حجم الأموال القطرية التي أُنفقت من أجل تبييض وجه الدوحة لدى دول وجهات غربية كان كبيراً جداً.
هل كان العالم في حاجة إلى تقرير لوسيلة إعلام غربية يتحدث عن علاقة قطر بالإرهاب حتى يصدق ويتأكد، ويثبُت في يقينه أن الدوحة تدعم إرهابيين وتنفق عليهم وتمدهم بالمال والدعم اللوجستي، وتستخدمهم لتحقيق طموحات سياسية وتسعى من وراء التعاون معهم إلى إيذاء دول أخرى وشعوب استعصت عليها؟ لا فرق كبيراً بين المعلومات التي وردت في تقرير «بي بي سي» حول علاقة قطر بجماعات وتنظيمات وشخصيات إرهابية في سورية ولبنان والعراق، وبين المعلومات التي كشفت عنها الدول الأربع المقاطعة لقطر: السعودية ومصر والإمارات والبحرين حول تورط الدوحة في دعم الإرهاب والإرهابيين، وحتى التفاصيل التي وردت في التقرير الأخير حول الموضوع كُشف عنها من قبل في بيان للدول الأربع صدر قبل أكثر من عام، ورصدت فيه قيام الحكومة القطرية بتقديم أموال ضخمة لدعم جماعات إرهابية في العراق، وخلفيات اللقاء الذي عُقد بين وزير الخارجية القطري عبدالرحمن آل ثاني بقاسم سليماني في بغداد. أما لماذا ظلت دول وجهات ومنظمات ومراكز أبحاث ووسائل إعلام غربية تقاوم مسألة فضح قطر وتسعى إلى حمايتها من عقاب المجتمع الدولي؟، فالإجابة بسيطة، إذ إن بعض تلك الجهات جرت سرطنتها على مدى سنوات بعناصر إخوانية تم زرعها وتثبيتها واستغلالها للدفاع عن «الإخوان» وكل الدول والجهات التي تدعم الجماعة، وعلى رأسها بالطبع قطر، كما أن أقساماً في أجهزة استخبارات ووسائل إعلام ومراكز بحثية غربية أسست منذ سنوات علاقات مع أجهزة في الدوحة، وارتبطت بصلات عملية معها، كان من الصعب عليها أن تأتي بين يوم وليلة وتقطعها أو تتوقف عن السياسات ذاتها التي ظلت على مدى سنوات تمارسها، وكذلك فإن بعضاً من بقايا المسؤولين والنخبة الغربية ما زال يحتفظ بالأمل في حدوث تغيرات في الشرق الأوسط تعيد الإسلاميين مرة أخرى إلى واجهة الصورة، إذ اعتمد على مدى سنوات نظرية تؤمن بأن حكم الإسلاميين للدول العربية كفيل بكبح جماح التنظيمات الدينية الراديكالية، ولأن قطر ظلت على مدى سنوات الدولة الأولى الداعمة لـ «الإخوان» وتنظيمات إرهابية أخرى، فإن الحفاظ على صورتها ومحاولة تبييض وجهها يبقى هدفاً لدى تلك الجهات وهذه الشخصيات!!
المؤكد أن وسائل إعلام غربية أخرى ستكشف، بمرور الوقت، مزيداً من الحقائق وكثيراً من المعلومات حول صلات قطر بالإرهاب والإرهابيين، بعدما أدت الدول الأربع المقاطعة إياها دورها في تحذير المجتمع الدولي من مخاطر سياسات الدوحة وتحالفاتها السرية مع التنظيمات الإرهابية.
وأخيراً، فإن حجم الأموال القطرية التي أُنفقت من أجل تبييض وجه الدوحة لدى دول وجهات غربية كان كبيراً جداً، والإغراءات التي قُدمت على شكل صفقات تجارية ومعاملات مالية كانت ضخمة ربحت من ورائها شركات ورجال أعمال الكثير، فكان عليهم حماية النظام القطري ونفي تهمة دعم الإرهاب عنه.
عموماً، فإن أموال الشعب القطري التي ذهبت إلى الإرهابيين أو وسائل إعلام، أو حتى أشخاص في المنطقة، لم تحقق هدفاً واحداً بالنسبة للدوحة أو «الإخوان»، فشعوب الدول الأربع تمارس حياتها بشكل طبيعي، و«الإخوان» في مصر مثلاً فقدوا شعبية جماهيرية ظلوا يحتفظون بها على مدى عقود، وصارت كل دعوة تصدر عن «الإخوان» للثورة أو العصيان لا تُقابَل إلا بالسخرية والتهكم من جانب الجماهير، ومشاريع التنمية في مصر والسعودية والإمارات والبحرين تسير بسرعة، حتى القضايا السياسية والأمنية في المنطقة يتم النقاش حولها أو محاولة حلها من دون أن يكون لقطر دور في أي منها، بل في الغالب يكون البحث في طُرق إبعاد قطر وتفادي الأذى القادم منها دائماً أحد البنود المطروحة.
اعتمدت الدول الأربع سياسة النَفَس الطويل في التعاطي مع الأزمة القطرية واعتبرتها مجرد مشكلة صغيرة لا يجب أبداً أن تؤثر في نشاطها السياسي أو مشاريعها المستقبلية، أما الإرهاب فعلى رغم خطورته، فإنه ينحسر، بعدما ظلت الدوحة على مدى سنوات تعمل على نشره، والمؤكد أن وسائل إعلام غربية أخرى ستكشف، بمرور الوقت، مزيداً من الحقائق وكثيراً من المعلومات حول صلات قطر بالإرهاب والإرهابيين، بعدما أدت الدول الأربع المقاطعة إياها دورها في تحذير المجتمع الدولي من مخاطر سياسات الدوحة وتحالفاتها السرية مع التنظيمات الإرهابية.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة