لماذا يعتبر أردوغان قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الكردية تهديداً لأمن بلده، بينما تتغافل مخابراته عن عناصر جبهة النصرة؟
من حق الدول جميعها تأمين أمن شعوبها، والسعي إلى ذلك ما استاطاعت إليه سبيلاً، القوانين الدولية تكفل لها ذلك، ولكن من غير المسموح به للدول انتهاج الازدواجية في مسألة التهديد الأمني والكيل بمكيالين، وتقرير إذا كان هذا الطرف "إرهابياً متطرفاً" وذاك بريء من التهمة لاعتبارات غير واضحة المعالم.
لماذا يعتبر أردوغان قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الكردية تهديداً لأمن بلده بينما تتغافل مخابراته في الوقت ذاته عن عناصر جبهة النصرة الذين يعبرون الحدود بين سوريا وتركيا جيئة ورواحاً؟!
"تهديد الأمن القومي التركي" لعلها العبارة الأكثر تداولاً هذه الأيام من قبل المسؤولين الأتراك، وفي مقدمهم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي دخل عبر هذا الباب العريض شمال سوريا، مدججاً بدباباته، مرتدياً بزته العسكرية للقضاء على ما ترى فيه أنقرة تهديداً لأمنها القومي، ونقصد هنا قوات سوريا الديمقراطية الموجودة في عفرين.
لماذا يعتبر أردوغان قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الكردية تهديداً لأمن بلده، بينما تتغافل مخابراته في الوقت ذاته عن عناصر جبهة النصرة الذين يعبرون الحدود بين سوريا وتركيا جيئة ورواحاً؟!
في الحقيقة الموضوع يتعدى مسألة الأمن القومي إلى مشاريع تركية أكبر في الشمال السوري، فبعد فشل تركيا تسويق نفسها حامية للأقلية التركمانية في كركوك وتلعفر العراقيتين، ووضع حد لها من الحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة غير الراضية عن التحركات التركية داخل العراق، عادت لتثبت نفوذها في منطقة أكثر أهمية لها من العراق وهي الشمال السوري.
أنقرة تسعى من خلال تحركها الأخير إلى إنشاء إقليم موال لسياستها الخارجية ونهج حزب العدالة والتنمية تحت بند المنطقة الآمنة، لذلك نجد الرئيس التركي يتحدث عن أن الانتخابات الرئاسية التركية في العام المقبل ستحدد وجه تركيا لا لعشرة أعوام مقبلة فحسب بل لمئة عام.
قضية تهديد الأمن القومي التركي ليست الوحيدة التي يعتمد عليها المسؤولون الأتراك لتبرير تدخلهم العسكري في سوريا، بل يتحدثون عن أن الخطوة من شأنها المساهمة في إعادة مئات الآلاف من اللاجئين إلى بلدهم، من بينهم ثلاثمئة وسبعون ألف لاجئ كردي حسب هؤلاء المسؤولين.
المراقب لسير الأحداث على الأرض السورية يدرك أن تركيا غير قادرة على المضي بمشروعها في إنشاء منطقة آمنة تتستر بها على مشروعها الباطني لتهيئة ديموغرافيا جديدة مؤدلجة، تشرعن وجودها لاحقاً لجملة تحديات.
أول هذه التحديات يكمن بموضوع الأرض ومن سيخلفها، ففي عفرين نحو ثلاثمئة وستين قرية، معظم سكانها من المكون الكردي مع بعض العائلات العربية، يكمن التحدي في مقدرة تركيا والمؤيدين لها من فصائل الجيش الحر تأمين الأرض والمكوث فيها طويلاً بعيداً عن أي حاضنة لهم هناك، خصوصاً أن الكثير من التقارير تشير إلى تأييد أهالي المنطقة قوات سوريا الديمقراطية.
التحدي الثاني يتمثل باستمرارية التنسيق التركي الروسي من عدمه، وهل الاتفاق بين الطرفين فيما يخص عفرين مرحلي محدود أم أنه طويل الأمد؟
في الحقيقة لا يمكن أن يكون التنسيق طويل الأمد، لأن الروس استطاعوا في مرحلة ما منع الحكومة السورية من التحرك عسكرياً ضد القوات التركية، ولكنهم غير قادرين على ضبط كل الفصائل العسكرية المنضوية تحت عباءة الجيش السوري من فتح جبهة مع الجنود الأتراك، خصوصاً أن المسافة الفاصلة بين الطرفين ليست بعيدة.
ليس هذا فحسب، فثمة اتفاق مرتقب بين الكرد الموجودين في عفرين ودمشق سيضع الطرفين التركي والروسي أمام استحقاق لم يحسب له الطرفان حساباً، وما بيان الإدارة الذاتية في عفرين وطلبها من الدولة السورية القيام بدورها في حماية الحدود إلا نقطة البداية لهذا الاتفاق المؤجل.
أما التحدي الأخير والأهم هو عدم وجود الغطاء الدولي للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري، على العكس تماماً لاقى التدخل التركي انتقادات كبيرة وواسعة من دول عدة، على رأسها الولايات المتحدة صاحبة النفوذ على الأرض في شرق سوريا بالتشارك مع قوات سوريا الديمقراطية، التي من خلالها فقط يمكن للقوات الأمريكية شرعنة وجودها إلى وقت غير محدد، بحجة حاجة هذه القوات إلى مزيد من التدريب كي تكون جاهزة للتصدي لما تبقى من عناصر تنظيم داعش المتطرف ومسك الأرض في تلك المنطقة.
جملة التحديات هذه قد تلعب دوراً كبيراً في عدم تحقيق العملية العسكرية التركية أهدافها، ومن المحتمل أن تدفع أنقرة لإعادة حساباتها بشكل لا يكلفها خسران المزيد من الأصدقاء على الساحتين الدولية وعلى وجه التحديد العربية، الرافضة استمرار أنقرة في توسيع نفوذها في المنطقة العربية، لذلك جاء الموقف المصري واضحاً في هذا الشأن، عندما دانت وزارة الخارجية المصرية دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية، واصفة إياها بالمحتلة، وهذا ما يشكل تحدياً رابعاً بوجه الرئيس التركي الطامح لإعادة نفوذ بلاده إلى ما كانت عليه في زمن "الدولة العثمانية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة