وكانت حكومة شينزو آبي تتوافق تماما مع تبني إدارة أوباما لاتفاق التجارة الحرة عبر المحيط الهادي الذي اعتبرته طوكيو اتفاقا بالغ الأهمية.
الاستقبال الدافئ في اليابان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس بعيداً بالمرة عن نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، وليست مصادفة أيضا أن يكون رئيس الوزراء الياباني الأول، من بين رؤساء الدول والحكومات في العالم، الذي يزور دونالد ترامب بمجرد فوزه. فالقلق الياباني مما قد يحمله فوز ترامب لآسيا هو الدافع وراء الكثير من النشاط الياباني الحالي بما فيه تعزيز العلاقات مع روسيا.
فالمعروف أن اليابان تراقب بقلق بالغ الصعود المطرد للدور الصيني في محيطه الآسيوي. وليس خافيا أن اليابان كانت، طوال فترة حكم أوباما، تشعر بالارتياح تجاه تعزيز التواجد العسكري الأميركي في بحر الصين حتى يوازن الوجود العسكري الصيني المتنامي.
وكانت حكومة شينزو آبي تتوافق تماما مع تبني إدارة أوباما لاتفاق التجارة الحرة عبر المحيط الهادي الذي اعتبرته طوكيو اتفاقا بالغ الأهمية لأن من شأنه أن يحرم الصين من أن تكون صاحبة اليد العليا في التجارة في شرق آسيا.
لذلك راقبت اليابان بقلق واضح الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية والتي أكد فيها دونالد ترامب، أكثر من مرة رفضه المطلق لاتفاق التجارة الحرة عبر المحيط الهادي، والذي كان البرلمان الياباني قد صدق عليه مؤخرا.
وحين فاز ترامب، ارتفعت وتيرة القلق الياباني خصوصا مع تضارب التصريحات حول المعنى المقصود من وراء قبول ترامب اتصالاً هاتفياً من رئيسة تايوان. فمن ناحية، أكدت فيه مصادر قريبة من ترامب للصحف الأميركية أن تلقى الرئيس المنتخب للاتصال كان عمديا كوسيلة لتوصيل إشارة واضحة للصين بأن السياسة الأميركية تجاهها بصدد التغيير في عهد الإدارة الجديدة.
لكن من ناحية أخرى، أعطى ترامب نفسه الانطباع بأنه كان مجرد المتلقي في المحادثة التي جرت لا المبادر باتخاذ موقف جديد من تايوان، حين سخر الرئيس المنتخب ممن انتقدوا قبوله الاتصال قائلا انه لم يكن من الممكن رد من يجري اتصالا لتهنئته بالفوز.
وقد اعتبرت طوكيو أن ذلك التضارب يرفع من حدة التوتر الإقليمي والذي يستتبعه بالضرورة سعيا صينيا للمزيد من الهيمنة. والتوتر الأميركي الصيني من شأنه أن يزيد من القلق الياباني خصوصا في ضوء تصريحات ترامب أثناء الحملة الانتخابية والتي تعهد فيها بمطالبة حلفاء أميركا ومنهم اليابان التي ذكرها بالاسم بتحمل تكلفة الدفاع الأميركي عنهم.
الولايات المتحدة في عهد أوباما كانت قد فرضت عقوبات على روسيا بعد الأزمة الأوكرانية، وهي العقوبات الملزمة لليابان، كان من الصعب على حكومة آبي أن تبدي دفئا في استقبال بوتين لو أن الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية مثل امتدادا لإدارة أوباما مثل هيلاري كلينتون
صحيح أن القمة اليابانية الروسية التي انعقدت منذ أيام كان قد أعلن عن انعقادها منذ سبتمبر الماضي إلا أنه كان متوقعا أن يتم تصوير الزيارة كأنها تأتى في إطار المحادثات المستمرة.. لكن فوز ترامب الذي تعهد بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع روسيا رفع عن كاهل اليابان الإحراج الذي تمثله علاقات أكثر قوة مع روسيا التي تريد منها اليابان أن توازن الدور الصيني العسكري خصوصا حال رفض ترامب تقديم الحماية الأميركية للحلفاء كما توعد.
زيارة الرئيس الروسي لليابان هي الأولى من نوعها منذ 11 عاما. فالعلاقات اليابانية الروسية ظلت طوال السبعين عاما الماضية مشوبة بعدم الاستقرار ليس فقط بسبب وجود اليابان في المربع نفسه مع الولايات المتحدة وأوروبا، وإنما أساسا بسبب قضية الجزر الأربع اليابانية التي احتلها الاتحاد السوفيتي السابق بعيد الحرب العالمية الثانية ولم تستعدها اليابان حتى اليوم.
لكن تحولاً مهماً في موقف اليابان من استعادة الجزر قام على استعادة اثنتين منهما أعلنت روسيا استعدادها لإعادتهما، وإقامة مشروعات اقتصادية مشتركة في الاثنتين الأخريين وهو ما أدى لفتح محادثات جديدة في الأعوام الأخيرة.
إلا أن تلك المحادثات خصوصا على مستوى وزراء الخارجية والدفاع توقفت منذ عام 2014 بعد ضم روسيا لجزيرة القرم وما ترتب عليه من فرض القوى الغربية للعقوبات الاقتصادية على روسيا. لكن زيارة بوتين فتحت الباب أمام استئناف المحادثات حول الجزر.
لكن شينزو آبي يترك الباب مفتوحا أيضا أمام ترامب لإحداث استمرارية في الدور الأميركي في آسيا وفى العلاقة مع اليابان، ليس فقط بحرصه على أن يكون هو أول من يلتقي بترامب فور إعلان فوزه بالرئاسة، وإنما أيضا عبر زيارته المزمع إجراؤها بعد أيام لميناء بيرل هاربر. فالزيارة هي الأولى من نوعها في تاريخ اليابان واستكمالا لمساعي تضميد جروح الحرب بين البلدين التي بدأها أوباما بزيارة هيروشيما.
السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بما إذا كان فريق ترامب سيدخل فعلا في معركة مفتوحة مع الصين تفتح المجال لدور روسي أكبر لا يؤثر فقط على اليابان وإنما على مجمل الوضع الإقليمي في آسيا.
*نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة