مملكة البحرين، التي اعتادت عقد حوار المنامة المهم كل عام، كانت محطة جديدة لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن.
وجاءت زيارة الوزير الأمريكي من أجل التحدث عن تعهدات بلاده المعروفة حول أمن دول الخليج العربي وعدم الانسحاب المفاجئ من المنطقة.
ورغم محاولة "أوستن" -الرجل الثالث في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن- تقديم صورة وردية ووعود كثيرة لصناع القرار والرأي العام العربي، والخليجي منه على وجه الخصوص، فإنه لم يستطع تبديد عدم الثقة العربية في الحليف الأمريكي، الذي ترك أفغانستان قبل مدة قصيرة بانسحاب عشوائي لم تُعرف أسبابه على وجه الدقة حتى الآن.
فلم تحرك أمريكا ساكناً فيما مضى عندما اعتدت الطائرات المسيّرة الإيرانية على منشآت نفط سعودية، تصدّت لها دفاعات المملكة، بل لم تفعل واشنطن شيئاً يذكر إزاء هجمات المسيرات الحوثية الفاشلة على المناطق المدنية.
حديث "أوستن" كما هو حديث زميله وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مجرد مزيج من الإشارات المتناقضة بين انسحاب أمريكي تم الإعلان عنه والمضي فيه بالفعل، وبين القول بالبقاء والالتزام بالتعهدات والشراكات الحقيقية مع الحلفاء في مواجهة التحديات.
ولعل "أوستن" تحدث نوعاً ما بعمق عن الدبلوماسية الأمريكية تجاه إيران، لكنه في الوقت نفسه لم يُقنع ولن يقنع أصحاب القرار في المنطقة، كون الإدارة في "البيت الأبيض" متهمة من قبل خصومها الجمهوريين، وحتى معتدلي الحزب الديمقراطي في الكونجرس، بأنها الإدارة الأكثر تخبطاً حيال المفاوضات مع النظام الإيراني.
ولم يذكر الوزير الأمريكي ما الخيار الآخر لدى الإدارة الأمريكية، التي يعمل معها، حال الفشل وعدم قدرة الغرب، ومنهم الولايات المتحدة، على إجبار طهران كي تذعن لاتفاق جديد حول برنامجها النووي.
ما يشغل بال دول المنطقة، ليس فقط محاولات إيران تصنيع قنبلة نووية، بل هذا الكم الهائل من التصنيع اليومي للإرهاب العابر للحدود، من خلال عمليات عسكرية وقرصنة بحرية، وتدخلات تبدأ ولا تنتهي في شؤون الدول، فمن دعم مباشر لمليشيا "الحوثي" في اليمن، مرورا بتمويل "حزب الله" الإرهابي في لبنان، وصولا إلى تحريك "الحشد الشعبي" في العراق.
إن آلية العمل الأمريكية لا تُرضي أبداً الحلفاء، فالقصة أكبر بكثير من كلام معسول وعبارات مقنّعة بلغة دبلوماسية عفا عليها الزمن، إذ يتوجب على واشنطن الوفاء بالتزاماتها، وتنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة مع دول الخليج العربي، فقدرات أمريكا العسكرية، كما السياسية، يعرفها الجميع، وثقة الحليف بها مدفوعة بقوة التاريخ القريب والبعيد، سيما أن لدول الخليج العربي نظرة مستقبلية قائمة على نهج سلمي يؤمن بالحوار ويُعلي من شأن المفاوضات، التي تُفضي في نهاية المطاف إلى نتائج مثمرة.
وإذا كانت أوروبا اليوم بصدد إعادة تشكيل خارطتها الدفاعية والأمنية، على خلفية الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان، وما أعقبه من كوارث إنسانية وسياسية، أدت إلى خلط العديد من الأوراق، وعدم الاعتماد على أمريكا، بحسب تعبير الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، فإن دول المنطقة ليست ببعيدة عن تنويع مصادر شراكاتها الاستراتيجية، خاصة أن غالبية دول العالم القوية في حاجة إليها أكثر من حاجتها هي إلى تلك الدول، فدول الخليج العربي لديها مقومات أساسية وموارد لنهضة شاملة قلَّ أن توجد في أي بقعة من بقاع الأرض، فما تعلن عنه السعودية من مشاريع، وما ترنو إليه من قفزات اقتصادية ولوجستية، وما تعيشه الإمارات من إنجازات وما تحققه من مكتسبات، أكبر دليل على جهوزية الكيان العربي الخليجي لمواجهة مختلف الأخطار ومعاينة الواقع بنظرة تاريخية وإيجابية، تحاول العديد من الدول أن تحذو حذوها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة