نسبة نشر شعر الفصحى بمصر 1% في 2018
تقرير الجامعة السعودية يحذر من انعدام وجود معايير لنشر الشعر والاعتماد فقط على قدرة الشاعر على دفع نفقات دواوينه الشعرية
أصدرت أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية تقريرا عن حالة نشر الشعر في مصر، موضحا أن هناك تراجعا حادا في نسب نشر الشعر إلى جانب اكتساح لشعراء قصيدة النثر بالتوازي مع التنامي في أعداد الشاعرات.
ولاحظ التقرير أن نسبة نشر دواوين شعر الفصحى خلال العام الماضي 2018، حوالي 1% فقط من جملة الكتب المنشورة، و3.7% من جملة المنشور في الأدب عموما، و25% من جملة المنشور في الشعر فقط.
أعد التقرير الناقد الأدبي الدكتور أحمد مجاهد الرئيس السابق لهيئة الكتاب في مصر، موضحا أن 14 ألفا و200 إصدار تم إيداعها في دار الكتب القومية في مصر خلال العام الماضي ونال الأدب منها 4035 عنوانا وخص الشعر 600 عنوان، وخص شعر الفصحى منه حوالي 150 إصدارا فقط.
وقال "مجاهد" لـ"العين الإخبارية" إن هذه النسب المتواضعة تمثل بداية صدمة حقيقية لمحبي شعر الفصحى.
ولاحظ "مجاهد" أن دواوين شعر العامية الصغيرة المطبوعة على نفقة أصحابها بعيدا عن دور النشر تماما تمثل نسبة كبيرة من نشر الشعر.
وقال: "غالبا ما يلجأ أصحاب هذه الدواوين إلى هذه الوسيلة في النشر لاعتمادهم في اتحاد الكتاب أو في أندية الأدب بالمحافظات، دون مرور مؤلفاتهم على لجان قراءة وتقييم المنتج الشعري عن طريق جهة حكومية أو خاصة".
ويعمل مجاهد حاليا أستاذا للأدب العربي والدراما في كلية الآداب جامعة عين شمس (شرقي القاهرة) وله مؤلفات عديدة أبرزها "قراءة النص المسرحي.. العلامات في مسرح صلاح عبدالصبور"، وشغل عدة مناصب في وزارة الثقافة منها رئاسة صندوق التنمية الثقافية وهيئة قصور الثقافة وهيئة الكتاب والمركز القومي لثقافة الطفل.
ويوضح التقرير عزوف كبريات دور النشر المصرية عن نشر الشعر، وأحصى قيام أكبر 3 دور نشر مصرية بنشر ديوان شعري واحد فقط خلال عام كامل، ما "يعكس قناعة اقتصادية قائمة على دراسات جدوى مفادها أن القارئ المعاصر في مصر لم يعد يقبل على قراءة الشعر العربي الفصيح بصورة تسمح بنشره وتوزيعه بشكل مربح، فكان القرار الحاسم بالاستغناء عن نشره جملة".
أضاف مجاهد: "رغم عزوف المؤسسات الكبرى في سوق النشر عن نشر الشعر، فإننا لا نعدم وجود دور نشر معتبرة وأخرى يافعة، تقوم بنشر دواوين شعر الفصحى".
وتصدرت "دار الأدهم" حجم المنشور من الأعمال الشعرية برصيد 31 ديوانا، منها 9 دواوين حديثة لشعراء عرب، ومما لاحظه التقرير، الذي يعد الأول من نوعه، اختفاء القصيدة العمودية تماما من سوق النشر، مع وجود 5 دواوين لشعر التفعيلة فقط في مقابل 13 ديوانا لقصيدة النثر.
وفسر فارس خضر صاحب ومدير "دار الأدهم" احتلال قصيدة النثر لحوالي 72% من جملة شعر الفصحى المصري المنشور بالدار، بأن الأمر لا علاقة له بتوجه صاحبها الإبداعي بوصفه أحد شعراء قصيدة النثر، بل له علاقة بالرواج الذي تشهده كتابة قصيدة النثر في مصر الآن.
ويمثل شعراء قصيدة النثر فى مصر تيارا جارفا يحاول ترسيخ أقدامه، وشق طريقا متفردا لها يتمتع بخصوصية إبداعية متميزة.
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي فقد أوضح "خضر" أن هذا الجانب لا يمثل عقبة أمام الدار في نشر الشعر، لأن الشاعر المصري والعربي يدفع تكلفة طباعة ديوانه كاملة للدار، وهكذا تسير المركب.
ووفقا للتقديرات لا تطبع الدار أكثر من 500 نسخة من كل عنوان، ومعدل توزيع الدواوين الشعرية لا يتجاوز 50 نسخة خلال العام كله، ومكتبات التوزيع تحصل على نسبة خصم 40% من سعر الغلاف، وتأخذ الدواوين على سبيل الأمانة ولا تسدد إلا بعد البيع، إن فعلت وسددت.
وأوضح التقرير أن "دار روافد" لصاحبها شاعر العامية إسلام عبدالمعطي، هي ثاني أكبر دور النشر المصرية حماسا لنشر الشعر، فقد نشرت 11 ديوانا خلال عام 2018، منها 3 دواوين عامية، و8 دواوين لشعر الفصحى منها ديوان وحيد لشاعر ليبي.
ويؤكد مديرها "عبدالمعطي" أن تجربة قصيدة النثر هي الأكثر رواجا الآن في الإبداع الشعري، ولهذا فهي تفرض نفسها على سوق النشر.
أما "دار أطلس" فعلى الرغم من أن قائمة مطبوعاتها لعام 2018 تضم 11 ديوانا، فإن 1 منها عامية، ومعظم دواوين الفصحى الأخرى لشعراء عرب، وأغلب الدواوين متواضعة المستوى، حتى إن الناشر نفسه أحيانا يضع الكتاب في تصنيف الشعر ويطبع على غلافه عبارة (خواطر فصحى).
ويحذر التقرير من انعدام وجود معايير فنية للنشر، ومن خطورة أن يكون الفيصل في طباعة المؤلف هو فقط قدرة صاحبه على تسديد فاتورة طباعته لدار النشر، مهما كان تهافت مستواه، أو مدى انتسابه لفن الشعر أساسا.
ويرصد "مجاهد" في تقريره ارتفاع نسبة نشر دواوين المرأة في "دار العين" للنشر انسجاما مع ظاهرة "الانفجار الأنثوي في الشعر المصري قائلا: "يبدو أن هذا هو جيل الشاعرات بامتياز، ربما انعكاسا للدور الذي لعبته المرأة منذ 2011 وحتى الآن، وكذلك لتزايد الوعي النسوي في المجتمع بشكل عام".
ومن المفارقات التي ينقلها محرر التقرير إصرار بعض الشعراء والشاعرات على القول إنه رغم عزوف دور النشر عن نشر الدواوين لصالح الرواية، فإن الشعر يعيش أزهى عصوره في اللحظة الراهنة، حيث ظهر كثير من الأصوات الشابة شديدة التميز والاختلاف، وتعددت مواضيع القصيدة، وبخاصة قصيدة النثر، لتتخطى الذاتية أو السياسة المباشرة، وتلتحم بالأزمات الاجتماعية والمادية الراهنة دون التخلي عن شعريتها وجمالها الخاص.
ووفقا للتقرير أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2018 من دواوين الشعر المصري الفصيح جملة 45 ديوانا، ويصل العدد إلى 60 لو أضفنا دواوين الشعراء العرب، أي بواقع 5 دواوين شهريا، وهو رقم يحتفي بالشعر، ولا تدانيه أرقام نشر الرواية بالهيئة نفسها.
وأهم ما يلاحظه التقرير أن كل الدواوين المنشورة بالسلسلة تنتمي إلى دائرة قصيدة النثر بنسبة 100%، وأن كل مؤلفيها شعراء متميزون بحق، وبخاصة أن المؤسسات الثقافية الحكومية لا تنشر لكل من يدفع، بل وفق قواعد تحكيم متعارف عليها، كما أن الـ15 ديوانا المنشورة في سلسلة الإبداع العربي تنتمي جميعا إلى قصيدة النثر، مما قد يشي بوجود تيار عربي مشابه.
ويرصد التقرير حالة نشر الشعر في مطبوعات وهيئات أخرى سواء النشر الإلكتروني أو الورقي، ويؤكد أن النشر الورقي سيظل مفتقدا لهذا التفاعل الإنساني والحوار الحميم بين المبدع والقارئ التي أتاحتها صفحات التواصل الاجتماعي.
ويدعو مجاهد إلى التوسع في استغلال الوسائط الإلكترونية الحديثة، وإنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة بالشعر فقط، مع قيام دور النشر الحكومية والخاصة بنشر الشعر وتسويقه إلكترونيا، ما يوفر تكاليف الطباعة ويسمح بسهولة التداول وسرعته، ويمنع قوائم انتظار النشر الحكومية المحبطة للمبدعين، وبخاصة الشباب منهم.
كما يقترح إقامة مسابقات شعرية على المواقع الإلكترونية، لاكتشاف عدد أكبر من المواهب تماثل البرامج القائمة "شاعر المليون" و"أمير الشعراء".
aXA6IDE4LjExNy4xNjguNzEg جزيرة ام اند امز