حرب الاستنزاف.. عندما يخسر حتى المنتصرون
عادة ما تكون حرب الخنادق السمة الغالبة لخصمين متكافئين، لكن عندما يتفوق أحدهما على الآخر يلجأ الأضعف إلى حرب الاستنزاف.
تعرف الموسوعة الدولية للحرب العالمية الأولى حرب الاستنزاف بأنها "العملية المستمرة لاستنزاف الخصم من أجل إجباره على الانهيار الجسدي من خلال الخسائر المستمرة في الأفراد والمعدات والإمدادات أو [استنزافه] إلى الحد الذي تنهار معه إرادته في القتال".
حرب الاستنزاف في الحرب العالمية الأولى
الحرب العالمية الأولى هي أوضح مثال على حرب الاستنزاف، حتى أن العديد من المؤرخين يشيرون إليها باسم "حرب الاستنزاف".
كان الهدف في معظم الحرب هو أن يجمع كل جانب المدفعية والقوات بشكل أسرع من الآخر، من أجل سحق الدفاعات واستنزاف الموارد، من خلال الاستنزاف المحض.
خلال هذه الفترة، عاشت منطقة فردان وبلدة السوم الواقعة شمالي فرنسا معارك طويلة ومكلفة للغاية، حيث واجهت القوات الفرنسية والبريطانية الجيش الألماني الذي كان قد توغل إلى عمق شمال شرق فرنسا، على بُعد حوالي 30 ميلاً من باريس لتتكبد كل من القوات الألمانية والفرنسية خسائر بشرية ومادية هائلة، حيث قُدرت خسائر معركة فردان وحدها بما يقارب مليون ضحية وفقاً لما ذكره موقع هيستوري إكسترا.
وشكلت هذه الهزيمة نهايةً لمحاولات الألمان لتحقيق نصر سريع في فرنسا، حيث حفر الجانبان الخنادق، ما جعل الجبهة الغربية مسرحًا لحرب استنزاف طويلة وصعبة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.
معركة ستالينغراد واستنزاف الألمان في الحرب العالمية الثانية
تُعدُّ معركة ستالينغراد، التي دارت بين يوليو/تموز 1942 وفبراير/شباط 1943، أحد أبرز الأمثلة على استراتيجيات حرب الاستنزاف في التاريخ الحديث. فقد شكلت هذه المعركة نقطة تحول حاسمة خلال الحرب العالمية الثانية عندما تجسدت فيها استراتيجيات الاستنزاف من خلال إضعاف الموارد والقدرات البشرية للطرفين المتحاربين.
حزب الاستنزاف في فيتنام
في عام 1968، واجه الثوار الفيتناميون هزيمةً كبيرةً في هجوم تيت، حيث تكبدوا خسائر جسيمة في البنية التحتية والعسكرية السريّة التي بنوها بعناء على مدار سنوات. رغم هذه الخسائر، كان هجوم تيت لحظةً محوريةً في سياق هزيمة الولايات المتحدة، على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه الفيتناميون.
وقد أشار هنري كيسنجر في عام 1969 إلى ذلك بقوله: "لقد خضنا حرباً عسكريةً بينما خاض خصومنا معركة سياسية. وسعيا للاستنزاف الجسدي، كانوا خصومنا يهدفون إلى إضعافنا نفسياً. في هذه العملية، ما يعني أننا فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: إن حرب العصابات تفوز إذا لم تخسر، بينما الجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر".
المشاكل المرتبطة بحرب الاستنزاف
من بين المشاكل العديدة المرتبطة بحرب الاستنزاف ما يلي:
• ارتفاع أعداد القتلى ــ هذه هي القضية الأساسية. ورغم أن جميع الحروب تنطوي على خسائر بشرية، فإن حرب الاستنزاف تشهد ارتفاعا كبيرا في أعداد القتلى من المقاتلين والمدنيين.
• التكاليف المرتفعة ــ تتطلب حرب الاستنزاف الكثير من الموارد. وإذا ما تم تعديلها وفقاً للتضخم، فإن حرب فيتنام كلفت الولايات المتحدة 770 مليار دولار، بالإضافة إلى تريليون دولار لتعويضات المحاربين القدامى فيما بعد. ولا تأخذ هذه الأرقام في الحسبان حتى التأثير على الصناعات والاقتصادات.
• احتمالات ارتكاب جرائم حرب ــ عندما يكون الهدف هو إحداث أقصى قدر من الضرر، فإن احتمالات وقوع جرائم حرب وانتهاكات كبيرا.
• فترات طويلة ــ قد تكون حرب الاستنزاف طويلة وبطيئة الحركة. وكما كتب صن تزو، "لا توجد حالة واحدة استفادت فيها دولة من حرب مطولة".
• التأثير الطويل الأمد على الأمة - يمكن أن تتسبب حرب الاستنزاف في مشاكل خطيرة طويلة الأمد لكلا الجانبين. ويمكن أن يؤدي مقتل أعداد كبيرة من المقاتلين الشباب، ومعظمهم من الذكور، إلى انخفاض كبير في معدلات المواليد لسنوات قادمة.
وتشير التقديرات إلى أن الحرب العالمية الأولى أدت إلى انخفاض عدد المواليد بمقدار 3.2 مليون مقارنة بما كان متوقعًا في ألمانيا وحدها.
وقلة عدد الأشخاص الذين يعملون أثناء الحرب وبعدها يعني انخفاض الإنتاجية وتغييرًا في بنية الاقتصادات. لا يمكن استخدام الأموال التي تنفق على خوض حرب استنزاف في مجالات أخرى، مثل الرعاية الصحية.
وغالبًا ما تعاني المؤسسات التعليمية، حيث تقل قدرة الشباب على الحضور. ويتم تدمير مساحات كبيرة من الأراضي، مما يؤدي إلى إتلاف الأراضي الزراعية والمنازل والبنية الأساسية. قد يستغرق الأمر عقودًا حتى تتعافى الأمة من تأثير حرب الاستنزاف.
aXA6IDMuMTM3LjE2OS4xNCA= جزيرة ام اند امز