النظام في طهران يراهن على المواقف الدبلوماسية الأوروبية المائعة، والساعية لحماية استثماراتها الدبلوماسية والمالية في الاتفاق النووي.
إيران لا تكلّ ولا تملّ من دعواتها إلى الحوار مع جيرانها على رأسهم السعودية. ما بين كل دعوة ودعوة، هناك دعوة، مع تزايدها منذ رحيل إدارة باراك أوباما وانتهاء شهر العسل الأميركي - الإيراني، وآخر دعوات مسلسل الحوار جاءت في مقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في صحيفة «فايننشيال تايمز» اللندنية، حيث يستمر المنطق الإيراني القديم الجديد نفسه، حروب وإرسال مليشيات وقتل وترويع وتدخلات في شؤون الدول من جهة، ودعوات غير واقعية للحوار من جهة أخرى.
ظريف يقول إن بلاده تقترح «إنشاء منبر إقليمي للحوار في الخليج، ودعوتنا الطويلة للحوار مفتوحة، ونتطلع لليوم الذي يقبل فيه جيراننا دعوتنا، وبتشجيع من حلفائهم، الأوروبيين وغيرهم في الغرب»، بالطبع هذه العملية التجميلية المتكررة التي يسعى لها أقطاب النظام الإيراني لسياستهم الخارجية التوسعية، مكشوفة جيداً لمن تسعى إيران للحوار معهم، كونها ذراً للرماد في العيون، فأول شرط للحوار هو توفر حد أدنى من الثقة، وهذا غير وارد مع دولة تحارب بمليشياتها وصواريخها هذه الدول، غير أن النظام الإيراني وهو يعلم استحالة الاستجابة لهذه الدعوة الزائفة، يهدف للاستفادة من المزاج العام الأوروبي تحديداً، في إرسال رسائل لهم أنهم طالبو سلام وليسوا دولة إرهابية، كما تتهمها الولايات المتحدة الأميركية ودول المنطقة أيضاً.
ليس سراً أنه كلما حكم البيت الأبيض الجمهوريون، كثّفت إيران من دعوات الحوار والتعاون مع السعودية، الفرق الوحيد هذه المرة أن طهران تريد استغلال المصالح الأوروبية وتقديم مثل هذه الدعوات، والمؤسف أن الأوروبيين يسمحون للنظام في إيران باستغلالهم بشكل سيئ.
يمكن القول إنه منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل عام تقريباً، وإقراره استراتيجية جديدة أظهرت موقفاً أميركياً متشدداً ضد سلوك إيران العدواني المزعزع لاستقرار المنطقة، والنظام في طهران يراهن على المواقف الدبلوماسية الأوروبية المائعة، والساعية لحماية استثماراتها الدبلوماسية والمالية في الاتفاق النووي الإيراني، فبعد رفع العقوبات الدولية عقب تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» عام 2015، أصبحت العواصم الأوروبية أكثر حرصاً على المشاركة مع إيران دبلوماسياً واقتصادياً، فأعادت بريطانيا فتح سفارتها في طهران، ووقعت «توتال» الفرنسية على صفقة نفطية بقيمة 5 مليارات دولار في إيران، في حين وافقت شركة «إيرباص» الأوروبية على بيع مائة طائرة لشركة «إيران للطيران» عام 2016. وكل هذه التحركات الأوروبية المتعاطفة نحو إبقاء الاتفاق النووي وعدم تغييره ولا حتى تعديله، وصل صداها بشكل جلي إلى طهران الراغبة في الدوران داخل الفلك الأوروبي، ومن ذلك تسويق رغبتها في الحوار مع جيرانها، وهي النغمة التي يطرب لها الأوروبيون حتى وهم يعلمون جيداً عدم جدواها عملياً، لكن طهران في الوقت نفسه تمنحهم الفرصة للمضي في موقفهم المتراخي ضد عدوانها، وتغليف سياساتهم بدبلوماسية مسك العصا من المنتصف.
في مقالة في صحيفة «واشنطن بوست»، كتب نائب الرئيس الأميركي مايك بنس: «لسوء الحظ، لقد فشل عدد كبير من شركائنا الأوروبيين بشكل كبير في الحديث بوضوح عن الأزمة المتفاقمة في إيران. لقد حان الوقت لكي ينهضوا»، إلا أن الأوروبيين لم ينهضوا، ولا أظنهم سيفعلون ذلك قريباً، وبدا ذلك واضحاً في ردود أفعالهم الباهتة إبان المظاهرات الاحتجاجية التي عمت المدن الإيرانية، بينما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لأفعال أقل من ذلك بكثير في دول أخرى، وتحت بند «حقوق الإنسان». الأوروبيون يغضون النظر أيضاً عن إيران وهي كثيراً ما تفاخرت بسيطرتها على أربع عواصم عربية، والجديد أنها ضمّت إليهم قطر أخيراً، بعد تأكيد علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، أنه لولا بلاده لسقطت قطر.
ليس سراً أنه كلما حكم البيت الأبيض الجمهوريون، كثَّفت إيران من دعوات الحوار والتعاون مع السعودية، الفرق الوحيد هذه المرة أن طهران تريد استغلال المصالح الأوروبية وتقديم مثل هذه الدعوات، والمؤسف أن الأوروبيين يسمحون للنظام في إيران باستغلالهم بشكل سيئ، وتصديق كذبة الحوار الكبرى.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة