تشكيليون يحذرون من تنامي ظاهرة تزييف اللوحات في مصر
مديرة جاليري المغربي توضح أن قاعات العرض العالمية تعتمد على أكثر من آلية لكشف التزييف منها فحص بالأشعة تحت الحمراء وفحص كيمياء الألوان
شهدت صالات عرض الأعمال الفنية في مصر مؤخرا زيادة واضحة في عرض الأعمال الفنية التي تنتمي للفنانين الرواد أمثال محمود سعيد والأخوين سيف وأدهم وانلي، وحامد ندا، وعبدالهادي الجزار، ما أثار تساؤلات عن مخاطر عرض أعمال مزيفة وغير أصلية.
وحذر نقاد تشكيليون ومديرو قاعات من تنامي ظاهرة تزييف اللوحات في ظل غياب آلية دقيقة للتأكد من أصالة تلك الأعمال وصحتها.
وقال الناقد ياسر سلطان إن ظاهرة تزوير اللوحات منتشرة منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن الموضوع تفاقم عندما تجاوزت أسعار بعض اللوحات ملايين الدولارات، موضحا أن ذلك تزامن مع طفرة في أعداد صالات العرض وافتتاح فروع لصالات العرض العالمية في العواصم العربية، ما لفت الأنظار إلى هذا النوع من الاستثمار.
وتابع سلطان: "تزوير اللوحات أصبح أسهل من تزييف العملات، لعدم وجود خبراء بالمعنى الحقيقي ولا معامل فحص تحسم هذا النوع من النزاعات، وبالتالي لا تزال كل الوسائل المرتبطة بالكشف عن التزييف مجرد اجتهادات شخصية، ولا تزال عمليات بيع وتداول لوحات تنسب للفنانين الرواد تعتمد على شهادة توثيق يصدرها أفراد وخبراء أكاديميون اعتمادا على الخبرة الشخصية".
ويقترح سلطان أن يبيع الفنان لوحته من خلال وثيقة تعاقد، لكنه أكد أن هذه الثقافة غير موجودة عربيا.
من جانبه، أكد الفنان التشكيلي عمر الفيومي أن أعمال الفنان الرائد حامد ندا هي الأكثر عرضة للتزييف، لأن تقنياتها وموضوعاتها توحي بسهولتها.
وقال: "لأنه أستاذي المباشر فإنني أستطيع دائما التعرف على أعماله الأصلية وكشف زيف الأعمال المقلدة".
وتابع الفيومي: "بعض لوحات حامد ندا تعرضت لأشكال مختلفة من التزييف، وقام فنانون كبار وشباب بنسخ موضوعاتها وأساليبها التقنية"، ولفت إلى غياب آلية دقيقة للكشف عن مختلف حالات التزوير.
وأشار إلى أن بعض القاعات تلجأ في الوقت الحالي لاستصدار شهادات من فنانين عاصروا أو تتلمذوا على أيدي الفنانين الرواد، وبعض هؤلاء لا يعتد بشهادته، وبالتالي فمن الأفضل أن تكون هناك جهة رسمية تتولى الفصل في مثل هذه النزاعات.
بدوره أكد الفنان خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية، أن القطاع ليست لديه آلية للكشف عن تزوير اللوحات، موضحا: "ربما لا توجد في العالم هذه التقنية التي تملك القول الفصل".
وتابع: "هناك معامل تفحص الخامات والألوان والأساليب الفنية إلى جانب اللجوء لتقارير الخبراء وأساتذة الفن"، نافيا أن يكون قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية جهة لإصدار شهادات توثيق للأعمال التشكيلية.
وأشار الى أن القطاع لا يملك حصرا لحالات التزوير، لكن ما يملكه هو التدخل لوقف بيع لوحات مزيفة أو مسروقة من لوحات لها سجلات حصر ضمن مقتنيات المتاحف القومية والفنية.
وأوضح أن قطاع الفنون التشكيلية في مصر لديه خبراء في ترميم وتوثيق اللوحات باستطاعتهم دائما التأكد من أصالة الأعمال، ورحب رئيس قطاع الفنون التشكيلية بفكرة قيام الفنان بتوثيق تعاقد يتضمن وصفا للعمل الفني المباع.
وأشار إلى تجارب مماثلة أنجزها النحات الكبير آدم حنين، حين أصدر وثيقة بالقطع النحتية التي يبيعها وعدد مرات الصب، وبيانا وصفيا شاملا بها كي لا يضر بمصالح من يشتريها، واصفا تلك الخطوة بأنها "التزام أخلاقي من فنان كبير، في الوقت الذي يقوم فيه نحاتون آخرون بصب عشرات النسخ من التمثال الواحد دون ترقيم سواء هم أو ورثة تلك الأعمال".
وتشير سلوى المغربي إلى أن سوق بيع الأعمال التشكيلية شهد نموا من أواخر تسعينيات القرن الماضي مع ظهور بعض القادرين على اقتناء الأعمال الفنية، سواء من رجال الأعمال أو بعض الشخصيات العامة، بعد أن كان سوق الاقتناء محصورا في النطاق الرسمي وبعض البنوك والمؤسسات.
ووفقا للمغربي، فقد "انتبه بعض رجال الأعمال إلى أن هذا السوق مجال جيد للاستثمار، وفي السياق ذاته ظهرت صالات العرض في عواصم أخرى واحتكرت أعمال فنانين ورفعت أسعار أعمالهم بطريقة حرق الأسعار".
وأشار إلى أن هناك فنانين كثيرين بلغت أعمالهم أسعارا فلكية أكثر من قيمتها السوقية والفنية، وأدى هذا التنافس إلى تضارب في المصالح وصراعات في الوسط التشكيلي، وأوجدت أيضا سوقا موازيا للتزييف سواء عبر ما سموا أنفسهم خبراء أو عبر قاعات كانت تأتي بفنانين شباب يقومون بنسخ اللوحات الأصلية اعتمادا على "بروجكيتور" وبعض الأساليب التي يسّرتها التكنولوجيا.
وتشير المغربي إلى أنه حتى 20 عاما مضت كان التزوير قاصرا على حامد ندا ثم توسع وشمل الأخوين وانلي وتحية حليم وأصبحت ظاهرة.
وتوضح مديرة جاليري "المغربي" بعد أن أمضت كثيرا من السنوات في عواصم أوروبية، أن قاعات العرض في العالم تعتمد أكثر من آلية لكشف التزييف، منها الخبراء الذين درسوا على يد جيل الرواد، أو فحص بالأشعة تحت الحمراء ومعامل فحص كيمياء الألوان.
وبدورها، كشفت الدكتورة أمل نصر رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بمصر، أن أغلب حالات التزييف التي تم اكتشافها جرى خلالها اللجوء إلى لجان الخبراء من فنانين ومرممين ونقاد فن.
وقالت إن بعض الفنانين يصدرون شهادة ترفق باللوحات المباعة ومن يشتريها يعتمد هذه الشهادة، لكن عملية الفحص قد تثبت غير ذلك.
وحسب نصر، يعتمد الخبراء عادة على أرشيف الفنان أو على المراحل الفنية وتحولاتها، ولا يوجد في مصر معاملة يمكن الاعتماد على صدقية قراراتها.
وتأسف نصر لأن قاعات معروفة وفنانين معروفين تعرضوا لورطات بيع لوحات مزيفة نتيجة عدم وجود معامل بهذا المستوى.
من جهته، يشير سامح سعيد مدير أحدث قاعات العرض في القاهرة، إلى أنه عرض لوحات لفنانين رواد واعتمد على تتبع رحلتها عبر مقتنين عدّهم "أهل ثقة".
وقال: "من الوارد أن تكون هذه اللوحات غير مسجلة في الأرشيفات التي تعد في نهاية الأمر مجرد اجتهاد".
ورحب سعيد بأي إجراءات عملية يمكن اللجوء إليها لمعاونة أصحاب ومديري القاعات، لأنهم مثل المقتنين يتعرضون لكثير من التضليل ويغامرون بسمعتهم أيضا.
من ناحيته، قال الدكتور حسام رشوان، أحد أبرز المقتنين للأعمال التشكيلية في مصر، ومعد كتالوج الفنان محمود سعيد مع الناقدة العالمية وفاليرى هيس، إن بعض القاعات تغامر بعرض لوحات غير مسجلة في أرشيف الفنان، ما يضع كل الأطراف في ورطة تقدير أصالتها.
وأضاف: "ما يشجع على بيع لوحات منسوبة لـ(سعيد) المبالغ التي وصلت إليها بعض لوحاته، فقد باعت دار كريستيز للمزادات العالمية، قبل نحو عام 3 لوحات لرائد الفن التشكيلي محمود سعيد، في مزاد يحمل عنوان (الشرق الأوسط.. الفن الحديث والمعاصر)، وبيعت لوحة (المسجد الأبيض والنيل) بمبلغ قدره 7500 جنيه إسترليني".
وتابع: "بيعت لوحة أخرى بعنوان (المناظر الطبيعية فى أسوان) بـ6250 ألف جنيه إسترليني، بينما اللوحة الثالثة التي تحمل عنوان (الفتاة الريفية وفلوكة في أسوان) بيعت بـ6250 ألف جنيه إسترليني".
وأكد رشوان أن سوق الفن التشكيلي في مصر يفتقر إلى المعايير ويعتمد على مغامرين أكثر من اعتماده على خبراء.
aXA6IDMuMTM4LjEzNS4yMDEg جزيرة ام اند امز