القاص شريف صالح لـ"العين الإخبارية": أكتب مراثي للمدن العربية وأسخر من المثقفين
القاص المصري شريف صالح يعترف في حوار مع "العين الإخبارية" بأن السخرية هي أداة نقدية مهمة لكشف الزيف الاجتماعي.
شريف صالح قاص مصري مولع بكتابة مرثيات للمدن العربية، التي تغيرت قيمها الثقافية والمجتمعية، يندد بدور التيارات المتشددة والإرهابية في بث الكراهية والعنف ضد الآخرين المختلفين ثقافيا ودينيا. ومع صدور مجموعته القصصية الجديدة "مدن تأكل نفسها"، يقول شريف صالح في حواره مع "العين الإخبارية" إنه يكتب ذلك بنبرة تهكمية، ويستهدف في كتاباته كشف زيف مجتمع المثقفين، بل يسخر منهم.
وأوضح "صالح"، الذي حاز مؤخرا درجة الدكتوراه في النقد المسرحي من أكاديمية الفنون المصرية، أن القصة القصيرة تظل الفن الأقرب إلى قلبه.
وحاز "صالح" عدة جوائز منها جائزة الشارقة، وجائزة دبي للصحافة الثقافية، وجائزة مجلة دبي للإبداع القصصي.
صدر لشريف صالح الذي يعيش ويعمل في الكويت منذ أكثر من 18 عاما أكثر من 10 كتب، تتوزع بين النقد والمسرح والكتابة للأطفال، فيما جاء نصيب الأسد للمجموعات القصصية مثل "مثلث العشق" و"إصبع يمشى وحده" و"شعر تتطاير منه الحجارة".
في مجموعتك القصصية الأخيرة "مدن تأكل نفسها" تلعب السخرية دورا أساسيا في النظر إلى الواقع العربي.. إلى أي حد تعمدت ذلك؟ وما أهمية رؤية العالم وفق الخطاب التهكمي؟
الخطاب التهكمي جزء من شخصيتي، وموجود في كتاباتي وتعليقاتي في مواقع التواصل الاجتماعي، أؤمن بقوة "النكتة" و"المفارقة الهزلية".. وكمتلقٍ تشدني نبرة السخرية والتهكم في الكتابة والأفلام والمسرحيات، ولا تروق لي الكتابة التي لا ترى الخفة والسخرية في الوجود، وأظنها مسألة ترتبط بالطباع الشخصية للإنسان وليس صنعة قابلة للاكتساب. فكثير مما يجري حولنا ويبدو بالغ الجدية أنظر إليه كفاصل كوميدي يضاف إلى مهزلة الحياة، وفي قصة "مملكة الضحك" قدمت تراجيديا معكوسة لمملكة تصادر حق الناس في الضحك، فكان ذلك سبب انهيارها، فالجدية المفرطة تليق بالموت مثلما الضحك يليق بالحياة.
المجموعة أيضا تحمل ما يشبه رثاء لماضي مصر حين كان يقوم على التنوع والتسامح بين مختلف الجاليات.
أتفق معك أن في القصص مرثية لماضٍ، وتحديدًا لإسكندرية كوزموبوليتانية.. عاش فيها متمصرون من أصول أرمينية وإيطالية ويونانية.. كما حدث في مدن وأحياء أخرى مثل شبرا والمنصورة..وما زال ثمة أثر شاحب جدًا من روح وريح هؤلاء، بالتأكيد التيارات المتشددة لعبت دورًا خطيرًا في بث الكراهية والعنف ضد الآخرين المختلفين ثقافيًا ودينيًا، وحكام يوليو/تموز أيضًا زايدوا مع هذا التيار المتشدد في إجبار هؤلاء على بيع ممتلكاتهم، والنظر إليهم بارتياب، وهو ما حدث مثلًا مع المصريين اليهود الذين هاجر معظمهم، وحتى من أسلم منهم مثل الفنانة الكبيرة الراحلة ليلى مراد، اضطرت في نهاية الأمر إلى الاعتزال مبكرًا، والتزام الصمت. ومعظم المدن في النصوص تكرر مراثيها بطريقتها، حيث رصد ما حدث للمدن من ترييف، وتشويه الريف نفسه، فلا ظل على بساطته ولا أصبح "مدينة".
اتخذتَ من الواقع الثقافي العربي مادة للسخرية المريرة في بعض القصص.. ألا ترى أنك كنت قاسيا في تصوير الأدباء والنقاد كحفنة من الشخصيات الكرتونية التي تدعو للرثاء؟
قناعتي أن الإبداع والثقافة عمومًا هما أداتا تغيير و"تثوير" أي مجتمع إنساني، ولا يصح أن تأخذ موقفًا سلفيًا أو رجعيًا، لكن ما يحدث أننا نرى هياكل وكيانات ثقافية شديدة البيروقراطية والخواء، مثلما نطالع كتابات تحت مسمى الإبداع، ليس لديها ما تقوله، وبالتالي المجتمع الثقافي مثل أي مجتمع آخر قابل للنقد، وأن يكون موضوعًا للكتابة والسخرية منه مثل أي مجتمع آخر، والمسألة هنا أقرب إلى ما يسمى "الميتا لغة" أي تقديم لغة شارحة تعيد فحص اللغة الإبداعية المتداولة.
تقيم في الكويت منذ أكثر من 15 عاما.. ماذا أضافت لك تجربة الغربة على المستوى الإبداعي؟
لا أعتبرها غربة لأسباب كثيرة.. أهمها أن الحياة الطويلة في مكان ما تجعله وطنًا لك، وبقعة مألوفة تكون جزءا من الحياة، فيها ذكرياتي الغالية، وأيضًا ساهمت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في إعادة تعريف المسافات والجغرافيا، فلم يعد التواصل بحاجة إلى تسجيل شريط كاسيت أو انتظار مكالمة شهرية في "السنترال"، بل بالإمكان التواصل الفوري بالصوت والصورة.
على مستوى الإبداع، فإن الحياة الهادئة والمنظمة نسبيًا في الخليج عمومًا تساعد أي كاتب على القراءة والكتابة وترتيب وقته، وهذا ساعدني في نشر أكثر من اثنى عشر كتابًا، وإنجاز الماجستير والدكتوراه في النقد المسرحي، وحصلت على جوائز عدة أعتز بها، منها جائزة دبي الثقافية عن مجموعة "بيضة على الشاطئ" وجائزة دبي للصحافة، وجائزة الشارقة للإبداع ـ الإصدار الأول ـ عن مسرحية "رقصة الديك".
يردد البعض أن امتلاكك نافذة صحفية جعل النقاد والكتاب يتوددون إليك وهو ما انعكس على حجم الاهتمام النقدي بأعمالك.. كيف ترى هذا الاتهام؟
ـ من السهل ترويج الاتهامات عن أي كاتب في حال حصوله على تقييم نقدي أو نيل جائزة. نجيب محفوظ نفسه روج عنه المتشددون أطنانًا من الأكاذيب بشأن جدارته بجائزة نوبل وسبب نيله لها، وبالتالي لا أشعر بأنني في موضع اتهام أو تبرير أو دفاع عن كتاباتي، وبعض أعمالي أساسًا لم تحظ باهتمام نقدي يذكر مثل مجموعتي الأولى "إصبع يمشي وحده" ومثل مجموعة "شخص صالح للقتل".. وروايتي للناشئة "سوشانا والحذاء الطائر"، وطبيعي أن يتفاوت الاهتمام النقدي بنصوص الكاتب، وحظها من النجاح أيضًا.
بعد روايتك الأولى "حارس الفيسبوك" التي صدرت قبل عامين ألم تفكر في إصدار رواية ثانية؟
هناك العديد من المشاريع والأفكار، لكن القصة القصيرة تظل الفن الأقرب إلى نفسي، إضافة إلى أنه يحدث مع نهاية كل عام أن أجد لدي عشرة قصص قابلة للنشر، لذلك لا أجد صعوبة في كتابة أو نشر المجاميع القصصية، وبعد "مدن تأكل نفسها" لدي حاليًا مسودة مجموعة جديدة أعمل عليها، إضافة إلى إصدار رسالتي للدكتوراه عن "النص المسرحي" في كتاب نقدي، ولذلك لا أظن أنني سأعود للرواية قريبًا.