آسيان.. خامس أكبر اقتصاد في العالم يرسم مساره الخاص بين القوى الكبرى
في حقبة تتصاعد فيها المنافسة الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، بدا أن منطقة واحدة ترسم بالفعل مساراً سلمياً ومزدهراً عبر هذه الثنائية القطبية: (آسيان).
ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) هي تكتل تأسس عام 1967، ويضم 10 دول هي بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام.
وسرعان ما أثبت هذا التكتل أنه تجمع لدول حيوية سريعة النمو وتعمل بشكل تصاعدي على زيادة حصتها في التجارة العالمية، الأمر الذي دفع القوى الكبرى في الشرق والغرب إلى محاولة الحصول على شراكات مميزة معها.
- الإمارات توقّع معاهدة التعاون والصداقة مع "الآسيان"
- دبي تنظم منتدى"الآسيان" العالمي للأعمال خلال إكسبو 2020
ويتعلق ما حققته هذه الدول من نجاحات على مسار عدم الانحياز عالميا، بتاريخها الذي ارتبط بتحمل الكثير من ضغوط القوى العظمى منذ استقلالها بعد أن خرجت من قرون من الحكم الاستعماري، وقد قادت هذه الضغوط في بعض الأوقات إلى اندلاع حروب أهلية في المنطقة.
وبعد عقود من التمسك باستبعاد "القوى العظمى" من حسابات المنطقة الحيوية، قطعت دول "آسيان" خطوات استثنائية ليصبح نصيب الفرد من الدخل القومي من بين الأسرع نموا في العالم، كما أصبحت المنطقة رابع أكبر مساهم في النمو العالمي بعد الصين والهند والولايات المتحدة.
ورسخت كل من ماليزيا وتايلاند مكانتهما كمركزين عالميين للصناعة التحويلية، فأصبحت من كبار منتجي السيارات والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية وشرائح الكمبيوتر.
بينما تعد إندونيسيا والفلبين في مصافي الأسواق الصاعدة الكبيرة الأسرع نموا على مستوى العالم بقيادة الطلب المحلي، بينما تمثل سنغافورة مركزا ماليا وتجاريا رئيسيا.
أما الاقتصادات الواعدة، مثل كمبوديا ولاوس وميانمار وفيتنام، فقد بدأت تخرج من عقود طبقت فيها التخطيط المركزي، وبعد انضمامها لرابطة آسيان اندمجت بالفعل في سلاسل الإمداد الإقليمية.
خامس أكبر اقتصاد في العالم
بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي لدول رابطة آسيان 4.1٪ بين عامي 2012 و2021، وفقا لبيانات مجلس تنمية تجارة هونج كونج (HKTDC) الذي يمتلك 50 مكتبًا على مستوى العالم لتنمية التجارة.
ويبلغ عدد سكان آسيان حوالي 664 مليون نسمة، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي لآسيان حوالي 3.3 تريليون دولار عام 2021.
وإذا تم اعتبارها كيانا واحدا فإن آسيان هي ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، وخامس أكبر دولة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا.
ونجح اقتصاد دول آسيان في النمو بنسبة 3.4% عام 2021، في عملية تخطٍ سريعة لآثار جائحة كورونا التي تسببت في انكماش لاقتصاد المنطقة بنسبة 3.2% في 2020.
وقد تخطت المنطقة آثار كورونا سريعا بفضل الأداء القوي في التجارة والسياسات المالية والنقدية التوسعية، الأمر الذي ساهم في مواجهة ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتكاليف اللوجستية.
كما حققت المنطقة انتعاشا في أنشطة التصنيع، وتمكنت من زيادة إجمالي قيمة التجارة السلعية للرابطة بنسبة 25% في عام 2021، مقارنة بعام 2020.
صناعة قوية وقطاع مالي نشط
شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى رابطة أمم جنوب شرق آسيا انتعاشا قويا في عام 2021، حيث وصل إجماليها إلى 174 مليار دولار، بزيادة قدرها 42% عن عام 2020.
وكان المساهم الرئيسي هو الصناعة التحويلية، التي سجلت نموا بنسبة 134% في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 45 مليار دولار.
وظل القطاع المالي والتأمين أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، بقيمة 57 مليار دولار، بزيادة قدرها 22% عن عام 2020.
وكانت سنغافورة أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر بما يمثل حوالي 57% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا في عام 2021، تليها إندونيسيا (12%) وفيتنام (9%).
تنوع واسع
ومع ذلك، فإن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) متنوعة للغاية من حيث مستويات الدخل.
ففي حين أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للتكتل يبلغ 5024 دولارًا في عام 2021، فإن هناك بعض الدول الأعضاء التي تمنح مواطنيها مستوى منخفض من الدخل.
ويظهر هذا التفاوت مثلا بالنظر إلى أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ميانمار يبلغ 1314 دولارًا في حين يصل إلى 72400 دولار في سنغافورة.
آفاق النمو للخمسة الكبار
ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينمو اقتصاد دول (آسيان-5) التي تضم إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند بنسبة 5.2% في عام 2022 و4.3% في عام 2023.
وهذا متوسط أعلى بكثير من المتوسط البالغ 2.7% و1.2% على التوالي للاقتصادات المتقدمة.
مسار خاص بين القوى الكبرى
تقع منطقة جنوب شرق آسيا في المركز الجغرافي للصراع الأمريكي الصيني على النفوذ.
لكنها مع ذلك تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع بكين وواشنطن، بل وسارت على حبل دبلوماسي مشدود للحفاظ على ثقة العاصمتين.
والواقع أنه منذ تأسيسها في عام 1967 كانت دول الآسيان تبحث عن "طريق ثالث" يحميها من احتمال الخضوع لهيمنة القوى العظمى، ويعلي الإجماع الإقليمي والحوار والتعاون.
ومنذ تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كثيرا ما كان يُسمع زعماء جنوب شرق آسيا وهم يعبرون عن رغبتهم في تجنب الانحياز إلى أحد الجانبين.
aXA6IDMuMTM3LjE5OC4xNDMg جزيرة ام اند امز