فنون التغيرات المناخية.. موسيقى وإيقاع في بيانات الكوكب (تحليل)
فنون التغيرات المناخية هي شكل من أشكال الفن يهتم بتصوير التغيرات المناخية وتحدياتها وتأثيراتها.
والهدف منها هو جذب انتباه الناس إلى التحديات المناخية التي يواجهها الكوكب والمساعدة على خلق تغيير ثقافي حولها. حيث يهدف الفنانون من خلال أعمالهم إلى التأثير على صانعي القرار ودعم حركة العمل على المستويات المحلية والعالمية.
وتتخذ فنون التغيرات المناخية العديد من التشكيلات التعبيرية مثل اللوحات والنحت والأشكال التجريدية التي تعبر عن مشاعر وآثار التغيرات المناخية، والورش والأحداث الفنية التي تجمع الفنانين والمجتمع معًا لتسليط الضوء على القضايا المناخية.
وهناك أيضا الأعمال التوضيحية مثل الصور والرسوم التوضيحية والخرائط التي توضح مجريات وتأثيرات التغيرات المناخية، بالإضافة للأفلام التوضيحية التي تستخدم وسائل الإعلام الجديدة لرفع مستوى الوعي العام بالقضايا المناخية. أما الحفلات الموسيقية أو العروض التي توظف الفنون لرفع الوعي بأهمية مواجهة التغيرات المناخية فتخلق ردود أفعال عاطفية قوية لدى الجمهور وتزيد من الوعي لدعم التغيير والعمل ضد التغيرات المناخية.
هناك العديد من أعمال الفن التي تهدف إلى تحسين الوعي البيئي وتعزيز الحفاظ على البيئة، ومن الأمثلة على ذلك والتي تم الإعلان عنها مؤخرا:
موسيقى المحيطات والوعي البيئي
يحول فنان إيقاعي بيانات المحيطات التي تتضمن معلومات عن درجة الحرارة والحموضة إلى موسيقى إيقاعية رائعة، وتهدف قطعته الموسيقية "زيت وماء" إلى رفع الوعي حول تأثير إنتاج النفط على المحيطات، ويأمل أن تقوم موسيقاه بتحفيز التأمل والتوعية، حيث يتعاون مع العلماء في شبكة محيطات كندا للوصول لجمهور أوسع.
ويستخدم الفنان هذه الفكرة الإبداعية الرائعة لخلق فن يمزج بين الجماليات والوعي البيئي، ولاستكشاف طرق مبتكرة لنقل الرسائل الهادئة لكنها حاسمة حول القضايا البيئية عن طريق استخدام هذه الفكرة الرائعة لخلق فن إيقاعي ذي مغزى، بحيث يخاطب الجمهور عاطفيا من خلال الصوت والإيقاع، في حين أنه يحمل رسالة بيئية هادئة.
ويحول الفنان "البيان الرقمي الجاف" للبيانات المحيطية إلى شيء جمالي وعاطفي، من خلال الإيقاع والتنسيق والعناصر الأخرى، ما يجعله أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للجمهور.
ويمكن أن تكون هذه الموسيقى الإيقاعية - التي تعكس حالة المحيطات وتغيراتها - وسيلة قوية للتوعية بمخاطر التلوث والتغير المناخي وأهمية الحفاظ على النظم البيئية المائية. كما يمكن ترجمة بيانات المحيط الرقمية، مثل درجات الحرارة والحموضة، إلى أنماط موسيقية وإيقاعات مرتبطة بهذه البيانات. فعلى سبيل المثال، قد ترتبط ارتفاعات درجات الحرارة بنبرات أعلى وإيقاعات أسرع. ويمكن لهذه الموسيقى أن تعبر عن المشاعر المرتبطة بتغير حالة المحيط، مثل القلق أو الفوضى أو الأمل.
ومن الجيد أن الفنان يتعاون مع العلماء لضمان دقة البيانات التي يستخدمها وترجمتها إلى موسيقى. كما أن استخدام منصات شبكة المحيطات الكندية من شأنه الوصول إلى جمهور أوسع لنشر الموسيقى ونقل الرسالة البيئية وتحفيز المزيد من التأمل والعمل. ويضمن التعاون مع العلماء أن الترجمة الموسيقية دقيقة ومبنية على فهم سليم للبيانات وما تعنيه.
حكاية "باندو"
تعتبر "باندو" (Pando) وهي غابة تتكون من شجرة واحدة في ولاية يوتا الأمريكية أكبر كائن حي على كوكب الأرض، ولها حوالي 47000 جذع وعمرها حوالي 12000 سنة. وقام فنان الصوت جيف رايس بوضع ميكروفون داخل جذع فرعي من غابة "باندو" وربطه بجذور الشجرة. وتفاجأ عندما سجل أصواتا خافتة قادمة من الغابة.
والآن، يمكننا الآن سماع واحدة من أكبر وأقدم الكائنات الحية على الأرض تهمس مع رعشة مليون ورقة يتردد صداها من خلال جذورها، إنها المرة الأولى التي يتم فيها تسجيل أصوات من نظام "غابة شجرة واحدة"، والأصوات التي تم تسجيلها هي صوت أوراق الشجرة تهتز تحت تأثير الرياح، والاهتزازات تنتشر عبر نظام الجذور المترابط.
ويعتبر صوت غابة "باندو" سجلا لصحة البيئة، لكن الغابة تتدهور بشكل تدريجي بسبب الأنشطة البشرية وقد يظهر المزيد من الأبحاث الصوتية من فهمنا لهذه الكائنات الفريدة ويمنحنا نظرة ثاقبة على صحتها وحالتها.
وتمثل الأصوات المنخفضة التي تم تسجيلها من قبل رايس أحد الطرق التجريبية الجديدة لفهم واحدة من أقدم الكائنات الحية على كوكب الأرض، مع ترابط جذور غابة "باندو"، لإن الاهتزازات الناتجة عن الرياح أو الحركة تنتشر بسهولة عبر أنحاء الغابة بأكملها. ويعتقد الباحثون أن أي تغييرات في أنماط الصوت أو الترددات قد تقدم مؤشرات على أي تعطل في نظام الجذور أو نقص في الرطوبة.
وقد تعكس زيادة حدة الأصوات نمو الحشرات الضارة أو انتشار الأمراض. بينما قد تعني خفت الأصوات تدهور الغابة. ومن المهم مراقبة صحة غابة "باندو" كنظام بيئي فريد مع العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية المعتمدة عليها. وقد تفتح الأبحاث المتعلقة بأصوات غابة "باندو" الباب أمام إمكانية مراقبة صحة الغابات والنظم البيئية الأخرى من خلال السجل الصوتي للطبيعة الحية.
يُعتقد أن "باندو" هي واحدة من بضعة عشرات من "غابات الشجرة الواحدة" في العالم، مما يجعل فهمها والحفاظ عليها أمرا حيويا للغاية. وبما أن "باندو" قد عاشت لآلاف السنين، فهي شاهدة على تاريخ بيئي طويل وتغيرات مناخية كبيرة. لا يتطلب التسجيل الصوتي أي تدخل بشري أو أضرار بالنسبة للغابة، مما يجعله وسيلة غير تدميرية للمراقبة.
إن تسجيل الأصوات يمكن أن يكشف المزيد عن وظائف وعمليات وصحة هذه الكائنات الفريدة، مما قد يفتح الباب أمام تقنيات جديدة لمراقبة صحة الغابات والنظم البيئية الهشة والحفاظ عليها. وتخطط مؤسسة أصدقاء "باندو" لاستخدام البيانات الصوتية لفهم حركة المياه داخل نظام الجذور وحالة الغابة.
تقنية تسجيل الأصوات للكشف عن التغيرات المناخية
يمكن أن يكشف تسجيل الأصوات عن معلومات قيمة حول التغيرات المناخية مثل تغيرات التردد، حيث تعكس التغيرات في ترددات الأصوات التي تصدرها النباتات تغيرات في درجات الحرارة أو كمية الرطوبة أو حتى معدلات التعبئة النباتية. وقد تتغير أنماط أصوات الحياة البرية عندما تُضطر الحيوانات للتكيف مع ظروف مناخية متغيرة.
وعندما يتعرض النبات لضغوط بيئية شديدة مثل درجات الحرارة المرتفعة أو ندرة المياه، فقد يصبح صوته أعلى كرد فعل وقائي. وقد تزيد الحشرات الضارة التي تستفيد من المناخ الأكثر دفئًا من حدة أصوات النباتات.
لذلك يمكن استخدام السجل الصوتي للطبيعة الحية كدليل على التغيرات المناخية الحاصلة وتقديم رؤى حول طريقة تكيف الكائنات الحية مع هذه التغيرات. وقد تفتح هذه الرؤى الطريق أمام إجراءات مبكرة لحماية النظم البيئية الضعيفة.
كما يمكن استخدام تقنية تسجيل الأصوات بنجاح للكشف عن التغيرات المناخية في المناطق الصحراوية، فعلي سبيل المثال، يمكن للحيوانات الصحراوية مثل الغزلان والطيور أن تغير من أنماط الصياح أو التغريد كرد فعل على تغيرات المياه والغذاء أو تغيرات درجات الحرارة. كما يمكن قياس اتجاهات وسرعة وشدة الرياح والتي تعكس تغير المناخ مع مرور الوقت.
ويمكن أن ينم تسجيل أصوات الأمطار على مدار السنوات عن تغير في كمية الأمطار أو توقيتها. ويمكن لتغيرات سرعة واتجاه الرياح أن تغير من أنماط حركة الكثبان الرملية والأصوات الناتجة عنها. كما يمكن للتغيرات في نشاط الحياة النباتية مثل انتشار الأوراق أو سقوطها أو نمو الثمار أن تنتج أصواتًا يمكن رصدها. لذلك فإن تقنيات تسجيل الأصوات طويلة الأجل يمكن أن توفر مؤشرات قيمة عن صحة البيئة الصحراوية وتغيراتها المناخية، وهي طريقة غير مكلفة نسبيًا للقيام بذلك.
الفن وزيادة الوعي بالقضايا البيئية
للفن دور هام في توعية الجمهور بضرورة مواجهة التغيرات المناخية والتأثير على السياسات المناخية، وتبرهن الأعمال الفنية الناجحة على الاهتمام المتزايد باستخدام الفن لزيادة الوعي بالقضايا البيئية، ودعم التغيير الاجتماعي والثقافي الذي يمكن أن يساعد في معالجة تحديات التغيرات المناخية.
يمكن للفن أن يوضح أبعاد القضية المناخية بطرق تجذب انتباه الناس. فالصور والأفلام والموسيقى والأدب تساعد على توصيل الحقائق العلمية بطريقة أقوى. كما يمكن أن يكون للفن تأثير انفعالي ويولد مشاعر قوية مثل الحزن والخوف من آثار التغير المناخي. وهذه المشاعر تدفع بالجمهور للمطالبة بالتغيير.
ويثير الفن النقاش حول التغير المناخي ويحفز النقاش العام الذي يؤدي إلى تحسين السياسات. ويمكن للفن أن يوفر فكرة جديدة لمواجهة تحديات التغير المناخي، مما يدفع الجمهور لاتخاذ إجراء والمطالبة بالتغيير. ويساعد الفن في خلق تغيير ثقافي حول القضايا البيئية والمناخية، حيث تصبح الاستدامة جزءًا من الثقافة العامة.
يقوم الفنانون بتصوير عملية التكيف مع التغير المناخي، وتأثيره على أنماط الحياة، مما يوفر فكرة عن المستقبل. وبالتالي، يلعب الفن دورًا حيويًا في معالجة تحديات التغير المناخي على المستويات الفردية والاجتماعية والثقافية، حتى لو لم يكن له تأثير مباشر على سياسات الحكومات.
ويمكن أن يعرض الفن للجمهور حلولاً وأفكارًا بيئية إيجابية، ويلهم الفن الناس للعمل من أجل التغيير، حيث إنه يخلق لديهم الدافع العاطفي لمساعدة الكوكب والعمل على حل المشكلات البيئية. لذلك يمكن القول إن الفن يلعب دورًا أساسيًا في بناء الوعي البيئي وتعزيز السلوكيات الصديقة للبيئة.
وتعتبر فنون التغير المناخي نوعا من الفنون التي تلفت الانتباه إلى تحديات وتداعيات التغير المناخي وتساعد على خلق تغيير ثقافي حول هذه القضايا. حيث يسعى الفنانون من خلال أعمالهم إلى التأثير على صناع القرار ودعم حركات العمل المحلية والعالمية.
تتخذ فنون التغير المناخي أشكالا متعددة مثل اللوحات والنحت والأشكال التجريدية التي تعبر عن مشاعر وتأثيرات التغير المناخي، وورش العمل الفنية والأحداث التي تجمع الفنانين والمجتمعات للتركيز على القضايا المناخية.
هناك أعمال توضيحية مثل الصور والخرائط والمعلومات الرسومية التي توضح بشكل مرئي عمليات وتأثيرات التغير المناخي. وأفلام تستخدم وسائل الإعلام الجديدة لرفع مستوى الوعي العام بالقضايا المناخية.
تعكس الأمثلة المقدمة كيف يستخدم الفنانون الموسيقى وتسجيل الأصوات وغيرها من الوسائل الإبداعية لنقل الرسائل البيئية ورفع الوعي البيئي بطرق هادئة لكنها فعالة تتصل عاطفياً بالجمهور، ويضمن التعاون مع العلماء دقة الترجمات الفنية واعتمادها على فهم سليم للبيانات وما تعنيه، ويفتح الباب أمام تقنيات جديدة لحماية النظم البيئية الهشة.