القاص التونسي سفيان رجب: الشعر يشعل الحرائق والسرد يطفؤها
سفيان رجب يرى أن الجوائز حافز معنوي ومادي للكاتب، وهي محرك مهم للمشهد الأدبي العربي، لكنها وسيلة وليست غاية.
أكد القاص التونسي سفيان رجب وجود ثورة في المشهد الأدبي التونسي يقودها مبدعون شباب، رغم أن المؤسسة الرسمية الثقافية والسياسية لا تزال محافظة.
وسفيان رجب كاتب تونسي، مواليد عام 1979، بدأ مشواره الإبداعي بكتابة الشعر ثم تحول لكتابة القصة مع مجموعة "الساعة الأخيرة" التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة، التي تم إعلانها الأسبوع الماضي في الكويت.
وفي حوار مع "العين الإخبارية" يلقي سفيان رجب الضوء على تجربته، وعلى المشهد الإبداعي في تونس، وإلى نص الحوار.
لماذا اتجهت إلى الرواية والقصة القصيرة بعد 4 دواوين شعرية، وما الذي وفرته لك الرواية ولم يكن يستوعبه النص الشعري؟
دائما أقول مازحا إنّ الشعر يشعل الحرائق والسّرد يطفؤها، في إشارة للجملة التي تقول إنّ "عمر الحكمة هو الزمن الذي نطفئ فيه الحرائق التي أشعلناها في شبابنا".
في مشروعي الأدبي لا أهتم بالتصنيفات، فالشجرة التي أغرسها في القصيدة تمدّ عروقها وفروعها لتلامس القصة، والعكس كذلك صحيح.
حين كتبت روايتي الأولى "القرد الليبرالي"، كنت أكتبها بأدوات الشاعر، لذلك اعتبرها كثير من النقّاد نصّا هجينا يتحرّك بين السرد والشعر.
حدثنا عن مجموعتك القصصية "الساعة الأخيرة" وطريقة استقبال خبر وصولها للقائمة القصيرة لجائزة الملتقى؟
"الساعة الأخيرة" رصدت فيها تحولات المجتمع التونسي بعد الثورة بأسلوب فيه الكثير من السخرية.
الشخصيات التي تعيش في قصص "الساعة الأخيرة" تبدو مرهقة وتعاني من ضغوط نفسية سببتها التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها تونس، لكن القصص لها امتداد إنساني بعيد، فهي لا تكتفي بحدود الجغرافيا التي جمعت شخصياتها، وإجمالا لا أستطيع الحديث عن كتاباتي.
أما الوصول إلى القائمة القصيرة لأهمّ جائزة عربية في القصة القصيرة فهذا يعني اهتمام النقد بتجربتك، واهتمام القراء أيضا في جهات أخرى، وبالتالي حوافز على مزيد من الإبداع.
تحمل مجموعتك "الساعة الأخيرة" ما يمكن أن نسميه الاغتراب الوجودي وأصالة تجربة الإنسان الفردية فى العالم، هل كان هذا الشعور منطلق بدايتك للكتابة؟
تماما كما ذكرت، من النص الذي صدر به الكتاب نقلا عن الكاتب الأمريكي توماس بايلي ألدريش، الذي يقول فيه: "تخيّل أنّ البشرية جمعاء انقرضت من الكرة الأرضية، ولم يبق منها سوى رجل واحد، وتخيّل أنّ هذا الرّجل يقطن في إحدى المدن الكبرى في العالم، وأنه بينما كان جالسا في بيته، سمع رنة جرس على الباب".
أردت لقصص الكتاب أن تكون رنة الجرس على الباب، تحمل من الصدمة ما تحمله من حلول الخلاص، أنها الرنة التي تقول إنّ العالم لم ينته بعد.
هل تستهويك القصة القصيرة بقدرتها على التقاط العابر والهامشي في مقابل الرواية ببانوراميتها وسعة مجال تصويرها؟
للرواية سحرها وللقصّة سحرها أيضا، ومن يتصور أنّ القصة هي بروفة للرواية فهو واهم، ولا يدرك من أسرار الإثنين شيئا.
في القصة أنت غير مطالب بالاقتراب كثيرا من شخصياتك، وشرح عقدها النفسية، ومشاركتها هواجسها وأحلامها كما يحدث في الرواية، في القصة تكون المسافة بينكما ملفوفة بغموض الحدث القصصي، وهذا ما يجعل من القارئ يطرح أسئلة وليس متقبّلا للأجوبة مثل قارئ الرواية.
القصة مثل قصيدة النثر تقترب من خط الشكّ أكثر من اقترابها من خط اليقين.
-
في روايتك الأولى "القرد الليبرالي" هناك سخرية تطغى على عالمها؟
الواقع يستدعي السخرية، والشخصيات الممسوسة بتحولات العصر الحديث تبعث على السخرية بينما هي لا تزال عالقة بالماضي.
الذين يصدّقون النظام الاستهلاكي ويردّدون شعاراته مثل ببغاوات فصيحة هم من يبعثون على السخرية.
الأفكار الفلسفية المبللة بعرق التفكير لأجل إثبات ذكاء الإنسان بالمقارنة بالحيوان تبعث على السخرية أيضا، إذا هل يحتاج الذكيّ لإثبات ذكائه؟
خلاصة الرواية: هذه الحياة نكتة، كما قال الساخر العظيم برنار شو.
بعض النقاد أكدوا أن "القرد الليبرالي" هجين ونتاج زواج بين السرد والشعر، فهل استفدت من الشعر وأنت تكتب نصوصك الروائية؟
أوافقهم تماما في فكرة أنّ النص هجين، لكن هذا لم يمنع نجاحه وتوسع جغرافية مقروئيّته.
شخصيا أكتب بأسلوبي الخاص في قصيدة النثر، وفي القصة والرواية أيضا، ولا أفكر في المسائل الأجناسية، التي هي أسئلة النقد وليست أسئلة الإبداع.
كيف ترى المشهد الأدبي والثقافي في تونس، وأين موقع الإبداع الأدبي التونسي من خريطة الإبداع الأدبي العربي والعالمي؟
ثمة ثورة في المشهد الأدبي التونسي، أبطالها الشباب، لكن تقابلها ردّة تغذّيها المؤسسة الرسمية الثقافية والسياسية.
المسألة تحولت إلى تجاذب حادّ، لكن أرى المسألة صحية، لأنّ الثورة الأدبية الآن تقودها أفكار، والردة تقودها أبواق، وأي متابع يعرف أن الأدب العربي يشهد تحولات فارقة.
ما الذي تعول عليه في زمن تراجعت فيه القراءة بشكل كبير؟
القارئ ليس فقط هذا الذي يشاركك الحياة الآن، قد يكون لم يولد بعد.
أعرف أنّ قيمة العمل الأدبي في مقروئيته، لكن على الكاتب ألا يتحول إلى موظف عند القارئ.
أكتب بلذة كبرى وبجرأة لا تعرف الخوف، والقارئ موجود خارج اللغة وخارج الزمن أيضا.
كيف تتعامل مع رقيبك الداخلي، وهل تمتلك موهبة التحايل على الرقيب الرسمي؟
أكتب دون حدود، لا تابوهات عندي، أعرف الحدّ بين الجرأة والابتذال، وهذه شروطي الفنية الوحيدة.
كيف ترى معايير النقد اليوم، وهل أعطى النقاد تجربتك الأدبية حقها؟
وسائل النقد وأساليبه تتغير بتغير الإبداع الأدبي، لا أشكو غياب النقد ولن أشكو أبدا، مهمتي هي الكتابة فقط، وأترك للنقد مهمة عمله وبحثه داخل النصوص التي يراها تضيف لعمله.
كيف تنظر إلى الجوائز الأدبية العربية، وهل يمكن اعتبارها معياراً حقيقياً وصادقاً يؤشر للأعمال الجيدة؟
الجوائز حافز معنوي ومادي للكاتب، وهي محرك مهم للمشهد الأدبي العربي، الجائزة وسيلة وليست غاية، ومن يجعل منها غاية يتحول من كاتب مبدع إلى كاتب تحت الطلب.
aXA6IDE4LjIyNC41My4yNDYg
جزيرة ام اند امز