تشكل الحالة القطرية نموذجا مخزيا للسياسة الخارجية المختطفة أمام التحديات.
ليس تقرير البي بي سي الأخير سوى حلقة صغيرة لسلسلة من الفضائح لتنظيم الحمدين الإرهابي، فالحقيقة لا بد لها من الظهور ولو بعد حين، ولم يعِ حمد بن خليفة ولا حمد بن جاسم وهما يكيدان الدسائس في الخفاء أن للحقيقة صيرورة، وأن كيد الظالم لا يفلح، وأن التاريخ شاهد وقاضٍ لا يرحم.
الطيران القطري لا يختلف دوره عن دور شبكة بي ان سبورت الرياضية، ومحاولاتها القذرة لتسييس كرة القدم، وعلى ما يبدو ستقوم العديد من المطارات العالمية بتشديد الرقابة والاشتباه بالرحلات الجوية لهذه الخطوط، وكما سوف تتحرج الكثير من الأندية الرياضية في تجديد عقود رعاية هذا الطيران المشبوه
حطم تنظيم الحمدين رقماً قياسياً جديداً يضاف إلى سجله الأسود بدفعه مبلغ مليار دولار للجماعات الإرهابية كفدية، حيث يعتبر الرقم السابق ضئيلاً جداً مقارنة بما دفعه النظام القطري، وهو المسجل بقيمة 60 مليون دولار لتحرير خورخي وخوان بورن من قبل إحدى الجماعات اليسارية في الأرجنتين في سبعينيات القرن الماضي، الدول القوية والمسؤولة لا تتفاوض مع الإرهابيين ولا تخضع لمطالبهم، فلا الولايات المتحدة والأردن ولا اليابان خضعت لابتزاز داعش مقابل تحرير رهائنهم، في المقابل نجد التخبط السياسي وضعف القرار والاستهانة القطرية بمسؤوليتها الدولية تجاه الجماعات المتطرفة والإرهابية بمكافأة أكثر الجماعات شراً بهذا القدر الخيالي من المال.
ماذا يمكن لحزب الله العراقي أو اللبناني وجبهة النصرة والحرس الثوري الإيراني أن يفعلوا بحصتهم من هذه الكعكة في بورصة الموت؟ هذه المليار تكفي لتجهيز عتاد ٤٠٠ آلف إرهابي! و٥٠٠ ألف بندقية كلاشنكوف و٢٨٥ ألف قذيفة هاون، و٣٣٣ ألف قاذفة آر بي جي، وعدد لا يمكن تصوره من الأحزمة الناسفة الرخيصة، وإرسالها إلى مختلف المحافظات العراقية والسورية وحتى العواصم الأوروبية لحصد أرواح الآلاف من الأبرياء وتهجير الملايين وإخافة الآمنين.
وهناك أبعاد أخرى تكشفها التسريبات الجديدة وجب تسليط الضوء عليها، فاستخدام قطر ناقلها الرسمي "الخطوط الجوية القطرية" في عمليات تمويل الإرهاب يدل على أن هذا النظام لا يتردد في استغلال كل أدواته في سبيل مشروع الفوضى، فالطيران القطري لا يختلف دوره عن دور شبكة بي ان سبورت الرياضية ومحاولاتها القذرة لتسييس كرة القدم، وعلى ما يبدو ستقوم العديد من المطارات العالمية بتشديد الرقابة والاشتباه بالرحلات الجوية لهذه الخطوط، وكما سوف تتحرج الكثير من الأندية الرياضية في تجديد عقود رعاية هذا الطيران المشبوه.
وأمرٌ آخر هو التباين الصارخ في الطرح بين بي بي سي بنسختها الأصلية الإنجليزية والنسخة التلفزيونية الباهتة العربية، والتي لم تتناول موضوع هذه التسريبات، لتسقط هي الأخرى من عين المتابع العربي الباحث عن الحقيقة كما سقطت الجزيرة، وأشارت التسريبات إلى أن المطالب شملت دوراً عسكرياً لقطر التي كانت تشارك ضمن قوات التحالف العربي حينها، وهذا يدفعنا لطرح العديد من التساؤلات عن ماهية هذه التنازلات أو "الخيانات" التي قدمتها الدوحة في أرض اليمن إرضاء لسليماني وحزب الله وحليفهما الحوثي.
تشكل الحالة القطرية نموذجا مخزيا للسياسة الخارجية المختطفة أمام التحديات، والأيام حبلى بمزيد من الأدلة التي تثبت تورط هذه الدويلة بمزيد من المؤامرات والمكائد، ولن تتوقف التسريبات التي تبين عمق الهاوية التي سقط فيها تنظيم الحمدين من محاولات لتقسيم المملكة العربية السعودية، وتعزيز الطائفية في البحرين وإرسال جواسيسها إلى الإمارات، والدور الغريب في إشعال ما يسمى بالربيع العربي، وسرقة مقدرات الشعب القطري وتسخيرها في لعبة الموت في مشهد مرتبك، ومع تعدد الصور التي يتقمصها تنظيم الحمدين تبقى صورة البقرة الحلوب للجماعات الإرهابية هي الصورة التي لا تغسلها مشاريع الهارودز وسان جيرمان والملايين المهدرة لشركات العلاقات العامة والحسابات الوهمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة