محيطات شفافة.. هل تتحول غواصات أستراليا إلى «توابيت»؟

في عالم كانت فيه الغواصة «الملك المتوج» في أعماق البحار، تبدو الأمواج اليوم أقل ولاءً لسرها.
فالتكنولوجيا الحديثة -من الاستشعار الكمي مرورًا بأقمار التتبع إلى الذكاء الاصطناعي- أصبحت أحد عوامل إفشاء البيانات، لتكشف ما كان البحر يخفيه لقرون.
وضع قد يجعل الاستثمار الأسترالي بقيمة مئات المليارات في أسطول «أوكوس» قد يتحول إلى رصيد باهظ الثمن إذا ما أصبحت المحيطات «قابلة للرصد»؛ ما يجعل من الضروري إعادة تقييم حجم الرهان والتنوع في القدرات بين غواصات مأهولة وأنظمة غير مأهولة وإجراءات مضادة للاكتشاف.
وكان رئيس وكالة الغواصات الأسترالية، جوناثان ميد، قال لصحيفة الغارديان قبل عامين عن أسطول الغواصات النووية الأسترالية المرتقب، إنها تمثل «السرعة والتخفي والقوة النارية»، مضيفًا: «إنها المفترس الأعظم في المحيطات».
لكن إلى متى؟
في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أثبتت الغواصات النووية أنها قوة هائلة: أسلحة هجومية فتاكة يصعب اكتشافها. كما أن بعضها يتمتع بتأثير رادع أساسي ضد «الضربة الثانية»: فأي هجوم على دولة مسلحة بغواصات تعمل بالطاقة النووية يُشن مع العلم بأن الرد حتمي - من سفينة حربية مختبئة تحت الأمواج.
لكن هناك مجموعة من التصريحات - الكثير منها تكهنات، معظمها من الصين، الدولة ذاتها التي تم إنشاء ميثاق أوكوس لمواجهتها - تتحدث عن تطورات سريعة في تكنولوجيات الكشف عن الغواصات: شبكات ضخمة من صفائف السونار شديدة الحساسية، والاستشعار الكمي، وتحسين تتبع الأقمار الصناعية القادر على اكتشاف الاضطرابات الصغيرة في سطح المحيط؛ والتقنيات التي تكشف عن الاضطرابات الدقيقة في المجال المغناطيسي للأرض؛ ومعالجة الذكاء الاصطناعي في الوقت الحقيقي لكميات هائلة من البيانات.
هل يمكن للتقنيات الناشئة أن تجعل آخر مكان معتم على الأرض ـ المحيطات ـ شفافا؟
قد تصبح المحيطات، في أجزاء منها، أقل تحصينًا: قد تخضع الممرات البحرية الرئيسية المتنازع عليها والمناطق الساحلية لمراقبة مكثفة، بينما تظل الخنادق النائية العميقة غامضة، بحسب «الغارديان».
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن التنبؤ بصراع مستقبلي أمر محفوف بالمخاطر، لكن العواقب وخيمة على أستراليا، التي خصصت مبلغًا استثنائيًا قدره 368 مليار دولار لأسطولها من الغواصات النووية «أوكوس».
فهل سيصبح المفترس الرئيسي اليوم فريسة الغد؟
عبر أحد التقييمات القاسية عن الأمر بعبارات صارمة: ربما تتحول أسطول الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية في أستراليا إلى «توابيت بمليارات الدولارات».
فإلى جانب القدرة الهائلة للذكاء الاصطناعي على معالجة البيانات، تشكل هذه التقنيات تهديدًا هائلًا لإخفاء الغواصات، بحسب الغارديان، التي قالت إن برامج الذكاء الاصطناعي تستطيع اختراق «ضجيج» الكم الهائل من المعلومات، ورصد أنماط خفية أو إيجاد روابط بين بيانات متباينة، لا يدركها المحلل البشري.
وتسبب الغواصات المصنوعة من المعدن تشوهات طفيفة في المجال المغناطيسي للأرض أثناء تحركها عبر الماء، وهي تغيرات أصبحت قابلة للاكتشاف بشكل متزايد باستخدام أجهزة قياس المغناطيسية المتطورة.
وفي العام الماضي، أعلن فريق بحثي من جامعة شنغهاي جياو تونغ عن تطوير مستشعر جديد لقاع البحر قادر على اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية الخافتة التي تولدها مروحة غواصة دوارة من مسافة 20 كيلومترًا تقريبًا، أي ما يقرب من 10 أضعاف نطاق الكشف السابق.
وفي دراسة تمت مراجعتها من قبل النظراء ونشرت في ديسمبر/كانون الأول، ادعى باحثون في شيآن أنهم طوروا مقياسا مغناطيسيا محمولا جواً يمكنه تتبع الأثر المستمر للاستيقاظ المغناطيسي للغواصة .
وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن علماء من شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية أنهم طوروا نظام استشعار كمي مُثبت على طائرة بدون طيار، قادر على تتبع الغواصات بدقة متناهية.
ويزعمون أن هذا النظام المغناطيسي الذري المُحاصر للتجمعات السكانية المُتماسكة حساسٌ بنفس درجة حساسية نظام MAD-XR الذي تستخدمه دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنه أرخص بكثير، وبالتالي يُمكن نشره على نطاق واسع.
هذه هي التقنيات المعروفة، لكن كما تشير الدكتورة آن ماري غريسوغونو من جامعة فلندرز، إذا كان لدى الخصم تقنية للكشف الدقيق عن الغواصات، فهل سيخبر أحداً؟
وتشير إلى أن سباق التسلح يتسارع على كلا الجانبين ــ فالمصممون يعملون على تدابير مضادة للكشف لجعل الغواصات أكثر سرية من أي وقت مضى: بلاطات عديمة الصدى لهزيمة أو إرباك السونار؛ وأنظمة تبريد لإضعاف الكشف عن طريق التصوير الحراري أو الكشف بالأشعة تحت الحمراء بواسطة الأقمار الصناعية؛ وإزالة المغناطيس من الغواصات لتقليل التوقيعات المغناطيسية؛ واستخدام المضخات النفاثة لإنتاج قدر أقل من الاستيقاظ.
وتجادل غريسوغونو بأنه قد لا تكون هناك تقنية واحدة تمكن من رصد الغواصات. وتتصور مستقبلًا يعتمد على «شبكات من أجهزة الاستشعار المترابطة تحت الماء»، باستخدام تقنيات مختلفة، جميعها قابلة للاستبدال، ولا يعد أي منها أساسيًا لعمل الشبكة.
وقالت غريسوغونو إن أستراليا يجب أن تستغل الفرصة قبل الالتزام بالكثير تجاه أوكوس لإعادة تقييم قدرتها، ليس لخوض حرب في غضون 20 عامًا، لكن في غضون 30 أو 40 أو 50 عامًا.
وتابعت: «يجب أن نطرح أسئلةً أعمق حول وضعنا الدفاعي. أعتقد أن اقتناء هذه الغواصات النووية لا يكون منطقيًا إلا إذا كنا نريد المساهمة والمشاركة في صراعاتٍ أكبر بكثير في المنطقة مع الولايات المتحدة».
القرش الشبح.. حل ناجع؟
وعلى رصيف جرفته الأمطار في سيدني هذا الأسبوع، أعلنت الحكومة الأسترالية أنها تعهدت بإنفاق 1.7 مليار دولار لشراء العشرات- وهو العدد المصنف على وجه التحديد - من مركبات غواصة «القرش الشبح» ذاتية القيادة تحت الماء.
وتقول الحكومة إن غواصة «القرش الشبح»، وهي في الأساس غواصة بدون طاقم تعمل بالذكاء الاصطناعي، ستكون قادرة على «إجراء عمليات استخبارات ومراقبة واستطلاع وتوجيه ضربات على مسافات بعيدة للغاية من القارة الأسترالية». يبلغ حجم كل غواصة منها حجم حافلة صغيرة، ويمكن نشرها من سفن حربية أو إطلاقها قبالة الساحل.
وعما إذا كان هذا الاستثمار بمثابة «تحوط» ضد مستقبل يمكن فيه اكتشاف الغواصات المأهولة، قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس: «نحن واثقون للغاية من أن الغواصات الأسترالية المستقبلية ستكون ذات أهمية أساسية للقدرة العسكرية الأسترالية»، مشيرا إلى أن غواصات القرش الشبح ستكمل الغواصات النووية المأهولة.
وفي حين أن هناك الكثير من التطورات في تقنيات اكتشاف الغواصات، هناك أيضًا الكثير من التطورات في التقنيات المتعلقة بجعل الغواصات أكثر صعوبة في اكتشافها، ونحن واثقون حقًا من ... منح أستراليا قدرة غواصات عالية القدرة وطويلة المدى في المستقبل، يضيف مارليس
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز