من كواتم "الموت" إلى "المسيّرات".. مليشيات العراق تلاحق مناهضيها
على ما يبدو أن الاغتيالات سلاح ما زال يشهر حتى الآن دون مبالاة أن يكون ضحاياه ناشطا يحلم بعراق آمن أو مسؤولا كبيرا يطمح إلى بلد مستقر.
وتقدح عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فجر اليوم بطائرات مسيرة، السبر في غور ذلك الملف الذي ظل في الكثير من زواياه معتماً دون الكشف عن اسم وهوية الجاني.
فقد عاش العراق منذ عام 2003، وضعاً أمنياً مضطرباً تخللته بعض مراحل الاستقرار النسبي والذي عادة لا يصمد طويلاً حتى تتعكر صفوة الاستقرار مجدداً.
ورغم أن الإرهاب والسلاح المنفلت قد تسيداً المشهد منذ سنوات، إلا أن عمليات الاغتيال شكلت الضلع الثالث في مثلث الموت الذي يطارد العراقيين.
وظهرت الاغتيالات المنظمة مع بدايات سقوط النظام السياسي في أبريل/نيسان 2003، باستهداف أسماء وعناوين بينهم ضباط ومسؤولين في الأجهزة الأمنية المنحلة، تبعها تصفيات أخري طالت ضحايا الصراع السياسي.
وعادة ما تجري عمليات الاغتيال والتصفية عبر مجاميع مجهولة الهوية، باستخدام أسلحة خفيفة وعبوات ناسفة، فضلاً عن عمليات اختطاف وتعذيب غالباً ما تنتهي بالموت القسري.
إلا أن تلك المشاهد الدامية، ظلت حتى الأمس القريب تدور في حلقة الإرهاب وإشاعة الأوضاع غير المستقرة، حتى انطلاق التظاهرات الاحتجاجية الغاضبة في خريف 2019.
وكانت الجماهير الغاضبة عبر عن موقفها الرافض لما آل اليه البلد من فساد وتراجع خدماتي فضلاً عن اختطاف الدولة من قبل قوى "بنادق الظل".
وراجت الاغتيالات وسط تظاهرات عارمة ممتدة عبر 10 محافظات، في محاولة لكبح جماح تلك الجماهير التي بدأت تصرخ بشكل علني "إيران برة برة".
ولاحق سلاح الاغتيالات، جملة من ناشطين وقيادات الحركة الاحتجاجات الغاضبة، مما زاد من غضب الجماهير المحتجة وسط دعوات متصاعدة لإيقاف عجلة الموت وعمليات التصفية الجسدية.
وظهرت مجاميع مسلحة بدت أكثر تنظيماً وأكبر قدرة على التحرك في ملاحقة المناهضين لتبعية البلاد واستشراء الفساد وسرقة المال العام.
ومع سقوط نحو 600 قتيل وجرح آلاف المتظاهرين بنيران قوات "شبه عسكرية"، في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن تلك الدماء لم تجف بهذا القدر حتى بدأت تشتد ماكينة الاغتيالات جنوباً وشرقاً.
واضطرت عمليات الاغتيال إلى نزوح العشرات من نشطاء الحركة الاحتجاجية باتجاه إقليم كردستان هرباً من بطش "الكواتم".
وكان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، تعهد عبر تشكيل لجنة أمنية رفيعة المستوى، في يوليو/تموز 2020، بملاحقة قتلة المتظاهرين وفرق الاغتيالات.
وفقد العراق جراء ذلك الاضطراب العديد من الشخصيات المهمة والمؤثرة في المشهد العام بينهم الخبير الأمني والأكاديمي هشام الهاشمي والطبيبة ريهام يعقوب والصحفي أحمد عبد الصمد.
ومنذ الفترة التي أعقبت احتجاجات تشرين الأول، سجل نحو 80 محاولة اغتيال طالت نشطاء ومتظاهرين عرفوا بمواقفهم الرافضة للنفوذ الإيراني في العراق.
وظل حتى الأمس القريب ملف الاغتيالات مغلقاً دون أن تستطيع لجان التحقيق المشكلة على مرور الحكومات من الكشف عن هويات القاتلين والجهات التي تقف ورائهم.
إلا أن رئيس الوزراء، في إنجاز هو الأول من نوعه، أعلن في مطلع العام الحالي، اعتقال عصابات تمارس عمليات اغتيالات منظمة أطلق عليها "فرق الموت".
وقبل أيام أصدر القضاء العراقي حكمين بالإعدام بحق مدانين متهمين بقتل صحفي وناشط احتجاجي في البصرة جنوب العراق.
وقبل ذلك التاريخ بنحو شهرين، كشفت السلطات الأمنية عن فيديو مصور، لاعترافات مدان بقتل الاكاديمي هشام الهاشمي الذي اغتيل امام منزله في يوليو، تموز 2020.
ومازال العشرات من ذوي الضحايا المغدورين يجوبون بصور أبنائهم الساحات الاحتجاجية ومنصات المسؤولين الحكوميين للمطالبة بالكشف عن المتورطين بدماء الأبرياء.
وكانت منظمات حقوقية بينها دولية دقت جرس الإنذار جراء إبقاء القتلة بعيداً عن القصاص واستمرار عمليات الاغتيال بحق الرافضين للتدخلات الإقليمية.
واعتمدت مليشيات مسلحة قريبة من إيران، "كواتم الموت"، لمناهضة محاولات التغيير المنشودة والمطالب الرامية إلى تصحيح المسار السياسي في العراق.