مع عدم استبعاد تدخل باكستان في الشأن الأفغاني فإن الجديد هو ظاهرة التدخل الإيراني الفج في هذه البلاد الفقيرة المنهكة.
مع عدم استبعاد تدخل باكستان في الشأن الأفغاني انطلاقا من فكرة وقوعها ضمن المجال الحيوي لمصالحها الاستراتيجية، ناهيك عما يربط شعبي البلدين المتجاورين من أواصر القربى والثقافة والتقاليد القبلية المشتركة، فإن الجديد منذ بضع سنوات هو ظاهرة التدخل الإيراني الفج والواضح في هذه البلاد الفقيرة المنهكة من الحروب الطويلة والنزاعات القبلية والجهوية منذ الغزو السوفييتي لها في عام 1978.
فمن أشكال تدخل طهران تقديم المساعدات العسكرية والمالية والطبية والنفطية لبقايا حركة طالبان مع توفير الملاجئ الآمنة لهم داخل الأراضي الإيرانية
وإيران التي رأت نفسها بشهادة قادتها أنها صاحبة حق في تشكيل مستقبل هذه البلاد كونها ساعدت واشنطن في عام 2001 بطريقة غير مباشرة على الإطاحة بنظام طالبان سيئ السمعة، هي نفسها التي باتت تدعم بقايا الطالبانيين (رغم ما بين الطرفين من خلافات أيديولوجية وكراهية وأحقاد مذهبية). ويأخذ التدخل الإيراني في أفغانستان أشكالا وصورا مختلفة لكل منها أهداف محددة وإنْ صبت في النهاية في هدف أسمى هو إطالة أمد أزمة هذه البلاد والحيلولة دون استقرارها؛ كيلا يتخذها الأمريكيون منصة لتهديد نظام الولي الفقيه في طهران.
فمن أشكال تدخل طهران تقديم المساعدات العسكرية والمالية والطبية والنفطية لبقايا حركة طالبان مع توفير الملاجئ الآمنة لهم داخل الأراضي الإيرانية خلال عمليات الكر والفر التي يقومون بها ضد حكومة كابول والقوات الأمريكية.
ومن ناحية ثانية، يتوغل الإيرانيون داخل الولايات الأفغانية المتاخمة وغير المتاخمة لحدودهم لنشر ثقافتهم وأفكارهم وأساطيرهم؛ بقصد تشييع المزيد من الأفغان كي يكونوا سندا لمشاريع وأهداف نظام خامنائي. ويتجلى هذا التوغل في صورة بناء المدارس والمكتبات وتوزيع المطويات الثورية وافتتاح المتاجر المروجة للمنتج الإيراني من الحلويات والمكسرات واستمالة الأفغانيات لارتداء التشادور الإيراني بدلا من الملابس الأفغانية، تساعدهم في ذلك اللغة المشتركة، حيث إن الأفغان البشتون يتحدثون لغة «البشتو» القريبة من الأوردية، فيما يتحدث الآخرون اللغة الدارية الشبيهة جدا بالفارسية.
وفي السياق نفسه كشف مسؤولون حكوميون أفغان عن تسلل فرق اغتيالات وتجسس إيرانية إلى داخل صفوف الشرطة ودوائر الحكومة في المحافظات الأفغانية الغربية بقصد جمع المعلومات وشراء الذمم والتجنيد.
ومن جهة ثالثة تتساهل طهران مع شبكات زراعة الأفيون الأفغانية وقنوات تصديره غير الشرعية الى الخارج والتي تديرها حركة طالبان، كي يتوفر للحركة ما يعينها على مواصلة إقلاق مضاجع كابول وواشنطون، ناهيك عن أن العملية تحقق مردودا ماليا إضافيا للخزينة الإيرانية من خلال ما تفرضه طهران من رسوم.
ومن جهة رابعة، تستغل طهران الملايين من الأفغان البسطاء الذين لجؤوا إليها على مدى العقود الماضية هربا من القتال لتنفيذ أجنداتها التوسعية تحت طائلة إبعادهم عن أراضيها.
إن الأدلة والبراهين التي تثبت انخراط النظام الإيراني في التعاون مع طالبان بهدف تمتين نفوذه داخل أفغانستان ومنع الأخيرة من الاستقرار والعيش بسلام، أكثر من أن تُحصى. لكننا سنتوقف هنا أمام دليلين فقط: أولهما ما صرحت به الشرطة الأفغانية العام الماضي من أنها أوقفت خلال 3 سنوات نحو ألفي شخص في عملياتها لمكافحة الإرهاب في مقاطعة هرات، وأنه تبين بعد التحقيق معهم أنهم مسلحون ومجرمون يقيمون مع عائلاتهم في إيران، وأنهم يتسللون إلى أفغانستان بأوامر إيرانية لزعزعة الأمن والاستقرار.
أما الدليل الآخر فهو تدمير القوات الأمريكية في غارة بطائرة درون من غير طيار في مايو 2016 سيارة كانت تسير على الطريق السريع الرابط بين مدينة «أحمد وال» في بلوشستان الباكستانية والحدود الإيرانية. وقد تبين أن راكبها القتيل هو قائد حركة طالبان وقتذاك الملا اختر محمد منصور الذي كان عائدا إلى مقره في بلوشستان الباكستانية بعد رحلة له إلى طهران، قيل إنه التقى خلالها المرشد الإيراني الأعلى ومسؤلين أمنيين إيرانيين وروس؛ بهدف بناء تحالفات جديدة لتقويض حكومة كابول المدعومة من الغرب والولايات المتحدة. وبعبارة أخرى كشف مقتل الملا منصور عن المزيد من خفايا التدخلات الإيرانية في أفغانستان التي ظل الإيرانيون ينفونها على الدوام بحجة أنهم وطالبان أفغانستان على حدي نقيض في التوجهات والأهداف والأيديولوجيات.
الملاحظ خلال الأشهر الـ 18 الماضية أن وتيرة الهجمات الإرهابية ضد القوات الحكومية والأمريكية والأماكن القريبة من السفارات الأجنبية ومقر بعثة حلف شمال الأطلسي في كابول العاصمة قد زادت بصورة ملحوظة. وتقول مراكز الدراسات المهتمة بمتابعة الوضع الأفغاني إن الجديد هو وقوف الذراع الأفغاني لتنظيم «داعش»، أو ما يطلق عليه «لواء ولاية خراسان» وراء تلك الهجمات. ولا يمكن هنا استبعاد فرضية وجود تعاون بين هؤلاء وطهران لتحقيق نفس الأهداف التي جعلت الأخيرة تتعاون مع حركة طالبان وتمدها بكل أشكال الدعم.
صحيح أن فرع «داعش» الأفغاني تبنى في صيف 2016 بعض الهجمات ضد الأقلية الشيعية في أفغانستان، إلا أن هذا قد يكون زعما هدفه صرف الأنظار عن وجود تعاون إيراني ــ داعشي على الأرض الأفغانية. وحتى لو افترضنا جدلا أن دواعش أفغانستان ضربوا بعض الأهداف الشيعية هناك، فإن نظام طهران لا يضيره ذلك وقد يعده ثمنا بسيطا لغايات أكبر. ألم يبعث بالآلاف من شبابه إلى سوريا ليقتلوا في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ ألم يسفك بالرصاص الحي دماء العشرات من مواطنيه في المظاهرات الأخيرة التي اجتاحت المدن والقرى احتجاجًا على إنفاق موارد البلاد على المغامرات الخارجية؟
نقلاً عن " الأيام " البحرينية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة