قمة "العزم والتضامن" بتونس.. رؤية عربية مشتركة لمجابهة الأزمات
موعد عربي جديد تفتحه قمة تونس للتعاطي مع أزمات ترهق المنطقة العربية، وتثقل خطاها نحو البناء والتنمية، ما يستدعي التضامن وتوحيد الصفوف
قمة "العزم والتضامن".. تحت هذا الشعار أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بدء فعاليات القمة العربية الـ30 المنعقدة في بلاده.
"عزم" على حسم أزمات المنطقة، والتحضير لعهد جديد يسوده الأمن والاستقرار، و"تضامن" يمر عبر "إعادة ترتيب أولويات القضايا العربية، وتخليص المنطقة من التوتر والأزمات، وإعادة القضية العربية إلى دائرة الضوء"، على حد تعبير السبسي.
وفي كلمته بافتتاح الدورة العادية الـ30 للقمة العربية بتونس، اعتبر السبسي أنه "من غير المعقول أو المقبول أن تتحول منطقتنا لساحات الصراع الإقليمي والدولي".
ولفت إلى أن "التحديات والتهديدات التي تواجه المنطقة أكبر من أن يتم التصدى لها بشكل فردي"، ما يفرض التضامن بين البلدان العربية لمواجهتها والتصدي لها.
وشدد السبسي على أن تخليص المنطقة العربية من جميع الأزمات وبؤر التوتر "حاجة ملحة لا تحتمل التأجيل"، داعيا لإعادة تفعيل الآليات العربية لحل النزاعات.
رؤية عربية
مقترح يسير وفق الرؤية السعودية للقضايا العربية، كما ورد بالكلمة الافتتاحية بالقمة للعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي أكد دعم بلاده لجملة من الملفات العربية الشائكة، وعلى رأسها الجولان السورية والقضية الفلسطينية وأزمة اليمن.
وفي كلمته، جدد العاهل السعودي التأكيد على الرفض القاطع لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتلة.
كما شدد على أن "القضية الفلسطينية ستظل على رأس اهتمامات المملكة حتى يحصل الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967وعاصمتها القدس الشرقية".
وفي الشأن اليمني، أكد العاهل السعودي دعم المملكة لجهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي وفق المرجعيات الثلاث، في مواقف تصب جميعها نحو الموقف العربي المساند عموما للشرعية بهذا البلد الذي مزقه انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة.
الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، شدد بدوره على أن "الأمن القومي العربي، وحدة غير قابلة للتجزئة"، معتبرا أن ما يهدد الأمن القومي واحد من مشرقه إلى مغربه.
وتطرق أبوالغيط، في كلمته بافتتاح القمة العربية بتونس، إلى التداعيات السلبية لتدخلات دول مثل إيران وتركيا في الشأن العربي، ما ساهم في "مفاقمة وإطالة الأزمات في العالم العربي".
وفي إشارة ضمنية إلى إصرار العالم العربي وعزمه على مواجهة جميع قضاياه رغم العراقيل والتدخلات الخارجية، تابع أن "المنطقة العربية في وضع دقيق لكنها ترفض الانجراف إلى اليأس"، مؤكدا أن ما يهدد الأمن القومي واحد من مشرقه إلى مغربه.
وفي وقت سابق الأحد، انطلقت القمة العربية على مستوى الزعماء والقادة، وعلى أجندتها العديد من الملفات، في مقدمتها الجولان السورية، والقضية الفلسطينية، وأزمات اليمن وليبيا وسوريا والتدخلات الإيرانية بالشؤون العربية.
على صفيح التحديات
موعد عربي جديد تفتحه قمة تونس للتعاطي مع أزمات ترهق المنطقة العربية، وتثقل خطاها نحو البناء والتنمية، ما يستدعي حاجة أكيدة للتضامن وتوحيد الصفوف، في ظل تفاقم حجم التحديات والمخاطر.
فمن فلسطين إلى العراق وسوريا واليمن وصولا إلى ليبيا، تواجه الشعوب العربية أزمات عميقة تحولت بمرور الزمن إلى آفات هيكلية تهدد الحياة، وتفتك بالأمن، في ظل مساعي حثيثة من القادة والزعماء للتوصل إلى حلول جذرية.
غير أن التشابك الإقليمي والدولي أحيانا للفاعلين ضمن تلك الأزمات، يجعل من وضع نقاط نهاية لأزمات المنطقة، أمرا صعبا، ما يحتّم في كل مرة تأجيله، مع ما يعنيه ذلك من مفاقمة لمعاناة المدنيين، وزيادة في الخسائر بمختلف أشكالها.
فالعراق الذي عانى لسنوات من إرهاب "داعش"، قبل أن يتمكن من دحره، لا يزال مع ذلك يكابد في مواجهة الخلايا النائمة للتنظيم الإرهابي، ويدفع دماء أبنائه في سبيل تأمين مناطقه وحدوده.
أما سوريا الغارقة في أزمة دخلت عامها الثامن، فلا تزال في مرحلة المواجهة الميدانية مع "داعش" وبقية الفصائل المعارضة، بانتظار بلوغ مرحلة الحوار تمهيدا لحل سياسي قد يشكل الخطوة التالية للأحداث بهذا البلد، كما قد ينقلب المشهد رأسا على عقب، نظرا لتقاطع قوى دولية مع هذا الملف.
وعلاوة على أزمتها، تواجه سوريا اعترافا أمريكيا بسيادة إسرائيل على الجولان المحتلة، ما يضيف إلى أجندتها الداخلية أزمة أخرى، وسط آمال بأن تنبثق قمة تونس الجارية عن قرار صارم بهذا الشأن.
وفي اليمن الذي جعله الحوثي حزينا، يتعثّر تفعيل الاتفاق الموقع نهاية العام الماضي، في العاصمة السويدية ستوكهولم، جراء تنصل المليشيا من بنود الاتفاق، وإصرارها على نبذ الحل السياسي واستمرار الحرب خدمة لأجندة أجنبية.
وفي ليبيا، لا يزال هذا البلد يخطو، وإن ببطء، نحو حل سياسي شامل، يخلصه من تداعيات أزمة طال أمدها.
لكن، ورغم إعلان المبعوث الأممي إلى هذا البلد، غسان سلامة، مؤخرا، موعدا محددا لانطلاق "الملتقى الوطني الجامع" للحوار، إلا أن السياق العام يجعل متابعين غير متفائلين بشأن هذا الحوار الذي يشكل آخر بند متاح في خارطة طريق أممية لحل الأزمة الليبية.
أما القضية الفلسطينية، فتظل -كما في الدورات السابقة للقمة-، أكبر الملفات المطروحة على القادة والزعماء العرب، في ظل التطورات الأخيرة، وما تواجهه السلطة الفلسطينية من مصاعب، عقب اقتطاع إسرائيل لأموال المقاصة الفلسطينية، وإعلان واشنطن استعدادها للإعلان عما يعرف بـ"صفقة القرن".
صعوبات تستدعي تضامنا عربيا عبر قرارات واقعية يبدو أن قمة تونس باتجاه إقرارها، حيث كشف المتحدث باسم القمّة العربية، محمد الخميري، مؤخرا، وجود اتّفاق على تفعيل شبكة الأمان المالي العربية لفلسطين، ودعمها بـ100 مليون دولار شهريا.
التدخلات الإيرانية.. "فيروس" يهدد الأمن العربي
أجندة توسعية تقودها طهران في المنطقة العربية، مستهدفة الشرق الأوسط بشكل خاص، سعيا نحو إعادة تشكيل خارطة الوجود والنفوذ، بما يمنحها موطئ قدم يفرش لها سجاد وضع اليد على القرارات السيادية للبلدان العربية.
والمتمعّن في خارطة الأزمات بالدول العربية، سيكتشف بلا تأخير أن إيران "حاضرة بقوة في إشعال فتيل هذه الأزمات وتعميق المعاناة الإنسانية للشعوب العربية بلا وازع ديني أو أخلاقي أو ضمير"، وفق المندوب الدائم للسعودية لدى جامعة الدول العربية أسامة بن أحمد نقلي.
وفي كلمته بافتتاح أعمال اجتماع المندوبين وكبار المسؤولين للإعداد لاجتماع وزارء الخارجية التحضيري للقمة العربية بتونس، أكد نقلي أن "الحضور الإيراني يبرز من خلال تدخل طهران السافر في الشؤون الداخلية للعالم العربي، عبر إثارة الفتن المذهبية والطائفية، ودعم المليشيات المسلحة التي تعمل خارج إطار السلطات الشرعية، والسعي إلى تفتيت الوحدة الوطنية للشعوب العربية".
ولم تقتصر جرائم طهران على ما تقدم، وإنما تجاوزته لدعم التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، لضرب الأمن والاستقرار في بعديه العربي والدولي.