تحت صحراء نيفادا.. هنا تختبر واشنطن «النووي»
في قلب صحراء نيفادا، بعيدا عن أعين العالم، توجد مختبرات ومواقع اختبار سرية تحمل بصمات إحدى أخطر حقب التاريخ: عصر التجارب النووية.
رغم توقف العالم عن تفجير القنابل النووية منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن الحديث عن عودتها بدأ يطفو على السطح مجددا.
فمع تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، وانتعاش سباق التسلح النووي باتت مختبرات سرية تحت الأرض تعمل بلا توقف، لإجراء تجارب متقدمة تضمن جاهزية الترسانة النووية دون الحاجة إلى تفجيرات حقيقية.
وحاول تقرير للإذاعة العامة الأمريكية الإجابة عن التساؤلات: هل نحن أمام عودة فعلية لعصر الاختبارات النووية؟ وهل يمكن أن يشهد العالم قريبا سباقا جديدا نحو القنبلة؟
يشير التقرير إلى أن الحديث عن الاختبارات النووية يأتي في وقت تشهد فيه الأسلحة النووية انتعاشا غير مسبوق، حيث تطور روسيا أسلحة نووية لاستهداف الأقمار الاصطناعية والموانئ البحرية.
فيما توسع الصين ترسانتها النووية بشكل كبير، بينما تخضع الأسلحة النووية الأمريكية لعملية تحديث شاملة.
وبعد عقود من تقليص المخزونات النووية يبدو أن العالم على وشك البدء في زيادة عدد وأنواع الأسلحة النووية المنتشرة.
مختبر سري
في ظل التوترات المتزايدة سمحت الإدارة الوطنية للأمن النووي، وهي الوكالة المسؤولة عن صيانة الترسانة النووية الأمريكية، لمجموعة صغيرة من الصحفيين بجولة داخل مختبر سري للغاية تحت صحراء نيفادا.
ويقع المختبر في منشأة تُعرف باسم "المختبر الرئيسي" تحت الأرض للتجارب دون الحرجة، ولا يبدو المكان أكثر من مجموعة من المباني الجاهزة، بجوار رافعة تعدين ضخمة.
وارتدى الصحفيون خوذات الأمان ويحملون المصابيح اليدوية وأجهزة التنفس الطارئة، قبل النزول عبر مصعد التعدين العتيق إلى أعماق الأرض.
وفي الأسفل، تفتح البوابات على نفق طويل محفور في قاع بحيرة قديمة، وجرى تمديد أنابيب على طول الجدران، لنقل الهواء والمياه والطاقة، بينما يتحرك العمال في كل مكان، مرتدين خوذات الأمان.
ويشرح ديفيد فانك، أحد المشرفين على العمل في المختبر: "كان هذا المكان مصمما في الأصل ليكون موقعا للاختبارات النووية".
ومنذ أوائل الستينيات انتقلت الاختبارات النووية إلى تحت الأرض لحماية البشر والبيئة من التداعيات الإشعاعية.
وفي مكان ما في هذه المتاهة من الأنفاق توجد بئر مغلقة من تجربة نووية حقيقية، تجربة "ليدوكس Ledoux" عام 1990، التي كانت واحدة من آخر التجارب النووية التي أجرتها الولايات المتحدة.
نهاية ولكن..
في أعقاب الحرب الباردة قررت القوى العظمى وقف التجارب النووية كإشارة إلى إنهاء سباق التسلح النووي.
وأجرى الاتحاد السوفياتي آخر اختبار نووي له عام 1990، وتبعه إعلان أمريكي عام 1992 بوقف الاختبارات، ثم معظم الدول النووية، باستثناء كوريا الشمالية التي أجرت آخر تجربة لها عام 2017.
وكان القرار جزءا من جهد عالمي لإنهاء سباق التسلح.
لكن الأنفاق تحت نيفادا لم تُغلق تماما، فقد استمرت واشنطن في تطوير برنامج الحفاظ على المخزون النووي، وهو نهج يسمح للعلماء بإجراء اختبارات نووية دون تفجير حقيقي، باستخدام عمليات محاكاة متقدمة وتجارب معملية دقيقة.
أحدث التكنولوجيا
واحدة من أبرز التجارب الجارية في هذه المنشأة هي تطوير آلة "سكوربيوس Scorpius"، وهي عبارة عن أقوى جهاز أشعة سينية في العالم، مصمم خصيصا لفحص البلوتونيوم، المادة الأساسية في الأسلحة النووية الأمريكية.
ويقول إيفان أوتيرو، عالم الأسلحة النووية في مختبر لورانس ليفرمور الوطني "البلوتونيوم لدينا يبلغ عمره الآن نحو 80 عاما، ونحن في حاجة لمعرفة كيف تؤثر الشيخوخة على بنيته الذرية".
وبتمويل يصل إلى ملياري دولار ستساعد "سكوربيوس" العلماء على دراسة كيفية تفاعل البلوتونيوم مع المتفجرات التقليدية، عبر تصويره بالأشعة السينية خلال الانفجارات الصغيرة جدا.
وإلى جانب "سكوربيوس" يجري إعداد آلة أخرى تدعى "زيوس Zeus"، التي ستقوم بقصف البلوتونيوم بجسيمات نيوترونية، لدراسة كيفية سلوكه في بيئات إشعاعية شديدة، مماثلة لمركز انفجار نووي.
هل تعود الاختبارات النووية؟
يبدو أن الاستعدادات لاختبارات نووية جديدة جارية في جميع أنحاء العالم، فبينما توقف معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عمليات التفجير فإن بعض الدول تبدو مستعدة لتجاهلها.
ففي الصين، هناك نشاط مكثف في موقع "لوب نور"، حيث تم بناء منشآت جديدة، وظهرت حفارات تشير إلى احتمال حفر آبار لاختبارات نووية جديدة، وفقا للخبير تونغ تشاو من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
أما روسيا فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في أواخر 2023، أن موقع "نوفايا زيمليا" للاختبارات النووية "جاهز تماما لاستئناف التجارب النووية".
وفي الولايات المتحدة يدعو بعض المسؤولين السابقين إلى استئناف الاختبارات النووية.
ففي يوليو/تموز 2024 كتب روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، في مجلة "فورين أفيرز"، أن واشنطن في حاجة إلى اختبار أسلحتها النووية في العالم الحقيقي، وليس فقط عبر المحاكاة الحاسوبية.
لكن علماء الأسلحة النووية يحذرون من أن هذا قد يطلق سباق تسلح جديد، ويقول جيمي كوانغ، الخبير في مؤسسة كارنيغي: "إذا انهارت معاهدة الحظر فإن الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية قد تسارع لإجراء اختبارات جديدة".
وعلى الرغم من أن بعض العلماء يرون أن الاختبارات النووية الحقيقية قد تكون "مكملة" للأبحاث الجارية، فإن دون هاينز، العالم في مختبر لوس ألاموس، يؤكد أنه "لا توجد أسئلة تقنية ملحة تستدعي إجراء تجربة نووية حقيقية".
لكن في نهاية المطاف فإن القرار ليس بيد العلماء، فسواء عادت أمريكا إلى اختبار الأسلحة النووية أم لا، سيظل هذا القرار في يد السياسيين والجنرالات.
aXA6IDMuMTQ0LjM1LjE0NyA= جزيرة ام اند امز