مما يستحق الإشادة فى القانون المصرى أنه طالب بتشكيل لجنة تضع قائمة بمن يستحق زراعة الأعضاء بحسب الأولوية.
انتشر أخيرا خبر عن جريمة أثارت قلق الرأى العام واستهجانه، وهى جريمة سرقة أعضاء من بشر أحياء واستخدامها فى عمليات جراحية لمرضى من الأغنياء مصريين وأجانب. ارتكاب الجرائم ظاهرة مرتبطة بالمجتمعات البشرية، ولكن هذه الجريمة مفزعة بوجه خاص لأسباب عدة: فهى ليست جريمة ارتكبها شخص منحرف أو موتور بل جريمة قامت بها شبكة من الفاعلين المتعددين، من الوسطاء أو الخاطفين وأطباء التخدير والجراحين والممولين والكثير منهم يعرف أنه يقوم بعمل يجرمه القانون. كما أن الضحية فيها تكون إما شخصا قد اختطف غيلة وقتل وبيعت أعضاؤه وإما مريضا سرقت من جسمه أعضاء فى أثناء إحدى العمليات الجراحية، وإما فقيرا اضطر تحت ضغط الحاجة إلى أن يبيع أحد أعضائه مقابل مبلغ من المال. زراعة الأعضاء تقدم هائل فى تاريخ الطب فقد سمح بإنقاذ كثيرين كان الموت يتهددهم. وكان التقدم يتمثل فى إمكانية نقل أعضاء من الموتى إلى الأحياء. ولكننا فى مصر، منذ البداية، رفضنا أن نقترب من أى جثة وسمحنا فقط بالنقل من المتبرعين الأحياء. وكان الرفض المساس بالجثة يقوم على حجة أن الجثة ملك الله، وبالتالى لا يجوز الاقتراب منها. رغم أنه من حيث المبدأ كل مافى الكون ملك الله، وهذا لم يمنع الإنسان من التصرف فيه بالانتفاع والملكية والهبة والنقل. وفيما يبدو أن هذا التحفظ المصرى هو وريث التقديس الفرعونى للجثة لأن أغلب البلاد الإسلامية ومن بينها السعودية لم تجد أى غضاضة فى نقل الأعضاء من الموتى إلى الأحياء. المشكلة عندنا فى مصر أن هناك شبه إجماع من رجال الدين على رفض نقل الأعضاء من الموتي. وكان شيخ الأزهر السابق فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى قد صرح بأنه يوافق على نقل الأعضاء وأعلن أنه يجعل من جسده صدقة جارية ينتفع بها الناس من بعده. وما إن صدر هذا التصريح حتى هبت عديد من المؤسسات الدينية لإنكار ما قال أو دعت إلى اعتباره رأيا شخصيا لا يرقى إلى مستوى الفتوي. وفى البرلمان المنتخب عام 2005 شن النواب من الإخوان المسلمين حرباً شعواء لمنع صدور قانون زراعة الأعضاء من الموتى ووقفوا ضده بكل الوسائل . كان الوضع مأساوياً، فكل منا يعرف أصدقاء أو أقارب أو زملاء سافروا إلى الخارج ودفعوا أموالاً طائلة لإجراء جراحة زرع أعضاء. والمحصلة القاسية لهذا الوضع هو أن الأغنياء فقط هم الذين يتمتعون بهذه الإمكانية فى إطالة العمر أما الفقراء فليس أمامهم إلا أن يموتوا كمداً وليس أمام ذويهم سوى معاناة اليأس والإحباط بسبب قلة الحيلة. وفجأة فى فبراير 2010 وفى غمار كل هذا اللغط صدر من مجلس الشعب قانون رقم 5 المعروف بقانون زراعة الأعضاء. يقول القانون فى مادة 14: «الا يجوز نقل أى عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسد ميت إلا بعد ثبوت الموت ثبوتاً يقينياً، تستحيل بعده عودته إلى الحياة، ويكون إثبات ذلك بموجب قرار يصدر بإجماع الآراء فى لجنة ثلاثية من الأطباء المتخصصين. وهكذا فالقانون يقر لأول مرة فى مصر بإمكانية نقل الأعضاء من الموتي. وهو ما يعنى تبنى تعريف الموت بأنه موت جذع المخ. الاستفادة بأعضاء من جسد ميت يطرح إشكالاً قانونياً: الجثة ملك من؟ هل هى ملك الورثة أم ملك الدولة، ويتجه التشريع إلى اعتبار الجثة ملك صاحبها، يقرر مصيرها فى حياته. فمثلاً فى الولايات المتحدة تم فتح مراكز يسجل فيها الشخص اسمه فى سجل المتبرعين بأعضائهم بعد الموت، ويأخذ بطاقة يضعها فى جيبه تفيد بذلك فى حالة تعرضه لأى حادث، أما فى فرنسا فقد اتجه التشريع إلى اعتبار الأفراد متبرعين تلقائياً، ومن لا يريد عليه أن يخبر السلطات بعدم رغبته فى التبرع.
ومما يستحق الإشادة فى القانون المصرى أنه طالب بتشكيل لجنة تضع قائمة بمن يستحق زراعة الأعضاء بحسب الأولوية، فالطفل أولى من الشيخ ومن يعول أحق من الأعزب، ويؤخذ فى الاعتبار أسبقية تقديم الطلب أو درجة الحرج فى الحالة ولا يؤخذ بأى حال فى الاعتبار القدرة المادية. ومن المعروف أن تكلفة العملية مرتفعة، ويُلزم القانون الدولة بدفع مصاريف عمليات المرضى الفقراء.
بعد صدور هذا القانون شعرنا بأن هناك انفراجة قد حدثت وأن هناك مواكبة لما أقرته باقى الأمم وأن هناك إعفاء للأحياء من التبرع بأعضائهم أو بيعها. ولكن هذا القانون للأسف حتى الآن لم يتم تفعيله لأنه ينتظر صدور اللائحة التنفيذية، رغم أن المادة 27 من القانون تقول: «تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون بقرار من مجلس الوزراء خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به . مازلنا نتخبط فى تفعيل هذا القانون الذى من شأنه أن يخرج زراعة الأعضاء من منطق الإتجار إلى منطق التضامن الإنساني، والذى يمكنه أن يضع حداً لمثل هذه الجرائم البشعة» .
* نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة