المغربية ريم نجمي: الشاعرات حاضرات بقوة.. والمشهد الأدبي يدعو للتفاؤل
الشاعرة والإعلامية المغربية ريم نجمي تؤكد أنها تستمتع بالكتابة الأدبية، كما تعشق العمل الإعلامي عندما يتعلق بقصة صحفية مشوقة
قالت الشاعرة والإعلامية المغربية ريم نجمي إن الكتابة بدافع تسويقي أو اللحاق بموضة معينة، هي كتابة لا يعول عليها، مؤكدة أنه لا يوجد كاتب حقيقي قد يختار التعبير بشكل سطحي.
وريم نجمي شاعرة مغربية من مواليد 1987 تقيم في ألمانيا منذ 10 سنوات، وتعمل بقناة DW الناطقة باللغة العربية، ولديها 3 دواوين شعرية هي "أزرق سماوي" و"كأن قلبي يوم أحد" و"أخيرا كن بريئا كذئب".
كما ترجمت "رحلات باولا" للكاتب باول مار، وهو كتاب للأطفال، وصدر لها مع المترجم المصري سمير جريس الترجمة العربية لمسرحية "99 في المائة.. الخوف والبؤس في الرايخ الثالث"، للكاتب الألماني برتولت برشت (1898 – 1956).
في حوارها مع "العين الإخبارية" أكدت "نجمي" أن الشعر يكفي في هذا العالم لنحس أنه بخير".. وإلى نص الحوار:
ما الذي دفع بك إلى كتابة الشعر، وما المؤثرات التي كانت السبب في ذلك؟
كنت في الخامسة من عمري عندما قلت لأبي إنني أرغب في كتابة قصيدة عن إحدى الشخصيات السياسية المغربية، التي خلقت الحدث في تلك الفترة (1992)، فأمسك أبي بالقلم ودوّن الكلمات والجمل التي قلتها له بلغة عربية فصيحة، ربما كان في ذلك الفعل رغبة من طفلة في تقليد الأب أكثر منه اختيارا شعريا.
منذ تلك اللحظة لا أذكر أني تخليت عن فكرة الكتابة.. سكنني الشّعر في كل المراحل.. لليوم ما زلت أحتفظ بدفاتري القديمة بأوراقها الصفراء، وفيها قصائد كتبتها عن معلماتي وعن صديقاتي المقربات وعن الطبيعة وغيرها من المواضيع التي يمكن أن تشغل طفلة في تلك السّن، فصاحبتني هذه العادة الجميلة إلى أن كبرتُ وكبرت معي قصيدتي.
نشأت في بيت مهتم بالأدب، فالوالد الشاعر حسن نجمي والأم الشاعرة والروائية عائشة بصري.. كيف أسهمت هذه الأجواء في صقل موهبتك؟
طبعا لا يمكن أن أستبعد أني تأثرت بوالديّ معا، وربما بأبي على الخصوص وبأحاديثه الدائمة عن الكتابة الشعرية، ولا أخفيك أني كنت كثيرا ما أسترق السمع لما يقوله في أحاديث ثنائية مع شعراء آخرين أو في نقاشات جماعية عن قصيدة النثر الناجحة والمعايير التي تحددها.
فكان دائما ما يقول مثلا إن العبارات الجاهزة تقتل القصيدة، ويؤكد أهمية الاهتمام بالخاتمة أو بالجملة الشعرية الأخيرة، والابتعاد عن القصائد الخطابية والسياسية المفتعلة وغيرها من الأفكار التي كنت أختزنها في ذاكرتي الصغيرة واستحضرتها مرارا أثناء كتابتي للقصيدة، ثم كانت لي فرصة حضور الملتقيات الشعرية والجلسات الأدبية مع شعراء وكتاب مغاربة وعرب وأجانب، فتعلمت منهم الكثير سواء على المستوى الأدبي أو الإنساني.
بمن تأثرت في كتابتك من الشعراء العرب والأجانب؟
الذين أحبهم وتأثرت بهم كثر، كل تعلمت منه شيئا وترك في نفسي أثرا، قد لا يسعني الحديث عنهم جميعا كأدونيس وتشيمبورسكا واريش فريد ومحمد الأشعري.. لكن أعتقد أن الأثر الذي تركه محمود درويش أكبر، ليس فقط على مستوى قصائده أو كتاباته النثرية وإنما معرفتي به عن قرب من خلال صداقته بوالدي.
فتلك الصداقة رسخت في ذهني صورة أحببتها للشاعر، من خلال أناقته، صوته، خجله، الحب الذي كان ينثره الناس حوله، المسرح المكتظ بالقراء والمعجبين، ذلك التفاعل مع قصائده.. كل ذلك ترك أثرا في نفسي منذ أن رأيته وأنا طفلة أواخر التسعينيات في مهرجان الشعر العالمي في الدار البيضاء وحتى آخر لقاء في 2007.
تقيمين في ألمانيا منذ 10 سنوات، ما الذي أعطاه المهجر لك، وما الذي أخذه منك، وهل أثر على تجربتك الأدبية؟
يتصدر ديواني الثاني "كأن قلبي يوم أحد" إهداء إلى صيف ألمانيا 2008، وهي السنة التي زرت فيها ألمانيا لأول مرة، ولعل ذلك الإهداء هو تعبير عن امتنان لهذا البلد الذي أنار في نفسي غرفا شعرية، ما كنت لأدركها لولا الحياة اليومية فيه.
ألمانيا بلد غني على المستوى الثقافي والمعرفي والإنساني، وبالتأكيد تركت أثرا في وعيي وفي عملي الأدبي، ليس فقط من خلال النافذة التي فتحتها لي اللغة الألمانية على الأدب الألماني وإنما على المادة التي توفرها الحياة اليومية والصور الهاربة إلى قصائدي، والأهم الإحساس بالحرية في الكتابة، فشعوري بالحرية كامرأة في الشارع والأماكن العامة، ترك أثرا في طريقة الكتابة، التي أصبحت أكثر حرية.
صدر لك مجموعتك الشعرية الثالثة "كن بريئاً كذئب"، لماذا اخترت هذا الاسم، وما التجربة الإبداعية التي يطرحها الديوان؟
هناك كثير من الرقة ينبغي أن نتعلمها من الذئاب كما قال الكاتب الفرنسي يفون أودواري، فالشاعرة في إحدى قصائد الديوان تخاطب الحبيب وتطلب منه أن يكون بريئا كذئب، إذ ختمت إحدى القصائد بالجملة الآتية "هناك فقط يمكن أن تكون كما أنت بريئا كذئب" فأعجبتني تلك الجملة واخترتها عنوانا لديواني، ليس للأمر أبعاد أكثر من ذلك.
وبالطبع نعلم أن الذئب استأثر باهتمام الشعراء العرب والعالميين أيضا، وله رمزيات مختلفة، أذكر مثلا قصيدة شهيرة في ألمانيا للشاعر هانس ماجنوس إنتسنسبرجر "دفاعا عن الذئاب ضد الحملان"، أما التيمة الغالبة على الديوان فهي تيمة الحب، بأوجه مختلفة، إذ قسمت الفصل الأول من الديوان إلى 4 أقسام؛ وهي فصول الحب الأربعة. والحب في بداياته الربيعية الوردية ثم توهجه الصيفي فبروده الخريفي وصولا إلى نهايته الشتوية.
هل يشغلك جدل الشكل الشعري، وهل أنت معنية بالتصنيفات التي تضع الشعراء في خانات: عمودي، حر، قصيدة نثر؟
في أحد الحوارات التي أجريتها مع الكاتب الراحل إدوار الخراط قال لي إنه لحظة الكتابة لا يكون منشغلا بأي شيء، بصراحة أنا لا تشغلني التصنيفات أو شكل القصيدة الشعري. تهمني فكرة القصيدة وكذلك موسيقاها واللغة التي كتبت بها، كما أحب الاشتغال عليها بعد تركها لفترة معينة، إنها المرحلة الممتعة في مراحل الكتابة الشعرية.
ما تقييمك للمشهد الشعري العربي والمغربي، وتحديداً في الآونة الأخيرة؟
أنظر إليه بكثير من التفاؤل.. هناك شعراء شباب يكتبون قصائد جديرة بالإعجاب والتنويه, وهناك شاعرات أيضا يشكل حضورهن الشعري إضافة نوعية إلى هذا المشهد. أما القصيدة المغربية فقد حققت تراكمات نوعية، وأعطت أسماء شعرية مهمة في الساحة العربية.
في منظورك ما وظيفة الشاعر اليوم؟
وظيفته أن يكون شاعرا، يكفي حضور الشاعر في هذا العالم لنشعر أن العالم لا يزال بخير.
وهل يكفي المضمون وحده ليشكل إبداعاً شعرياً؟
المضمون إن كان جيدا فهو يكفي ليشكل إبداعا وإنما لا يشكل بالضرورة شاعرا متحققا ومنتشرا، قد لا يتفق معي البعض لكن العمل الأدبي بمفرده اليوم في العالم العربي لا يصنع كاتبا أو شاعرا، وإنما هناك عوامل أخرى تلعب دورا في صنع وانتشار مبدع ما.
أعرف أنك تكتبين روايتك الأولى حاليا، فلماذا انتقلت من الشعر إلى الرواية، هل لأنه زمن الرواية؟
لا إطلاقا، الأمر لا يتعلق أبدا باتجاه العديد من الشعراء للكتابة الروائية، إن الكتابة بدافع تسويقي أو اللحاق بموضة معينة، هي كتابة لا يعول عليها. لا أعتقد أن كاتبا حقيقيا قد يختار التعبير الروائي بهذا الشكل السطحي.
الشعر له مكانته وستظل، مثلما للرواية والقصة مكانتهما، لكل جنس أدواته ومن حق أي كاتب أن يختار القالب الفني الذي يتسع لأفكاره ورغباته، وأحيانا قد لا تسعك القصيدة في التعبير عن تفاصيل كثيرة، في حين تعطي الرواية مساحة كبيرة للتعبير، بما فيها التعبير الشعري، وإن كان البعض لا يحب الرواية التي تكتب بنفس شعري - لا أخفيك أن الرواية التي كتبتها لم أختر كتابتها بقدر ما وجدتني مستلبة لذلك العمل، ولدي الشعور أن تلك الرواية هي من قالت لي: "اكتبيني".
هل الرواية الجديدة تتقارب مع تجربة ريم نجمي الشعرية؟
أعتقد أن الرواية التي كتبتها لا تشبه تجربتي الشعرية المتواضعة، حتى إنه لا يمكن تصنيف تلك الرواية في خانة الروايات الشاعرية، إنها رواية عن عوالم بعيدة عن الشعر، ولو أنها في مقاطع معينة كتبت بلغة شاعرية.
صدر لك مؤخرا مسرحية "99 في المائة، الخوف والبؤس في الرايخ الثالث" مع زوجك المترجم سمير جريس.. حدثينا عنها.
المسرحية مجموعة من المشاهد التي تصور مشاهد الرعب والقمع في ألمانيا النازية وتعرض آليات القمع في النظم الفاشية، وكيفية السيطرة على الجماهير، وكانت منسية إلى حد كبير، والمجتمع الألماني أعاد اكتشاف هذه المسرحية عقب تنامي الاتجاهات اليمينية في ألمانيا، بعد موجة اللاجئين الكبيرة التي شهدتها البلاد في 2015، إلا أنها تذكر بواقع أنظمة قمعية ما زالت قائمة في العالم العربي.
أيهما أقرب إليك، الكتابة الإبداعية أم الترجمة أم العمل الإعلامي؟
الكتابة والترجمة والعمل الإعلامي هي أعمال إبداعية، لكن طبعا أميل بشدة وأستمتع بالكتابة الأدبية، كما أعشق العمل الإعلامي خصوصا عندما يتعلق الأمر بقصة صحفية مشوقة خارجة عن المألوف.
هل من مشاريع مقبلة على أرض الكتابة؟
المشاريع قائمة ولكن حاليا لدي أحد أهم المشروعات التي أعدّها إبداعية أيضا، وهي ولادة طفلي الذي أعتبره أجمل قصيدة. الأمر الذي يحتاج لكثير من التفرغ.
aXA6IDMuMTM5LjIzNC4xMjQg جزيرة ام اند امز