على الجانب الآخر يشهد العالم تحركا غير معهود من حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، ولنتجاوز العرب منهم ونذهب شرقا.
مما لا شك فيه أن فترتي أوباما أنهتا فكرة القطب الأوحد للعالم التي تشكلت مع تفكك الاتحاد السوفييتي، وعلى أقل تقدير يمكن القول إن فكرة سيطرة القطب الأوحد أصبحت أضعف من ذي قبل، وهذا نابع من رؤية إدارة أوباما لتكلفة بقاء الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد عسكريا واقتصاديا، ومحاولة تحقيق الاستفادة الأمثل من مغامرات الدول المنافسة، واعتبار مغامرات دول مثل روسيا في سورية ستكون كفيلة بوقوعها في مستنقع يعيدها لحجمها الطبيعي.
على الجانب الآخر يشهد العالم تحركا غير معهود من حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، ولنتجاوز العرب منهم ونذهب شرقا
على سبيل المثال، حيث الفلبين التي أساء رئيسها بكلمات نابية للرئيس أوباما سابقا، الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي قال في مؤتمر صحفي مخاطبا الولايات المتحدة: «لا نحتاج إليكم، استعدوا للرحيل عن الفلبين، استعدوا للإلغاء الحتمي للاتفاق العسكري». متحدثا عن الاتفاق العسكري الذي سمح للقوات الأمريكية بالانتشار ونشر العتاد العسكري على الأراضي الفلبينية.
الرئيس الفلبيني أضاف في خطابه للولايات المتحدة: «لا نحتاج أموالكم. الصين قالت إنها ستزودنا بالكثير من الأموال. السياسة في جنوب شرق آسيا تتغير»، وهذا الأمر يتجاوز البحث عن حليف بديل، إلى دفع الصين دفعا للتعاطي مع القضايا السياسية، وهي التي سعت دوما للبحث عن صفقات اقتصادية بخطوات حذرة تتجنب الألغام السياسية.
في الشرق أيضا استقبل رئيس وزراء اليابان شينزو آبي الرئيس فيلاديمير بوتين، في محاولة لحل أزمة الجزر الأربع عشرة وأبرزها كوناشير، آيتوروبو، وشيكوتان، هابوماي، وهي الأزمة التي نشبت بين البلدين منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يوقع البلدان اتفاق سلام حتى اليوم ينهي أزمة جزر الكوريل، اليابان حليف تقليدي للولايات المتحدة أيضا، ولروسيا واليابان مصالح اقتصادية مشتركة، لكن روسيا لا تتناول الاقتصاد كوجبة منفردة، وقد عنونت بعض المواقع التابعة لإيران الزيارة بـ«اتفاق مشترك حول ملف سورية وأوكرانيا».
هذه التغيرات لا تعني أبدا تراجع أهمية أمريكا، لكنها تعني ثقل أمريكا حين تقرر الغياب عن ملف أو عن رقعة جغرافية، وكيف تتحرك الدول لملء هذا الفراغ بتحالفات بديلة، وبتمدد عسكري أو اقتصادي في حالات أخرى، اليوم نحن في مرحلة الترقب من قدوم ترمب، وعدم وجود وضوح في رؤيته لبعض الملفات الإقليمية، لكن الراسخ أنه معه غالبية جمهورية في المجلسين ستجعل له يدا ضاربة في الملفات التي يطرحها.
وفي فترة الترقب تتحرك إيران وجلا من إلغاء الاتفاق النووي، خصوصا مع تمديد الكونغرس لعقوبات إيران لمدة عشر سنوات إضافية، التحرك الإيراني برز عبر قيام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بجولة آسيوية في بداية شهر ديسمبر 2016، شملت كلا من الصين والهند واليابان، وهي الجولة التي أدلى خلالها بتصريحه البارز حول احتمال اتجاه إيران إلى تعليق العمل بالاتفاق النووي في حالة إقرار الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما للعقوبات التي مددها الكونجرس الأمريكي في الفترة الأخيرة.
وفي قراءة لهذا الملف قدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، أن اللافت في الدراسة أن ظريف اصطحب في جولته الآسيوية رؤساء 38 شركة رئيسية تابعة لغرفة التجارة الإيرانية، و15 شركة معلومات، و8 بنوك إيرانية، بالإضافة إلى بعض المسؤولين في القطاعات الصناعية والتجارية والعلمية. ومن هنا يمكن القول إن إيران سعت من خلال تلك الجولة إلى تحقيق أهداف اقتصادية عديدة.
لكن إيران يهمها أكثر أن لا تنجذب تلك الدول وخصوصا الصين صاحبة حق الفيتو، إلى وجهات نظر أقرب للسعودية في ملفات الخلاف مثل سورية، وهذا يفسر محاولة صنع فرحة باهتة في حلب، وما استدعاء قاسم سليماني للمشي على الأنقاض إلا دلالة على فشل إيران في تخريج نجوم جدد، لكن ذلك يشير إلى حاجة الجمهور الإيراني لأي انتصار معنوي، خصوصا مع خطورة إسقاط الاتفاق النووي على النظام شعبيا.
كما أن العالم يتغير على مستوى التحالفات وعلى مستوى الملفات ذات الأهمية، لكن ما يسبق التحالفات سيكون قوة الدول عسكريا واقتصاديا، خصوصا في منطقة مثل الشرق الأوسط ينفخ فيها التقسيم الإثني والطائفي نفخا، لا لخدمة أحد إلا إسرائيل والتي قد تحتفي مع قدوم ترمب بوأد حل الدولتين، ولسان حالها: من سيلتفت لنا لو هودنا القدس وملأنا الضفة مستوطنات وحاصرنا غزة حتى الموت، فسنبقى ملائكة مقارنة بما حدث في حلب.
*نقلا عن عكاظ
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة