عوامل كثيرة تشير إلى أن العلاقات الصينية- الإمارتية تدخل عصرا جديدا، وينظر إليها الطرفان بآمال عريضة ورغبة حقيقية في تطويرها.
أدركت دولة الإمارات العربية منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971، أهمية جمهورية الصين الشعبية، ففي اليوم التالي لإعلان تأسيس الدولة، بعث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ببرقية إلى رئيس مجلس الدولة الصيني، آنذاك، تشو آن لاي لإبلاغه بتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ورد السيد تشو ببرقية تهنئة إلى الشيخ زايد قال فيها إن جمهورية الصين الشعبية تعترف بدولة الإمارات العربية المتحدة.
الحقيقة أن علاقات بكين- أبوظبي، صارت أكثر شمولا وعمقا وتنوعا في السنوات الأخيرة، مع تطور إستراتيجيات وأهداف الجانبين، فقد صارت الإمارات تنظر إلى علاقاتها مع الصين برؤية تقوم على المصالح الاقتصادية المشتركة، مع توظيف كل العناصر التي تعزز تلك العلاقات
ومع تنامي الدور الإقليمي لدولة الإمارات، واقتران ذلك بتزايد حاجة الصين إلى إمدادات آمنة للطاقة، وسعيها إلى تنويع أسواق منتجاتها، في ظل انخفاض القدرة الشرائية في الأسواق التقليدية لتلك المنتجات، والتضييق عليها لأسباب مختلفة في الأسواق الأمريكية والأوروبية، ومع سعي الصين إلى توسيع "الإطار الإستراتيجي" لمصالحها العالمية، فإن عوامل كثيرة تجعل الإمارات تحتل أولوية خاصة في أجندة السياسة الخارجية الصينية.
والحقيقة أن علاقات بكين- أبوظبي، صارت أكثر شمولا وعمقا وتنوعا في السنوات الأخيرة، مع تطور إستراتيجيات وأهداف الجانبين، فقد صارت الإمارات تنظر إلى علاقاتها مع الصين برؤية تقوم على المصالح الاقتصادية المشتركة، مع توظيف كل العناصر التي تعزز تلك العلاقات، ومنها العنصر الثقافي والتعليمي والسياحي، فضلا عن تلاقي رؤى الجانبين في العديد من القضايا العالمية والإقليمية. العلاقات الصينية- الإمارتية، إذاً، هي علاقات متعددة الجوانب ويزداد توسعها يوما بعد يوم، وهي علاقات تتمدد في فضاءات مختلفة ومتنوعة، من أهمها:
الفضاء السياسي
الزيارة التي يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات اليوم، في أول جولة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيسا للبلاد في شهر مارس، إشارة أخرى إلى متانة العلاقات الصينية- الإماراتية والمكانة التي تحتلها أبوظبي في السياسة الخارجية الصينية، لأسباب نذكر منها أن الصين- من وجهة نظر الإمارات- دولة تمتلك كل عناصر القوة التقليدية وغير التقليدية، فهي دولة ذات ثقافة عريقة وتحتل مقعدا دائما في مجلس الأمن للأمم المتحدة، وقوة نووية وقوة إقليمية وعالمية ودولة ذات قدرات عسكرية متزايدة وقوة فضائية صاعدة، إضافة إلى عضويتها في المؤسسات والكيانات الاقتصادية العالمية المؤثرة، مثل مجموعة العشرين، ودورها في القضايا الدولية الهامة، من تغير المناخ إلى القضية النووية الإيرانية والقضية النووية في شبه الجزيرة الكورية، فضلا عن قضايا التجارة العالمية. في المقابل، تلعب الإمارات دورا متزايدا في قضايا تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المصالح الدولية المتنامية للصين، والتنسيق، مع دول الإمارات أمر ضروري للتعامل مع تلك القضايا. كما أن تأييد الإمارات لسياسة "الصين الواحدة" يمثل دعما لبكين في تعاطيها مع قضية تايوان.
الفضاء الثقافي
منذ إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات في نوفمبر عام 1984، ظلت "الثقافة والمعرفة" ملمحا بارزا لتلك العلاقات، دشنه الشيخ زايد خلال زيارته إلى الصين في عام 1990 بإعلانه عن إنشاء مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين على نفقته الخاصة. المركز الذي افتتح في عام 1994، أصبح مؤسسة تعليمية هامة لتدريس اللغة العربية في الصين، وصرحا معرفيا لنشر الثقافة الإسلامية.
وقد حرصت الإمارات على أن تستقبل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، التي تبدأ اليوم، بحفل تدشين الطبعة العربية للمجلد الثاني من كتاب ((شي جين بينغ: حول الحكم والإدارة)) يوم 15 يوليو في مستهل "الأسبوع الإمارتي- الصيني" الذي يستمر حتى الرابع والعشرين من يوليو. وكانت الصين ضيف شرف معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورة عام 2017، فضلا عن الفعاليات الثقافية العديدة المتبادلة بين البلدين. والإمارات بها حاليا فرعان لمعهد كونفوشيوس الصيني لتعليم اللغة الصينية، وتوجد في دبي مدرسة دولية صينية. وحسب تقارير صحفية، يدرس847 مواطنا إماراتيا اللغة الصينية في مدرسة حمدان بن زايد بأبوظبي حاليا.
فضاء التجارة
تعتبر الإمارات سوقا واعدة للمنتجات الصينية ذات الأسعار التنافسية؛ والتي ترتفع جودتها يوما بعد يوم، وهي سوق ذات قدرات شرائية عالية. ولعل نجاح تجربة "سوق التنين" في دبي نموذج للإمكانات الكبيرة والفرص الواعدة للمنتجات الصينية في الإمارات، التي تعد حاليا أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط. كما أن الإمارات هي أكبر ممر لعبور السلع الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط.
فضاء الموارد البشرية والسياحة
يوجد في الإمارات حاليا أكثر من مائتي ألف صيني، يمثلون أكبر جالية صينية في منطقة الشرق الأوسط. وصارت الإمارات، ودبي تحديدا، مقصدا سياحيا لعدد متزايد من السياح الصينيين. وقد جاوز عدد الصينيين الذين زاروا الإمارات في عام 2017 مليون فرد.
على الجانب الآخر، أصبحت الصين مقصدا لعدد متزايد من أبناء الإمارات، للدراسة وسياحة التسوق والسياحة العلاجية والترفيهية. وقد تبادل البلدان في يناير 2018، مذكرة تفاهم بشأن إعفاء مواطني الإمارات من حاملي جوازات السفر العادية من تأشيرة الدخول المسبقة إلى الصين، مع إمكانية البقاء فيها لمدة أقصاها 30 يوما في كل زيارة. وهناك تعاون بين الجانبين في إطار تنمية الموارد البشرية، سواء في الإطار الجماعي لمنتدى التعاون العربي- الصيني أو في الإطار الثنائي.
فضاء التعاون الأمني والإستراتيجي
تقع الإمارات في قلب خريطة الأمن الإقليمي والدولي، فهي تطل على الخليج الذي يعبر منه نصف النفط العالمي، وتعد منصة للتحرك الإستراتيجي شرقا وغربا، فضلا عن قربها من من بؤر صراعات إقليمية ساخنة. وفي ذات الوقت، تزداد مصالح الصين الدولية ويتوسع الإطار الإستراتيجي لمصالحها وتتعاظم الحاجة إلى حماية تلك المصالح، الأمر الذي يتطلب منها التنسيق مع الأطراف الفاعلة عالميا وإقليميا، ومنها الإمارات، لتأمين خطوط إمدادات الطاقة لها ومسارات شحن بضائعها إلى مناطق مختلفة من العالم.
استطاعت الصين والإمارات استغلال عناصر القوة المتاحة للطرفين لتعزيز علاقاتهما، وقد أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن الصين والإمارات تلعبان دورا محوريا في استقرار المنطقة ومستقبلها الاقتصادي، مضيفا أنه منذ أكثر من 28 عاما زار الشيخ زايد الصين مؤسسا لعلاقات إستراتيجية بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية المتميزة على مدى أكثر من ثلاثة عقود. واعتبر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، "أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للإمارات تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها التعاون المثمر والمستقبل الواعد".
إن عوامل كثيرة تشير إلى أن العلاقات الصينية- الإمارتية تدخل عصرا جديدا، وينظر إليها الطرفان بآمال عريضة ورغبة حقيقية في تطوير تلك العلاقات وتعميقها، ويبدو أن البيئة الدولية والإقليمية تعزز هذا الاتجاه.
* نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة "الصين اليوم"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة