روائيون عرب: الأدب الروسي منبع إلهام المبدعين
الأدب الروسي كان ولا يزال منبعاً لسبر أغوار النفس البشرية والتبحر في عوالمها، وهو الأمر الذي أكده العديد من الروائيين العرب
أكد عدد من الروائيين العرب أن الأدب الروسي كان ولا يزال المصدر الأول لإبداعاتهم الأدبية وأنه أكثر آداب الإنسانية شمولا وتطورا.
وقال الروائي الفلسطيني أسامة العيسة: "تأثرت كثيرًا بالأدب الروسي، في سنوات التكوين الأدبي، التي ارتبطت بالوعي السياسي، ونشاطي في صفوف اليسار الفلسطيني ضد الاحتلال، والتأثر بأدب الواقعية السوفيتية، ولكن إبداع الأدباء الروس الكبار هو الذي فرض نفسه، ومن بين هؤلاء الأدباء القرغيزي جنكيز إيتماتوف، الذي سحرني بإبداعاته مثل: وداعًا يا غولساري، وجميلة، وغيرهما من روايات، والشاعر رسول حمزاتوف، والنوبلي صاحب الدون الهادئ ميخائيل شولخوف".
وأضاف العيسة: "ارتباط واقعنا في الأرض المحتلة، والتماس اليومي مع الاحتلال، جعلني أرتبط أكثر بأدب المقاومة السوفيتي، وهناك بعض الروايات كانت مؤثرة بشكل خاص مثل: والفولاذ سقيناه للكاتب نيقولاي أوستروفسكي، وهناك نوع آخر من الأدب الروسي تأثرت به أيضًا، ككتابات مكسيم غوركي، وتولستوي، ودوستوفسكي، وغوغول، وتشيخوف ومؤلفات هؤلاء وفرتها بالعربية دور النشر السوفيتية، بترجمات لأدباء عرب كبار، كغائب طعمة فرمان، وأبو بكر يوسف وغيرهما".
وعن تأثير الأدب الروسي، يقول الروائي العراقي حسن النواب: "كنتُ في عمر المراهقة، عندما حضرتُ عرضاً مسرحيَّاً في قاعة الستين كرسي بالعراق؛ وكانت المسرحية هي (طائر التم) للكاتب الروسي إنطوان تشيخوف؛ وأبهرني العرض وغمرتني كلمات النص بشعور غامض؛ كان مزيجاً بين الفرح والحزن؛ خرجتُ من القاعة مبتسماً والدمع يلمع في عيني؛ من يومها حرصتُ على قراءة الأدب الروسي؛ وحين انتهيتُ من مطالعة رواية الأم لمكسيم غوركي اشتعلتْ شرارة التمرد في دمي؛ كنتُ أسعى أن أكون مناضلاً في عمر مبكر؛ وحين قرأت الجريمة والعقاب همتُ في الشوارع بحثاً عن الفتاة سونيا، الأدب الروسي هو روح الإنسانية المضطهدة".
الروائية الكويتية عائشة المحمود، تؤكد أن الأدب الروسي بكل تجلياته ورموزه شكل منبعا مهما يستلهم منه الكثيرون تجاربهم وحالاتهم الإبداعية المتراوحة، فما شكلته أفكار تشيخوف من تحول على صعيد القصة والانتقال بها من عتبة التجريب إلى مرحلة الفعل الإبداعي المقاوم منحتها القدرة على الانتقال بالكتابة إلى عمق مختلف، وبالتالي خلق نسقا إنسانيا ذا بعد بالغ الخصوصية.
وتتابع المحمود: "كان البعد الفلسفي لأعمال دوستويفسكي الدور الأهم على صعيد النفاذ إلى عمق النفس البشرية ومحاولة استجلاء تفاصيلها والارتقاء بالكتابة لحالة من التسامي الأخلاقي على مشكلات المجتمع ومحاولة اكتشاف الوجود ببعده الروحي، لذا لا بد من الإقرار بأن الأدب الروسي شكل بعدا جديدا في مسارات الحركة التعبيرية عموما".
ولا تزال الروائية الفلسطينية صابرين فرعون ترى أن بوشكين وأنا أخماتوفا وليو تولستوي وغوركي هم ملهموها الكبار، وتقول: "كانوا من أوائل من قرأت لهم في الأدب الروسي المترجم. أظن أن الأدب الروسي لم يخرج عن كلاسيكيته مهما تطور، ويميل لكتابة صورة مغايرة عن المجتمع منذ القدم وحتى اليوم".
وعندما يُذكر الأدب الروسي، تفكِّرُ الروائية الجزائرية لميس السعيدي في شيء واحد وهو ما ورثته من هذا الأدب من الكآبة والوعي الصافي بماهية الأدب. وتتابع: "في طفولتي كانت صورة الشاعر ألكسندر بلوك (أب الحداثة الشِّعرية في روسيا) تتوسط جزءا من جدار صالون بيتها. اعتقدتُ لمدة طويلة أن الصورة لأحد الأقارب، قبل أن أكتشف أن والدي كرّس سنوات دراسته في الاتحاد السوفيتي في بداية ستينيات القرن الماضي لشِعر ألكسندر بلوك، ولا يزال الجزء الروسي من مكتبة والدي، الجزء الأكبر والأكثر إثارة وغموضا. كل تلك الكتب القديمة بأغلفة سميكة وعناوين مكتوبة بحروف يختلف رسمها عن الرسم اللاتيني، لا تزال تقف أمامي كصناديق تحمل بداخلها خرائط لكنوز قد لا أعثر عليها أبدا. لكن لحسن الحظ كانت الترجمات إلى اللغة الفرنسية متوفرة أيضا".
تعلمت "سعيدي" من روايات دوستويفسكي، أن الحكاية ليست الغاية من الكتابة الروائية، لكنها بتفاصيلها مجرّد ذريعة لكشف خبايا النفس البشرية، وكما يقول نيتشه: "تعلّمتُ من دوستويفسكي ما لم أتعلّمه من كتب التحليل النفسي".
aXA6IDMuMTM4LjEwNS4yNDAg جزيرة ام اند امز