"أوف أفينيون".. مهرجان فرنسي ينبش ذكريات استعمار شمال أفريقيا
المهرجان يعرض 1600 عمل منها مسرحية "فاينل كات" وتروي قصة ميريام التونسية التي تستأصل عائلة والدتها الإيطالية أي أثر لوالدها التونسي
تمزج مسرحيتان صادمتان تُعرضان في مهرجان "أوف أفينيون" الفرنسي، إحداهما سيرة ذاتية والثانية خيالية بين السياسة والسرد القصصي العائلي لتجسيد محطات مأساوية رافقت الاستعمار الفرنسي في تونس والجزائر، مع تصوير التبعات الخطيرة لهذه الأحداث على العائلات المختلطة.
ويعرض في إطار فعاليات مهرجان "أوف أفينيون" 1600 عمل مسرحي، منها مسرحية "فاينل كات"، التي تروي قصة ميريام سادوي، الفتاة التونسية التي تقرر عائلة والدتها المنتسبة إلى أسرة إيطالية غادرت تونس عام 1958 إلى فرنسا، استئصال أي أثر لوالدها التونسي من حياتها.
وفي المسرحية المطعمة بالفكاهة، تروي ميريام التي تؤدي أكثر مشاهدها بمفردها، قصة اكتشافها للمرة الأولى وجه هذا الأب عن طريق صور سالبة كانت تحتفظ بها والدتها.
ابنة المهاجر
وتؤكد المخرجة المسرحية والممثلة البالغة 56 عاما المقيمة في بلجيكا فكرتها بقوله: "الأمر بالنسبة لي صورة مجازية عن الاستعمار الفرنسي، ثمة حالة إنكار كامل، مجموعة صور في الذاكرة الجماعية تنتظر الكشف عنها، فور الكشف عنها سنتمكن من جمعها في ألبوم للصور وفتح صفحة جديدة".
وبعد سنوات عدة من العلاج النفسي، تشير ميريام إلى أنها تصالحت مع هذا الماضي القاسي.
وأتى قرار والديها الانتقال إلى فرنسا سنة 1961 بعد معركة القاعدة البحرية في بنزرت الواقعة آنذاك تحت الاحتلال الفرنسي، عندما كانت الوالدة لا تزال حاملا بها، غير أن العائلة عايشت في 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه في باريس القمع الدامي لمظاهرة سلمية بدعوة من جبهة التحرير الوطني الجزائرية ضد حظر تجوال فرضه قائد شرطة العاصمة الفرنسية موريس بابون.
وتوضح ميريام: "وجد والداي نفسيهما في إطار كانت العنصرية خلاله في أوجها، وكان يُنظر إلى والدي حينها نظرة سلبية لمجرد أنه عربي".
وتروي ميريام كيف قررت والدتها بموجب قانون صدر سنة 1972، اختيار اسم فرنسي لها "كي لا تُحصر بخانة ابنة المهاجر"، كما تتحدث عن الوالدة التي واجهت الإقصاء من عائلتها لأنها أحبت رجلا عربيا ما دفعها إلى طرده بنفسها من فرنسا.
وأول لقاء للمخرجة المسرحية مع عائلتها من والدها في تونس جاء في سن الـ40 إثر وفاة والدتها، وحضر أقارب لها عرضا لهذه المسرحية في العاصمة التونسية بتأثر بالغ.
وتتوقف ميريام عند أهمية قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فتح محفوظات حرب الجزائر، قائلة: "هذه المرحلة يعلو صوت أبناء وأحفاد المستعمَرين".
السياسة تنسف العائلات
أما مسرحية "كي دو سين" للرومانية ألكسندرا باديا، فتروي قصة ثنائي آخر مكون من إيرين الفرنسية التي كانت تعيش في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، ويونس الجزائري، وقد حطا رحالهما في باريس أثناء حرب الجزائر قبل أن ينفصلا إثر مجزرة 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961.
وتقول باديا: "أكثر ما يصدم أن هذا الأمر حصل هنا في الشوارع التي نجتازها عند هذا الجسر"، في إشارة إلى جسر سان ميشال حيث وضع نصب تذكاري لتلك الحقبة.
وهذه المسرحية هي الجزء الثاني من ثلاثية عالج أول أجزائها مجزرة تياروا قرب دكار في حق جنود سنغاليين على يد الجيش الفرنسي سنة 1944.
وفي حبكة مسرحية مشوقة تأخذ المشاهد في رحلات متكررة عبر الزمن، تبحث الشابة نورا عن أصولها، وخلفها شاشة تعمل وتنطفئ على وقع المشاهد المختلفة، فيما جداها يعيشان تجاذبا بين الحب والكره.
وتوضح ألكسندرا باديا: "لقد أخبرتني فتاة قصة جدها الجزائري الذي لم تسمع عنه قبلا، ما أثار اهتمامي هو الطريقة التي نسفت فيها السياسة الروابط الحميمة في العائلات".
وتؤكد المخرجة المسرحية الرومانية أنه "من الضروري مواجهة هذه القصص عبر تسمية الأمور بأسمائها، وإلا فإنها ستولد كبتا مستمرا وتنكّرا وعنفا".
aXA6IDMuMTM1LjE5My4xOTMg
جزيرة ام اند امز