التحول الآسيوي الأخضر.. كيف سيغيّر العالم في العقد المقبل؟
يتمتع الاقتصاد الأخضر في آسيا بموقع فريد يُمكّنه من تحويل العالم في العقد المقبل؛ وذلك بشرط تعاون أصحاب المصلحة، بمن فيهم الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني؛ لتعزيز السياسات والممارسات المستدامة للتخفيف من المخاطر البيئية وتحسين وصول الخدمات الأساسية.
ومن هذا المنطلق، سيتطلب ذلك التحول استخدام التقنيات والابتكارات، مثل تطوير الزراعة الذكية مناخيًا، للمساعدة في التحول نحو النظم الزراعية والغذائية الأكثر مرونة واستدامة وإنتاجية، بحسب ما ذكره المنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي 27 مارس/آذار 2023، تم إطلاق تقرير "بوصلة تغيير النظام الدولي" في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في باريس، الذي قدم تحليلات وتوصيات تهدف إلى أن تكون بمثابة دليل عملي لواضعي السياسات، حول كيفية تنفيذ طموحات الصفقة الأوروبية الخضراء في نطاق عالمي.
وقبل شهر أيضًا، تم الاتفاق على اتفاقية أعالي البحار، والتي تُعّدُ إنجازًا لكل من الكوكب ومحيطاته. على الرغم من هذه المبادرات، لا يزال هناك شعور بالإلحاح للعمل من أجل الكوكب.
كما أنه في 22 مارس/آذار 2023، نظمت الشبكة الآسيوية بالاشتراك مع معهد البحوث الاقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا وشرق آسيا مؤتمرًا رفيع المستوى عبر الإنترنت حول "الابتكار من أجل مستقبل أكثر اخضرارًا في آسيا"، بحضور 19 خبيرًا من آسيا وأوروبا لتبادل خبراتهم حول مستقبل البيئة والعمل المناخي والتكنولوجيا من أجل الصالح الاجتماعي.
- قارة بأكملها.. إلى أين تتجه بوصلة الاستثمار الأخضر؟
- تحت شعار "استثمار.. استدامة.. نمو".. انطلاق منتدى "اصنع في الإمارات" نهاية مايو 2023
وهناك ركائز رئيسية لتحول العالم خلال العقد المقبل، والتي تتضمن قيادة آسيا، وقيادة الأعمال والفرص لجعل كوكب الأرض أكثر خضرة.
قيادة آسيا
كانت آسيا رائدة على عدة جبهات، في التكنولوجيا والحلول القائمة على الطبيعة والمدن الذكية، ويتمثل السبب الرئيس لتلك الريادة في: دعم بنوك التنمية الإقليمية مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) وبنك التنمية الآسيوي (ADB)؛ حيث يعتبر هذا الدعم المالي أمرًا بالغ الأهمية، فقد تحتاج دول جنوب شرق آسيا إلى 210 مليارات دولار من الاستثمارات السنوية في مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق أهدافها المناخية وفقًا لرويترز.
وعلى صعيد ذلك، قدم الرئيس الصيني "شي جين بينغ" ثلاثة وعود رئيسية نيابة عن الصين خلال العامين الماضيين. وهي أولًا، ستبلغ الصين ذروتها في انبعاثات الكربون قبل عام 2030، ثانيًّا، ستكون الصين محايدة للكربون قبل عام 2060، ثالثًا، ستزرع الصين مساحات خضراء بحجم بلجيكا كل عام من الآن وحتى عام 2030.
وفي الوقت نفسه، بدأت الحكومة الهندية في تنفيذ استراتيجية التنمية طويلة الأجل للهند منخفضة الكربون، والتي تتضمن تقليل الطلب على الوقود وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال تحسين كفاءة الوقود، والانتقال إلى مسار منخفض الانبعاثات ليصبح محايدًا للكربون بحلول عام 2070.
قيادة الأعمال
تتنافس كلُ من هونغ كونغ وسنغافورة على أن تصبح إحداهما المركز المالي لآسيا؛ حيث تتحول ساحة المعركة هذه الآن إلى الفضاء البيئي والاجتماعي والحوكمة (ESG)، مع وجود تريليونات الدولارات على المحك من السندات الخضراء إلى تجارة الكربون، وكلتا المدينتين في وضع جيد للعمل كقاعدة إقليمية للتمويل المستدام مع الحكومات والشركات التي تزيد من الاستثمارات في مكافحة تغير المناخ.
كما تُجدر الإشارة إلى أن الصفقة الخضراء لآسيا والمحيط الهادئ للأعمال، هي مبادرة من شبكة الأعمال المستدامة التابعة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ (ESCAP)، التي تدعو إلى قيادة الأعمال في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
بالنسبة للشركات ومستقبل أكثر استدامة، يجب أن تُبنى الأساسيات على تلك الركائز: الجدوى الاقتصادية، حماية البيئة، والمساواة الاجتماعية، بغض النظر عن حجم العمل.
فضلًا عن أن البيئة التنظيمية مهمة أيضًا؛ حيث تُحدد لائحة تصنيف اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، نظام تصنيف يوفر للشركات لغة مشتركة؛ لتحديد ما إذا كان ينبغي اعتبار نشاط اقتصادي معين "مستدامًا بيئيًا".
فرص لجعل الكوكب أكثر اخضرارًا
- فهم المخاطر المترابطة: التخفيف والتكيف
قد يؤثر ارتفاع منسوب المياه في نهر ميكونج (حنوب شرق آسيا) على الفئات المهمشة مثل النساء والصيادين والقرويين، وكذلك المزارعون في كمبوديا وفيتنام وتايلاند ولاوس. ومن خلال جمع البيانات وإدارتها من تلك المجتمعات، يُمكن توقع تلك المخاطر والتخفيف منها، بحسب ما ذكره المنتدى الاقتصادي العالمي
كما ستؤثر موجات الجفاف والفيضانات والطقس القاسي على الهجرة؛ بسبب النزوح القسري ومن خلال تعريض الأمن الغذائي المحلي للخطر. وبالتالي فقد تشكل كل من المياه والغذاء والطاقة حلقة الوصل في صميم التنمية المستدامة.
هذا، ويمكن للبلدان أن تتكيف وتتعلم من أفضل الممارسات لتعزيز قدراتها وتنفيذ الالتزامات المناخية.
- أهمية الموازنة بين الابتكار والتكنولوجيا الشاملة
تعد تقنيات الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الحيوية، ذات أهمية متزايدة للضغط من أجل التعافي الأخضر. هذا، وسوف يُساهم تعزيز النقل المستدام، وتشجيع التمويل الأخضر، وزيادة الوعي حول حلول الغذاء والمياه والطاقة في بيئة أكثر اخضرارًا.
- خطوة استباقية وتحول في النموذج: معًا
يجب أن تتعاون الحكومات والشركات والمجتمع المدني في تعزيز السياسات والممارسات المستدامة للتخفيف من المخاطر البيئية. وحسب ما ذكره "السير ديفيد أتينبورو"، "الحقيقة هي أن العالم الطبيعي يتغير، ونحن نعتمد كليًا على هذا العالم؛ حيث يوفر لنا طعاما وماء وهواء، فهو أغلى ما نملكه ونحن بحاجة للدفاع عنه".
استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء
في عام 2012، أطلقت دولة الإمارات استراتيجيتها للتنمية الخضراء، وهي مبادرة وطنية طويلة المدى لبناء اقتصاد أخضر في الدولة تحت شعار "اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة"، تهدف من خلالها أن تكون دولة الإمارات رائداً عالمياً في هذا المجال ومركزاً لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء، إضافة إلى الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نمواً اقتصادياً طويل المدى.
تشمل المبادرة مجموعة من البرامج والسياسات في مجالات الطاقة والزراعة والاستثمار والنقل المستدام، إضافة إلى سياسات بيئية وعمرانية جديدة تهدف لرفع جودة الحياة في الدولة.
كما تشمل المبادرة ستة مسارات رئيسية تغطي مجموعة كبيرة من التشريعات والسياسات والبرامج والمشاريع:
المسار الأول: الطاقة الخضراء، وهي مجموعة من البرامج والسياسات الهادفة لتعزيز إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة والتقنيات المتعلقة بها، بالإضافة لتشجيع استخدام الوقود النظيف لإنتاج الطاقة والعمل على تطوير معايير وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعين الحكومي والخاص.
المسار الثاني: يشمل السياسات الحكومية والهادفة لتشجيع الاستثمارات في مجالات الاقتصاد الأخضر، وتسهيل عمليات إنتاج واستيراد وتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء، بالإضافة للعمل على خلق فرص العمل للمواطنين في هذه المجالات وتجهيز الكوادر الوطنية في هذا المجال.
المسار الثالث: يأتي تحت عنوان المدينة الخضراء، ويشمل مجموعة من سياسات التخطيط العمراني الهادفة للحفاظ على البيئة، ورفع كفاءة المساكن والمباني بيئيا، وتشجيع وسائل النقل الصديقة للبيئة أو ما يسمى بالنقل المستدام، بالإضافة لبرامج تهدف لتنقية الهواء الداخلي للمدن في دولة الإمارات لتوفير بيئة صحية للجميع.
المسار الرابع: التعامل مع آثار التغير المناخي، وذلك عبر سياسات وبرامج تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية من المنشآت الصناعية والتجارية، بالإضافة لتشجيع الزراعة العضوية عن طريق مجموعة من الحوافز على المستويين الاتحادي والمحلي.
المسار الخامس: الحياة الخضراء، ويشمل مجموعة من السياسات والبرامج الهادفة لترشيد استخدام موارد الماء والكهرباء والموارد الطبيعية، بالإضافة لمشاريع إعادة تدوير المخلفات الناتجة عن الاستخدامات التجارية أو الفردية. كما يحوي هذا المسار على مبادرات التوعية والتعليم البيئي للجمهور.
المسار السادس: التكنولوجيا والتقنية الخضراء، وسيركز هذا المسار في مرحلته الأولى على تقنيات التقاط وتخزين الكربون، بالإضافة لتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة.