إن قمة رواد التواصل الاجتماعي، باتت لقاء المراجعة السنوي لما تم خلال عام مضى،
شهدت وسائل الاتصال على مدار تاريخها، الكثير من التجاذبات، واختلفت الآراء حولها بين الذي يرى فيها قوى قادرة على التأثير والإقناع، وأن لها فعل السحر في من يتعرض إليها، ومن من يرى أن هناك مؤثرات أخرى أشد منها، وأنها وإن كانت لها القدرة على التأثير.
فقد يكون ذلك في نشر الأفكار، أما التأثير للدرجة التي يتم معها تبني رأي أو اتخاذ سلوك، فهنا يكون النموذج المتمثل في الصديق أو القريب أو الأسرة، أو التأثير الفردي يكون له التأثير الأعظم.
بقي ذلك الحديث لفترات طويلة في التفريق بين أشكال الاتصال وتأثيراتها، وفي ظل هذا التجاذب والاختلاف، ظهرت وسائل جديدة للتواصل، تجمع بين أكثر من شكل من أشكال الاتصال، وإن شئت الدقة، تأخذ بمميزات كل واحد منها، وأنتج النموذج الجديد تأثيرات جديدة، وبات له جمهور يرتاده.
كما أحاطت ممارسته الكثير من الإشكاليات التي كان لا بد لها من ترشيد بالشكل الذي يجعل منه أداة للبناء ووسيلة للتواصل بمعناه البناء، من هنا، جاءت أهمية إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب، لتكون بمثابة الحدث الأول من نوعه، والأكبر في المنطقة، للمؤثرين في قنوات التواصل الاجتماعي.
حيث توفر لهم القمة، عدة منصات لاستعراض أبرز التجارب والمشاريع والأفكار والمواهب في مجال التواصل الاجتماعي، كما تعتبر القمة، الحدث الأمثل لإطلاع المهتمين بمجال التواصل الاجتماعي، على أبرز الممارسات الناجحة في هذا المجال، وفرصة لتوظيف التواصل الإيجابي باستخدام هذه الوسائل، وهي في ذاتها فرصة للتواصل.
ولكن هذه المرة بين الفاعلين في المجال ذاته، القائمين بصناعة الرسالة عبر تلك الوسائل، والذين يؤثرون أكثر من كونهم يتأثرون، باعتبار ما يبثونه من الموجهات المهمة للرأي العام، وبخاصة قطاع الشباب، الذي زهدت شريحة كبيرة منهم في الوسائل التقليدية، مستعيضة عنها بوسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت مصدراً مهماً لحصولهم على المعلومات، أو تبنيهم لرأي أو قضية، وما نجم عن ذلك من إشكاليات ترتبط بمصداقية ما يبث عبر وسائل التواصل، والمسؤولية والوعي الاجتماعي للقائمين عليها والفاعلين فيها.
ولا شك أن الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة لتلك القمة، يأتي انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وأمتنا العربية، وإدراك أهمية إضافة رافد جديد يمكن الاستفادة منه كقيمة نوعية متراكمة، يمكن بها أن تكون أداة فاعلة في البناء لا الهدم، وفي تنمية الوعي وليس تغييب الفكر.
وفي بث الحقائق وليس تزييفها، ويأتي ذلك عبر إلقاء الضوء على التجارة الناجحة والناجعة في الاستخدام الإيجابي لتلك الوسائل، بما يعني أن يكون لجمهورها دور فاعل مبادر في توجيه دفة التعامل معها للفعل الإيجابي، الذي يعود بالخير عليهم والمتابعين لهم، حين تتعاظم مسؤولية الكلمة وخطورتها.
والانتقال بها ومعها إلى تسخيرها كوسيلة من وسائل مواجهة الكثير من العقبات أو المشكلات التي تواجه الشباب، مثل توفير فرص العمل أو المشروعات الصغيرة أو إطلاق المبادرات الإيجابية لمواجهة بعض من الأمراض الاجتماعية، مثل المخدرات، وكذلك نشر القيم الإنسانية البناءة، التي تساعد في زيادة لُحمة أفراد المجتمع.
إن قمة رواد التواصل الاجتماعي، باتت لقاء المراجعة السنوي لما تم خلال عام مضى، ووضع مرتكزات يمكن من خلالها الانطلاق في العام التالي، تلك الوقفة السنوية، تعد نقطة مفصلية في عملية الممارسة.
والتي لا تتضح آثارها في اللحظة ذاتها، كما أن العالم الذي تتطور وسائل التواصل فيه بصورة مذهلة، يجب أن يكون وتيرة التعامل مع تلك الوسائل وترشيدها على نفس المستوى، حتى يمكن وضع مسارات التوجه، كمن يضع لمياه الفيضان مسارات وقنوات للسير، لكي تتحول من خطر يهدد الزرع والضرع والإنسان، إلى أداة للنماء والخير. الحدث واحد، لكن حركة الإنسان واستعداده له هي التي تحدد آثاره، تلك هي المعادلة التي تسعى القيادة الرشيدة إلى تحقيقها من ذلك التجمع الإنساني لرواد التواصل الاجتماعي وأصحاب التأثير.
كما أنها في الوقت ذاته، تعتبر قمة كاشفة لما يفكر فيه الشباب، عبر منحهم فرصة التعبير عن أفكارهم، وكذلك كاشفة لجمهور تلك الوسائل ذاتها، عبر إلقاء الضوء على التجارب الجامعة لهم، كما أنها طوق النجاة من أن تكون أسيرة ومختطفة بين يدي أصحاب الأفكار الهدامة والنعرات الطائفية والمغرضين ومروجي الشائعات والأكاذيب.
لذا، من الأهمية بمكان، أن يتلوها حلقات وندوات ولقاءات توعوية، تتبناها الجمعيات الأهلية والمؤسسات التعليمية، حول سبل الاستخدام الأمثل لتلك الوسائل، منطلقة مما خلصت إليه جلساتها. إنها قمة فكرية معنية بنشر الفكر البناء، عبر وسائل يمكن أن نطلق عليها التواصل للبناء الاجتماعي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة