كتاب عن أشهر رسامة بالقرن العشرين.. فريدا كاهلو والخيانات الزوجية
الرسامة الأشهر في القرن العشرين فريدا كاهلو رسمت بغزارة لتواجه ألم الفقد، ورسمت نفسها في ثلث أعمالها، والكتاب الجديد يكشف معاناتها
بفضل طريقة حياتها الحرة تحولت الرسامة المكسيكية الأشهر في القرن العشرين فريدا كاهلو (1907 - 1954) إلى أيقونة من أيقونات التمرد على الصعيد العالمي، وأصبحت صورتها اليوم واحدة من أكثر الصور استعمالا في مجال الفنون الجماهيرية والملصقات التجارية الشائعة في العالم.
وبفضل الفيلم الذي قدمته عن حياتها النجمة المكسيكية سلمى حايك تجاوز الولع بها فئة من المبدعين الذين لفت نظرهم طريقتها المميزة في الرسم أو اليساريين الذين تعلقت عقولهم بسيرتها الذاتية المرتبطة بنضال سياسي وصداقات عميقة مع رموز اليسار وعلى رأسهم ليون تروتسكي الذي دخلت معه في علاقة، ردا على خيانات زوجها دييجو ريفيرا رسام الأيقونات، التي كانت قصة غرامها به واحدة من أكثر الأساطير العاطفية رسوخا في القرن العشرين، رغم نهايتها المأساوية ذات الطابع الميلودرامي، حيث أنهت فريدا حياتها بعد نوبات متواصلة من الانهيار العصبي وإدمان العقاقير المخدرة.
ويعيد كتاب "فريدا"، الذي كتبته المؤلفة هايدن هيربرا، إحياء تفاصيل هذه العلاقة ويشيدها من جديد في سردية تاريخية وفنية ممتعة حافلة بالتفاصيل الدرامية بالغة القسوة لكنها شديدة الإمتاع.
ويجدد الكتاب روح الإلهام التي جعلت فريدا ملهمة لمئات الفنانين والأدباء في مختلف بلدان العالم وتعتمد مؤلفته على مصادر أرشيفية متنوعة وتقدم تحليلات غاية في العمق والفهم لأعمال فريدا وتقارنها برسامي عصرها وتعطي مزيدا من الجهد في التعاطي مع أعمال المدارس المختلفة وبالذات الحركة السوريالية التي تقاطع أعلامها مع ريفيرا وزوجته فريدا. وتنتهي إلى اعتبار حياتها سيرة من الفقد المتواصل وأن رسومها لم تكن إلا أداة لمقاومة هذا الفقد.
ترجم الكتاب الشاعر العراقي علي عبد الأمير صالح، ونشرته دار المدى في بغداد مؤخرا، وعبر 767 صفحة نطالع وجوها غير معروفة لفريدا التي نراها "ضحية" لألم بدأ مع أصابتها في حادث رسم مسار حياتها مرورا بتجربة عيشها وعشقها لرجل غريب الأطوار قادتها تصرفاته إلى حياة حافلة بتناقضات لا تنتهي.
ومؤلفة الكتاب هيدن هيربرا، أمريكية ولدت في المكسيك ودرست تاريخ الفن ونالت درجة الدكتوراه عن أطروحة بعنوان "فريدا كاهلو حياتها وفنها" قدمتها في نيويورك من عام 1981 ولها كتب فنية عدة عن رسامين منهم ماتيس وله كتاب عن الفن الأمريكي المعاصر. وفي المقدمة التي كتبها للكتاب يشير المترجم إلى أنه أشمل كتاب عن سيرتها الذاتية وهو "كنز نفيس" لعشاق هذه الرسامة المكسيكية التي كادت أن تتحول إلى أسطورة.
ويشدد الكتاب على أنه من الصعب التحرر عند متابعة سيرة كاهلو من الأثر الذي تركته على حياتها أصابتها المبكرة بشلل الأطفال في سنّ السادسة ثم تعرّضها إلى حادث أليم (1925) خضعت على إثرها إلى 35 عملية، وبسبب هذه الحوادث واجهت فريدا وحدتها أو العزلة المفروضة بالرسم المتواصل وكان وجهها هو أكثر ما كانت تعرفه من العالم لذلك أدمنت رسمه.
لا تترك مؤلفة الكتاب تفصيلة واحدة في حياة بطلتها دون أن تذكرها بما في ذلك الأسباب العادية لشجارها اليومي مع زوجها غريب الأطوار رسام الأيقونات ريفيرا الذي كان يكبرها بأكثر من عشرين عاما وكان جسدها على العكس من جسده، فبينما كانت أقرب لعصفور كان هو شبيها بـ"الفيل" وظلت تسخر من هذا التناقض الذي تفاقم مع إصراره المتواصل على خيانتها وإقامة علاقات عابرة مع أخريات ما دفعها لإقامة علاقة مع ”ليون تروتسكي” المناضل الشيوعي الذي هرب من حكم جوزيف ستالين إلى المكسيك، وقد أقام بينهما في الفترة 1937 إلى 1939.
وخلال تلك الفترة دافعت فريدا عن تروتسكي رغم انتمائها للحزب الشيوعي المكسيكي المتحالف مع ستالين، ويوضح الكتاب طبيعة الحياة التي عاشها الزوجان، حيث كان بيت الزوجية وجهة لمثقفي العالم الذين انخرطوا في موجات من النضال من أجل التغيير ومواجهة خطر الفاشية في العالم. ومن هؤلاء: بابلو نيرودا وأندريه بريتون وسيرجي أيزنشتاين، بالإضافة لنجوم السينما والسياسيين ورجال الأعمال.
ونتيجة لطباع ريفيرا الصعبة ولخيانته لها مع أختها تطلقا عام 1939 ولكنهما تزوجا من جديد في عام 1940 في سان فرانسيسكو.
وأحيطت سيرتها وحياتها معه بشائعات كثيرة تخص نمط الحياة المنتهكة الذي انحازت له، ويكشف الكتاب كيف قاومت فريدا خيانات زوجها وحياته المنفلتة بحياة مضادة تبنت فيها الممارسات نفسها لكنها انهمكت في عملها أكثر لتأكيد أسلوبها الفني وبفضل هذا الانخراط الفني وحده وغزارة الإنتاج تركت أثرا لا يمحى وتفسر المؤلفة غرام فريدا بالرسم باستمرار باعتباره نوعا من الرغبة في أن تحظى بالكثير من الاهتمام، فقد قاومت على الدوام صور إهمالها حتى أنها لم تستسلم لفكرة "المرض" ولم تحب أن تعيش ضحية ولم ترغب في إحاطة نفسها بوجه "قديسة" لأنها انحازت لضعفها الشخصي وجروحها الذاتية بل حتى دافعت في يومياتها عن سلوك ريفيرا الأناني وكتبت في يومياتها: "أحب أن أمنحه كل شيء، لو كان لدي شباب سيكون بوسعه أن يأخذ شبابي كله".
رسمت فريدا نفسها في ثلث أعمالها التي تركتها، رسمت نفسها وهي تنزف وتتصدع، ثم حولت وجعها إلى فن يحمل ناطق بحس الفكاهة والفانتازيا، مقاومة لشعورها بأنها ضحية "الشلل".
ويرى المترجم أنها بذلك حذت حذو رسامين كبار مثل فان جوخ ورامبرانت وجويا وكان رسمها أقرب ما يكون لـ"جراحات نفسية" لجأت إليها لتسخر من الألم وتواجه الموت.
ويرى الكتاب أن أعمالها انطوت على استعارات واضحة لجسدها الذي كانت ترمم جروحه عبر الرسم والحياة التي عشقتها عشقا لا نظير له، وكان الرسم بالنسبة لفريدا يمثل معركتها من أجل الحياة، كما أنه لا ينفصل عن إبداعها الذاتي في فنها وهو إبداع أوجد لتجربتها مسارا يصعب تكراره فقد كانت تتمتع بحس الفكاهة وكانت تحب المبالغة وتريد أن تصل إلى ما وراء نطاق الواقعية وتقول "أردت ان أرى الأسود تخرج من رف الكتب"، وأضافت "رسمي يمت بصلة للسوريالية لكن لم تكن لدي النية لتصنيف أعمالي".