إننا لنؤمن بأن للفن رسالة سامية ترتقي بالروح وتوسع الآفاق، وهو يقدم بالصوت والصورة ما هو أبلغ كثيراً مما يقدمه الخطاب الديني المباشر.
يعيش العالم مواجهة حامية الوطيس مع الإرهاب منذ عقود عدة، وتزداد المواجهة شراسة أحياناً وتهدأ في أحيان أخرى، لكن في هذه الأيام نشهد انتصارات عسكرية وأمنية في كثير من دول العالم، إلا أن المواجهة الفكرية لا تزال تحتاج لكثير من الجهود وصولاً إلى دحر الإرهاب وهزيمته النهائية.
المواجهة الفكرية للتشدد والتطرف والإرهاب لها أدوات عديدة، من بينها تصحيح الأفكار والمفاهيم الدينية، وتوضيح الأبعاد الاجتماعية والثقافية، وكذلك تسجيل اللحظات التاريخية التي عاشتها الدول التي خاضت مواجهات متعددة الأوجه مع ذلك الخطر الأسود.
أجدد من هنا دعوة مفتوحة للتعاون بين علماء الدين، وأهل الفن، والسياسة وخبراء ومسؤولي الأمن، من أجل الشراكة مع رجال الأعمال، لتقديم صورة فنية مكتملة الأركان في مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب.
وإذا كنا جميعاً نولي وجوهنا شطر دور المنابر والخطاب الديني كوسيلة تقليدية في المواجهة الفكرية للإرهاب والتطرف، لا يمكن الاستغناء عنها، فإننا ندعو إلى جانب ذلك لدور بارز وفاعل للفن في المواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب.
فكلنا كعرب لا ننسى أفلام الزعيم عادل إمام التي خاض فيها معارك في مواجهة الإرهاب في حقبة التسعينيات، والتي قدمها في وقت عاشت فيه مصر واحدة من أشد حقبها مواجهة مع الإرهاب، فقدم أفلامه «الإرهابي»، و«الإرهاب والكباب»، وغير ذلك من أفلام جسدت طبيعة المواجهات التي تحدثت وأرّخت لفترة مهمة من تاريخنا العربي في المواجهة مع الإرهاب.
والسنوات الأخيرة، رغم ما شهدته من تفاعلات أمنية وسياسية قوية في الشرق والغرب مع الإرهاب، إلا أننا لا نلمح دوراً على المستوى ذاته للفن، من سينما ودراما ومسرح، يقدم معالجةً واقعيةً لما عانته الأمة الإسلامية والعالم أجمع من ويلات التطرف والإرهاب.
وفِي طليعة هذه الأعمال نجد: مسلسل «العائلة» ومسرحية «الجنزير» وأفلام مثل: «الإرهاب»، و«المصير»، و«انفجار»، و«الخطر»، و«طيور الظلام»، و«الناجون من النار».. وأخيراً قدمت السينما أعمالاً ناقشت الفكر الإرهابي، أبرزها: «دم الغزال»، و«حين ميسرة»، و«عمارة يعقوبيان». كما قدم النجمان محمد رمضان وأحمد عز فيلمي «جواب اعتقال» للأول و«الخلية» للثاني، بالإضافة إلى «مولانا» للنجم عمرو سعد.
إننا لنؤمن بأن للفن رسالة سامية ترتقي بالروح وتوسع الآفاق، وهو يقدم بالصوت والصورة ما هو أبلغ كثيراً مما يقدمه الخطاب الديني المباشر. ولعلي هنا أدعو لتعاون فاعل وبنّاء بين علماء الدين وأهل الفن للخروج للنور بمشاهد أكثر ثراءً وقوة وتأثيراً ومعالجة لما أصابنا من آلام وعوار جراء تلك المواجهة الصعبة والشرسة على مدار السنوات العشر الأخيرة، ما يستوجب طرح استراتيجية جديدة. استراتيجية تجمع جهود كل المهتمين بقضية المواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب، لأننا جميعاً أمام خطر يتهددنا كلنا، خطر رغم انتصارنا الأمني عليه، إلا أن أفكاره ومخاطره ما زالت قائمة في الشرق والغرب، وبات من الضرورة بمكان إعادة النظر في توظيف كل إمكانات الأمة المتاحة.
الفن رسالة مهمة يجب أن نعظِّم توظيفها في مواجهة الإرهاب، ويجب أن نسجل للتاريخ حجم ما بُذل من جهود عسكرية وأمنية، وحجم ما حدث في الأمة من دمار، وحجم الثمن الذي دفعته أجيال بأكملها جراء الإرهاب.
أجدد من هنا دعوة مفتوحة للتعاون بين علماء الدين، وأهل الفن، والسياسة وخبراء ومسؤولي الأمن، من أجل الشراكة مع رجال الأعمال، لتقديم صورة فنية مكتملة الأركان في مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب.
قالت أم الزين بن شيخة مؤلفة كتاب «الفن في زمن الإرهاب»، إن الفن قادر على مناهضة الإرهاب إذا ما تم توفير المؤسسات الثقافية الكفيلة باحتضانه وتشجيعه وتحقيق المصالحة بينه وبين شباب العالم العربي. لكن المشكلة تكمن في عدم قيام الحكومات في الكثير من دول العالم بتخصيص ميزانية كبيرة للإنفاق على الفن ليقوم بالدور المنوط به.
وللأسف الشديد نرى أن إنفاق الحكومات على الفن ومؤسساته يقل عن 1 في المئة من إنفاقها على التسلّح، إذ يتم إنفاق مليارات الدولارات سنوياً على الأسلحة وغيرها من الجهود الأمنية لمكافحة التطرف والإرهاب، وهذا مطلوب بشدة. غير أن دول الشمال بصفة عامة تخصص مساحات مهمة في مناهجها التعليمية للفن بمختلف مجالاته، قناعةً منها بأنه يساهم في بناء شخصية المواطنة المعتدلة والمتوازنة على أسس قيم الخير والحب، لتحقيق الأمن والسلم المجتمعيين.
إن الفن قادر على محاربة الإرهاب إذا اهتمت الدول بدوره ورسالته وكف رجال الدين على تكفير المبدعين من الفنانين.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة