الحرب ضد الإرهاب تختلف عن الحرب ضد الإرهابيين، فالإرهابيون أشخاص مصابون بداء الإرهاب.
الإرهاب طاقة سوداء مظلمة تستولي على عقول ضعاف النفوس، وتغسل أدمغتهم، فيتحولون إلى آلات قتل وتدمير، ويصبحون جنوداً مسخرين لقوى الظلام التي تستهدف كل شيء جميل في حياة البشر من أجل مخططاتهم الظلامية وأهدافهم الخفية. والإرهابيون أينما تواجدوا فهم طابور خامس، ووكلاء عن أي عدو يرغب في تدمير دولة أو شعب، ففي ظل وجود الإرهاب لن يحتاج العدو إلى توجيه ضربات لغرمائه تجعله يهدر جزءاً من عدته وعتاده، بل يكفيه أن يدعم الإرهاب، ويصنع الإرهابيين من خلف الكواليس وفي الدهاليز ويطلقهم كالكلاب المسعورة ليعيثوا في دنيا الناس إفساداً. وبدلاً من أن يرمي العدو قنبلة من خزانة أسلحته يكفي أن يدعم عقلاً إرهابياً واحداً ينوب عنه، ويصبح هذا الإرهابي أكثر حقداً وأشد رغبة في البطش والمساس بالأمن العام من الأعداء الخارجيين.
إن الإرهاب من أكبر العوائق أمام التنمية البشرية، وفي أي مكان يتواجد الإرهاب فلا بد أن تتواجد معه الكوارث الإنسانية المؤلمة. والإرهابيون هدفهم السلطة والوصول لأطماعهم واستعباد البشرية والعمل على إرضاخ السلطات في الدول لتنحني لمصالحهم الدنيئة. ومن الإرهاب خلق الإرهابيون، الذين توشحوا رداء الإرهاب المظلم، وعملوا على إطفاء كل شمعة مضيئة، فهم صناع الظلام وأعداء النور، فوجب محاربة الإرهاب والإرهابيين.
والحرب ضد الإرهاب تختلف عن الحرب ضد الإرهابيين، فالإرهابيون أشخاص مصابون بداء الإرهاب، يتم ملاحقتهم عبر القوانين التي تجرم الإرهاب، كما يتم كذلك إحباط مخططاتهم عبر العمليات الاستباقية من قبل الأجهزة المختصة بذلك، وأما الإرهاب نفسه فهو شيء أخطر وأكبر، وهو الفيروسات التي تنتشر لتقتل الضمير الإنساني، وتحول الإنسان من كائن وديع إلى مسخ وضيع، غاية مناه إرواء نهمه للدماء. وهذه الفيروسات قد تكون أفكاراً مسمومة أو مشاعر مظلمة أو بؤر صراع توفر حواضن لتفريخ الإرهاب أو ظروف حياة قاسية من القهر والظلم والجوع والتشريد وهدر الكرامة والحقوق، وطالما أن هذه الفيروسات تحوم في البيئة الإنسانية فإن خطر الإرهاب لن يزول بزوال الإرهابيين كأشخاص، فقد تجد هذه الفيروسات أجساداً بشرية أخرى تغزوها فتصنع لنا إرهابيين من جديد، في دوامة لن تنتهي إلا بالقضاء على فيروسات الإرهاب نفسها. ومكافحة هذه الفيروسات ليست قضية سهلة، بل تحتاج من المجتمع الدولي إلى إيمان حقيقي بمكافحة الأسباب التي تولد الإرهاب، وإلى جهود صادقة مكثفة في هذا المضمار وعلى كافة المستويات.
رأينا منذ بدايات القرن الحالي كيف شنت بعض الدول الكبرى الحرب بزعم مقاومة الإرهاب، وبهذه الحجة احتلت دولاً وشردت شعوباً وهدمت جيوشاً، وفي المقابل أهملت الحرب ضد الإرهاب، بل كانت الصراعات التي تشعلها بدعوى محاربة الإرهابيين ونزع أسلحة الدمار الشامل إحدى أخطر الفيروسات التي صنعت لنا إرهابيين. واستفادت قوى الشر من هذه الحروب في بيع الأسلحة وجني الأموال والتلاعب بمقدرات الشعوب، وأما الإرهاب فقد تزايد وتنامى في السنوات التي تلت هذه الحروب، وأصبحت هذه الحروب أحد أخطر الروافد الفكرية لاستقطاب المجندين في أدبيات الإرهابيين المتطرفين، وأصبح غطاء يستخدمونه ليضيفوا إلى جرائمهم طابعاً نضالياً زائفاً، ولكن هذا الزيف كاف لخداع ذوي العقول الصغيرة من أتباع التنظيمات الإرهابية.
لا يختلف أحد حول أهمية تطهير الأرض من الإرهابيين بالعمليات الأمنية والعسكرية والقانونية، ولكن يجب أن يكون ذلك في خط مواز مع مكافحة الإرهاب نفسه. ومن واجب المجتمع الدولي ألا يكتفي بمكافحة الإرهابيين، بل يتصدى لكل ما من شأنه أن يشعل حرائق الإرهاب، وما تشهده سوريا اليوم من حرب مستعرة عبر أطراف داخلية وخارجية لهو من أكبر أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، وما جرى في أفغانستان في القرن الماضي من حرب كمثل هذه الحرب أكبر شاهد على ذلك، وكذلك الحروب التي جرت في البوسنة والهرسك وغيرها، وكثير من الإرهابيين المتواجدين اليوم في العراق وسوريا هم إفرازات لتلك الحروب، وسيعيد التاريخ نفسه إن لم يتدارك العالم اليوم ما يجري في سوريا، وقد تتحول سوريا لا قدر الله إلى أفغانستان أخرى إذا طال أمد الصراع، ما يعني زيادة مخاطر الإرهاب.
مخاض عسر يمر به العالم اليوم، يحتم على المجتمع الدولي أن يكون على مستوى المشكلات التي تواجه البشرية، وإذا لم تجتمع الإرادة السياسية للدول الكبرى التي هي أطراف رئيسية في النزاع السوري للعمل على وقف نزيف الدم وتحقيق السلام وتغيير دفة الأحداث إلى التوافق السياسي فإن السلام لن يستتب في المنطقة، والإرهاب لن ينتهي ويزول، لأن الإرهاب يتغذى على الحروب والصراعات.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة