم الشعر
كتابة قصيدة جديدة لم تكتب من قبل، هذا هو التحدي الأول، قبل الكلام في الشعر أو التنظير حوله، لكن الاختلاف غير المبرر.
بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يوافق 21 مارس، وكعادته في كل عام، وجه الشاعر الكبير حبيب الصايغ، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رسالة إلى الشعراء العرب في كل مكان، وقد خصَّصها هذا العام لقصيدة النثر العربية، وفيما يلي نص الرسالة:
يبدأ العام أو يختتم في محطات كثيرة، وتتوالى الأيام بين عيد وعيد، وبين موت وموت، وبين ذاكرة مجروحة وأخرى تتهيب مواعيد حياتها كلما اقتربت، لكن ليوم الشعر معناه الخاص ونبضه المختلف، وكأن مهنته وضع العلامات الفارقة بين أعمارنا الماضية وأعمارنا الآتية.
كل عام وأنتم بخير أيها الزملاء والأصدقاء والأحبة شعراء الوطن العربي، ها هو اليوم العالمي للشعر يقبل من جديد، ناحتا بين القديم والجديد حروف اسم وإثم الشعر، هذا الكائن المريب الغامض الشفيف، الذي يتلبس الإنسان العربي منذ أول تكون الحنين والجنين، وهذا الذي يحتفي به العربي منذ أمرئ القيس والمعلقات، من دون أن ينتظر "اليونسكو" حتى تقر، مشكورة، في آخر الدهر، يوما عالميا للشعر.
الشعر يستحق، والشعر العربي، وهو ديوان العرب في المجاز والحقيقة يستحق، فهلّا تعامل العرب مع الشعر بجدية أكبر؟ هلا منحوه نور العيون ونور القلوب؟ هلا وضعوه في واجهة الانشغالات والاشتغالات؟ هلا اعتبروه في أولويات حركة الحاضر والمستقبل؟
كتابة قصيدة جديدة لم تكتب من قبل، هذا هو التحدي الأول، قبل الكلام في الشعر أو التنظير حوله، لكن الاختلاف غير المبرر، في التقدير السوي، على أشكال الشعر العربي، في الزمن الأخير يدعو إلى قراءة وإعادة نظر، فلنخصص رسالة هذا العام لقصيدة النثر، هذه التي يظلمها أصدقاؤها كما يظلمها غيرهم، وإذا كانت قصيدة النثر العربية قد نشأت في أربعينيات القرن العشرين أو حتى في الثلاثينيات، فما هي الآن وأين هي؟ هل تتربع على عرشها المفترض نتيجة توالي السنوات والعقود؟ ما هو موقف النقد منها على صعيد الاعتناء والدرس؟ ما هو موقف الجامعات ومؤسسات التعليم؟ ما هو موقف الإعلام والإعلام الثقافي؟ وكيف ينظر المجتمع إلى قصيدة النثر؟
لقد دار حول قصيدة النثر، على مرور الزمن، نقاش طويل بعضه عميق ومفيد، ومعظمه لم يستطع النفاذ من السطح إلى الجوهر، والمطلوب اليوم، تحقيق عودة حقيقية إلى قصيدة النثر، نحو إنصافها وإنصاف نهضتها، وقد يبدأ ذلك بالرصد والتوثيق ثم النقد، وصولًا إلى تحديد شرط هذه القصيدة، كما حصل منذ البواكير الأولى، وعلى امتداد الزمن، للقصيدة العمودية البنية وقصيدة التفعيلة.
نعم.. ربما كانت قصيدة النثر أقرب إلى كينونة النبتة البرية التي تشير، أكثر، إلى جهة الحرية، لكن ذلك لا يكفي وحده لمعرفتها، بعد أن ضيع البعض، البعض الكثير للأسف، ملامحها وبوصلتها وخطواتها.
أيها الأصدقاء الأعزاء شعراء أمتنا وأنتم قلبها الخافق وضميرها الناطق: الرد على أولئك إنما في إعادة الاعتبار إلى قصيدة النثر، كونها إرثًا جميلًا وأصيلًا يضاف إلى التراث الشعري العربي ويعد جزءا من سيرورته وصيرورته ونسيجه، وأول الاعتبار عدم الرفض المطلق من قبل البعض، وعدم القبول عند البعض مطوقا بالتحيز بل التعصب الأعمى.
الموضوعية، نعم الموضوعية حتى في الشعر، فيا شعراء الوطن العربي: أوصيكم بقصيدة النثر خيرا، وكل عام وأنتم بخير.