تشهد دول بالشرق الأوسط ظاهرة متزايدة متمثلة في انتشار المليشيات المسلحة، التي تؤثر بشكل عميق على السياسة والقرار في المنطقة.
تعدد هذه المليشيات يتسبب في تعقيد المشهد السياسي والأمني، خاصة مع بروز دول مثل لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن أمثلة رئيسية لهذا التأثير، بينما يمثل السودان حالة عسكرية مختلفة تماماً.
في لبنان، يتمتع "الحزب" المسلح بقدرات تفوق قدرات الجيش اللبناني من حيث العدة والعديد، يعيش المواطن اللبناني في قلق دائم من احتمال اندلاع حرب أهلية جديدة، مستذكراً أحداثاً حديثة كادت تشعل فتيل النزاع.
إحدى هذه الأحداث كانت الخلاف بين أهالي بلدة رميش و"الحزب" حول إقامة منصة لإطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، ما عرّض البلدة لرد انتقامي إسرائيلي.
ويمزج "الحزب" بين كونه قوة مسلحة مستقلة تتخذ قراراتها بنفسها، وكونه جزءاً من المنظومة السياسية اللبنانية، حيث يتمثل في الحكومة والبرلمان والمؤسسات الإدارية، ما يمنحه نفوذاً مزدوجاً يمكنه من التأثير بشكل مباشر على صنع القرار الوطني.
أما في العراق، فتعكس المليشيات المسلحة وجودها وشرعيتها من خلال محاربة «داعش» وبقايا خلايا القاعدة، لكنها تحمل أيضاً أجندات خاصة، داخلية وخارجية، ترتبط بالسياسة الإيرانية في المنطقة.
هذه الجماعات المسلحة، المدعومة من إيران تسليحاً وتمويلاً، أصبحت تسيطر على نسبة كبيرة من مقاعد مجلس النواب العراقي، وتمكنت من تحقيق التمويل الذاتي بوسائل متعددة؛ كإقامة مجتمعات عمرانية، وفرض رسوم مرور على شاحنات النقل، ما يجعلها قادرة على تقديم قروض للمواطنين، وبالتالي تعزيز نفوذها الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع العراقي.
في ليبيا، تعاني البلاد من انتشار المليشيات المسلحة، خاصة في العاصمة طرابلس، ما يعيد للأذهان مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية. هذه المليشيات تعمل كدول داخل الدولة، تسيطر على مناطق نفوذها وتحكمها بقوة السلاح، ما يزيد من تعقيد الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار وإعادة البناء في ليبيا.
أما في سوريا، فقد تسببت العوامل الطائفية والمذهبية والسياسية في تمزيق المجتمع السوري بشكل مأساوي، فالمليشيات هناك تتوزع بين جماعات مدعومة من النظام وأخرى من المعارضة، وكل منها تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة على حساب وحدة واستقرار البلاد.
في اليمن، تحولت جماعة الحوثيين من أداة بيد السلطة إلى قوة مهيمنة بعد انقلاب 2014 واغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبات الوضع في اليمن أكثر تعقيداً مع تشرذم البلاد إلى "شمالات" تقابلها كتلة جنوبية متماسكة.
وأدت الصراعات لانتشار المجاعة والفساد بشكل كبير، فالحوثيون يستفيدون من الدعم الإيراني، مما يمكنهم من البقاء في السلطة والتحكم بمصير البلاد رغم التحديات الاقتصادية والإنسانية الهائلة.
وفي السودان، انقسم الجيش الوطني إلى مجموعتين مليشياويتين أشعلتا حرباً أهلية مدمرة، خاصة في منطقة دارفور، ما جعل البلاد تعاني من حالة من الفوضى والعنف المستمر، هذه الحرب الأهلية أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة معاناة المدنيين، ما جعل السودان واحداً من أكثر البلدان اضطراباً في المنطقة.
تشير التقديرات إلى أن وجود المليشيات المسلحة في الشرق الأوسط يؤدي إلى إضعاف الدول وتقويض شرعيتها، تعود جذور هذه الظاهرة إلى خلفيات تاريخية مثل إهمال حقوق الطائفة الشيعية في لبنان وسوء معاملة الشيعة في العراق خلال حكم صدام حسين. هذه السياسات التمييزية أسهمت في تأجيج النزاعات الطائفية وإفساح المجال أمام الجماعات المسلحة لاستغلال الاستياء الشعبي.
وفي ختام القراءة، نجد أن المليشيات المسلحة في دول مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن تعتمد على دعم خارجي، خاصة من إيران، ما يجعلها غير قابلة للاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية.
وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة لقطع الدعم الإيراني عن هذه المليشيات من خلال فرض العقوبات، فإن هذه الجهود لم تحقق تأثيراً ملموساً، ما يعني أن استمرار الدعم الخارجي يعزز من قدرة هذه الجماعات على تحدي السلطة المركزية وإدامة الصراع في المنطقة.
ومن الأمثلة البارزة على تأثير المليشيات، قصة تيري أندرسون، الصحفي الذي اختطفته جماعة مسلحة واحتجزته لمدة سبع سنوات، تُظهر هذه القصة العلاقة الوثيقة بين الجماعات المسلحة في لبنان والدعم الخارجي الذي تتلقاه. إن هذه الجماعات لا تنكر تلقيها الدعم المالي والعسكري من إيران، لكنها تصر على أن القرار الداخلي يبقى بيدها وحدها، طالما استمر الدعم الخارجي، ستظل المنطقة تعاني من دوامة الصراع بين شرعية الدولة وقوة المليشيات المسلحة، مما يعرقل أي جهود لتحقيق الاستقرار والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة