الرصاص يسبق صناديق الاقتراع.. مقتل «المشهداني» يربك انتخابات العراق

سلط مقتل المرشح صفاء المشهداني الضوء على مسار الانتخابات المرتقبة في العراق، وسط تساؤلات حول انعكاسات الحادث على أجواء المنافسة السياسية وثقة الشارع بالعملية الانتخابية.
الحادث الذي جاء في لحظة انتخابية حساسة وضع الدولة أمام امتحان مزدوج بين بسط الأمن وحماية العملية الديمقراطية والانتخابات التي تجري في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
وأجمع خبراء ومحللون لـ«العين الإخبارية» على أن «الجريمة تحمل رسائل مقلقة بشأن تداخل السلاح بالسياسة، وتهدد استقرار النظام وتكشف حدود قدرة الحكومة على فرض هيبتها في مواجهة محاولات الفوضى والتصعيد».
والمشهداني كان مرشحا عن بغداد ضمن "تحالف سيادة" الذي يعد من أكبر التحالفات السنية العراقية التي تخوض الانتخابات والذي يتزعمه خميس الخنجر ورئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني.
- انتخابات البرلمان و«ألغام التحديات».. العراق أمام «اختبار مفصلي»
- العراق.. مقتل مرشح للانتخابات البرلمانية بانفجار عبوة ناسفة
وبينما تتعدد الروايات حول خلفيات الجريمة بين الدوافع السياسية والجنائية، تتفق التحليلات على أن الحادث يسلّط الضوء على هشاشة المشهد الانتخابي، واتساع فجوة الثقة في موسم انتخابي يزداد توتراً كل يوم.
جريمة تكشف «الفوضى السياسية»
وفي هذا الإطار أكد الدبلوماسي العراقي السابق والمحلل السياسي الدكتور غازي الفيصل في حديثه لـ«العين الإخبارية» أن «مقتل المشهداني يمثل ظاهرة خطيرة تُضاف إلى سلسلة الأزمات التي يعاني منها النظام السياسي العراقي».
ووصف الفيصل الحادث بأنه «جريمة سياسية نكراء وانتهاك صريح للدستور والقانون والنظام العام».
وقال الفيصل إن «هذه الجريمة غير المبررة قد تُفضي إلى مواجهات وتصعيد للعنف بين القوى السياسية، إذا لم يتحرك القضاء بسرعة وحزم لتحقيق العدالة وإنصاف الضحية».
وأضاف أن «ترك الأمور تسير في أجواء من الفوضى السياسية والانفلات يفاقم الأزمة ويُعمّق الصراعات غير المجدية بين الأحزاب على المكاسب والنفوذ والمصالح»، مشيراً إلى أن مثل هذه الممارسات «تهدد السلم الأهلي وتقوّض ثقة المواطنين بالعملية السياسية».
ودعا الفيصل إلى دور حاسم للقضاء والمدعي العام في التحقيق بدوافع وتفاصيل هذه الجريمة السياسية، ومحاسبة المتورطين فيها، مؤكداً ضرورة أن يلعب النظام السياسي دوراً فاعلاً في ضبط العلاقات بين الأحزاب والمرشحين، ومنع انزلاقها إلى مستوى الانتقام أو الاغتيال السياسي.
واختتم الفيصل حديثه بالقول إن مواجهة مثل هذه الجرائم تتطلب «إرادة سياسية حقيقية وإصلاحاً مؤسسياً شاملاً لضمان سيادة القانون وحماية الديمقراطية من عبث السلاح والفوضى الحزبية».
«اغتيال» سياسي أم تصفية جنائية؟
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور علاء مصطفى إن «اغتيال المشهداني شكّل صدمة كبيرة وكارثة حقيقية» في هذا التوقيت الحرج الذي تمرّ به البلاد، مشيراً إلى أن الحادث يطرح تساؤلات مهمة حول طبيعته: «هل هو جريمة جنائية أم عمل إرهابي منظم؟».
وأوضح مصطفى لـ«العين الإخبارية» أن «الموقف يتطلب تحركا سريعا وجادا من الحكومة، مؤكدا أنه في حال لم تكن الجريمة ذات طابع جنائي، فإن تركها دون رد حاسم قد يشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار البلاد».
ودعا إلى إرسال فرق تحقيق خاصة ومؤهلة من الحكومة المركزية للوصول إلى الحقائق وكشف هوية الجناة.
ورجح مصطفى أن تكون الجريمة ذات خلفية جنائية، مشيراً إلى أن المشهداني كانت قد تصدى مؤخراً لعمليات تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مناطق سكنية، وسعى إلى حماية الحزام الأخضر حول بغداد، ما قد يكون قد أضر بمصالح بعض العصابات أو الجهات المشبوهة التي لجأت إلى هذا الفعل الجبان.
وفيما يتعلق بتأثير الحادث على الانتخابات المقبلة، أوضح مصطفى أن «الجريمة إن كانت جنائية فلن تؤثر مباشرة على سير العملية الانتخابية، أما إذا كانت ذات أبعاد سياسية أو إرهابية، فسيكون لذلك تداعيات خطيرة على المشهد الانتخابي، لا سيما في ظل التعقيدات الحالية».
وأشار إلى أن «المشهد السياسي يشهد أزمة تمويل واضحة بين الكتل، حيث تعاني بعض القوائم التي لا تمتلك وزراء أو نفوذاً حكومياً من شحّ الموارد المالية، في مقابل قوائم أخرى تنفق مبالغ ضخمة بفضل ارتباطها بعقود حكومية وعمولات».
وختم مصطفى بالتحذير من أن استمرار الفوارق في التمويل وتصاعد مثل هذه الجرائم قد يؤدي إلى «هزّ الثقة بالعملية الانتخابية ويؤثر على نزاهتها ومصداقيتها أمام الرأي العام العراقي».
انتخابات على صفيح ساخن
ويُعد ائتلاف «السيادة» أحد أبرز التحالفات السنية المشاركة في الانتخابات ويشارك ضمن عدة محافظات، من بينها بغداد وكركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى والأنبار.
ولم تعلن أي جهة بعد مسؤوليتها عن التفجير، فيما فتحت القوات الأمنية العراقية تحقيقاً لمعرفة ملابساته والجهة التي تقف وراء الهجوم، الذي يأتي قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات البرلمانية.
اغتيال يهز العاصمة ويعيد المخاوف
وأعاد الحادث الذي أودى بحياة عضو مجلس محافظة بغداد والمرشح للانتخابات البرلمانية صفاء المشهداني بعبوةٍ لاصقة استهدفت مركبته في قضاء الطارمية شمال العاصمة، ملف الاغتيالات السياسية إلى صدارة المشهد العراقي، وسط تساؤلات عن قدرة الدولة على ضبط التوازن بين الأمن والسياسة في موسم انتخابي بالغ الحساسية.
وبحسب تقارير أمنية، أسفر الانفجار عن مقتل المشهداني وإصابة 4 من مرافقيها بجروح متفاوتة، في حادثة وصفت بأنها الأخطر منذ مطلع عام 2025.
إدانة دولية وتحرك حكومي عاجل
وأدانت بعثة الأمم المتحدة (يونامي) التفجير، ودعت إلى «تحقيق عاجل وشفاف لمحاسبة الجناة»، مؤكدة أن حماية المرشحين «مسؤولية وطنية ترتبط بمصداقية العملية الديمقراطية».
وفي استجابة سريعة، وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل فريق عمل جنائي وفني مشترك لكشف ملابسات الجريمة، بإشراف مباشر من قيادة عمليات بغداد، مؤكداً أن «دماء الأبرياء لن تذهب سدى».
تحالفا «السيادة» و«العزم»: استهداف سياسي ممنهج
أما تحالف العزم بزعامة النائب مثنى السامرائي فقد وصف «الحادث» بأنه «تصعيد خطير يمس أمن الدولة ويهدد نزاهة الانتخابات»، مطالباً الحكومة بكشف الجناة سريعاً.
بينما اعتبر تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر، الحادث «حلقة في مسلسل الاغتيالات السياسية التي تستهدف القوى الوطنية»، مؤكداً أن دماء المشهداني «ستبقى دافعاً لمواصلة مسيرة الإصلاح».
وقال القيادي في تحالف السيادة النائب السابق ليث الدليمي إن «الخرق الأمني في الطارمية تقف خلفه أجندات تريد زعزعة الاستقرار وتشويه جهود القوات الأمنية».
وطالب الدليمي «بفتح تحقيقٍ عاجلٍ لكشف الجناة وتقديمهم إلى العدالة»، مشيراً إلى أن الطارمية «مدينة آمنة مستقرة»، وأن الخرق الأخير «تقف خلفه جهات لا تريد لها الأمن، وتسعى لتشويه صورة الجهود الكبيرة التي تبذلها قواتنا الأمنية في بسط الأمن والاستقرار».
كما حثّ أبناء الطارمية على «تفويت الفرصة على كل من يسعى لزعزعة أمنها واستقرارها، وتعزيز التعاون مع القوات الأمنية الماسكة للأرض حفاظًا على أمن القضاء واستقراره».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز