القصة القصيرة في "زمن الرواية".. محاولات لاستعادة العرش المفقود
جوائز جديدة تعيد للقصة القصيرة بريقها في العالم العربي بعد سنوات من الغياب بسبب سيطرة "الرواية" على الواقع الأدبي العربي.
بخطى ثابتة، تعود "القصة القصيرة" إلى الساحة الإبداعية العربية بقوة بعد سنوات من هيمنة "الرواية"، بفضل الجوائز الجديدة الكبيرة في المهرجانات الأدبية والعربية.
وبعد فترة طويلة من شيوع مصطلح "زمن الرواية" وما رافقه من جوائز ومؤتمرات تم تخصيصها لذلك النوع الأدبي، وجدت القصة القصيرة نصيرا في عدة جوائز أدبية متعددة مثل "ملتقى القصة القصيرة" بالكويت، فضلا عن الجوائز الرسمية التي اعترفت بفن متفرع عنها مثل "القصة القصيرة جدا"، كما حدث مؤخرا في جوائز الدولة بمصر خلال دورتها الأخيرة في يونيو/حزيران الماضي.
والمتأمل في المشهد الثقافي العربي حاليا يجد ترحيبا لافتا من دور النشر بنشر القصص القصيرة، وانعكس ذلك في عدد كبير من العناوين مؤخرا، وخلال الأسطر التالية سألنا عدداً من المبدعين عن رؤيتهم لأسباب تهميش فن القصة القصيرة سابقا وخلفيات عودته بقوة حاليا.
السوق الأدبي
يقول الكاتب الكويتي حمود الشايجي إن القصة القصيرة فن أدبي صعب جداً، من ناحية الكتابة والتلقي، لكنها نوع أدبي بديع غني يعتمد على الإيجاز والتقاط اللحظة بمشاعرها المركبة.
ويضيف: "أعتقد أن المشكلة الرئيسية التي أصابت القصة القصيرة في الفترات السابقة هي طريقة تقديمها، فالمجموعات القصصية مشكلتها الرئيسية كانت اجتماع أكثر من قصة في مكان واحد، ولأن اليوم صرنا نعيش في زمن سريع ممتلئ بالأحداث، صار القارئ يريد إنهاء كتابه الذي بين يديه بشكل سريع لينتقل لآخر".
ويوضح الشايجي أن طريقة قراءة المجموعات القصصية تختلف عن طريقة قراءة الرواية، فالقصة تحتاج إلى تأمل أكثر، لاستيعابها والشعور بأثرها داخل النفس، لذا فإن الصعوبة الأولى التي تحد من انتشار هذا النوع الأدبي يكمن في صعوبة كتابته، أما المشكلة الثانية فتتمثل في معرفة الطريقة المناسبة لقراءة هذا النوع الأدبي، بالإضافة إلى وجود مشكلة السوق.
ويتابع: "لم نكن نجد الجوائز التي تدعم القصة القصيرة، ولا نجد رغبة حتى من الناشرين في الإبقاء والتشجيع عليه، لكن اليوم بعد عدة جوائز متخصصة في هذا النوع الأدبي، مثل جائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت، نجد أن الروح تعود شيئا فشيئا لهذا الفن المهمل".
مقاومة حميدة
على الرغم من هيمنة الرواية على المشهد الأدبي، فإن هناك مقاومة حميدة نشعر بها لدى القصة القصيرة، بحسب ما يقول الكاتب المصري محمد الحديني، الفائز مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية في مصر عن مجموعته القصصية القصيرة جدا "لا أحد هناك".
يضيف الحديني: "تنوع الفنون المنبثقة من القصة القصيرة مثل الأقصوصة والقصة القصيرة جدا والومضة القصصية، ما زالت تقاوم وآخذة في الانتشار، ولعل حصول الكاتبة الكندية أليس مونرو على جائزة نوبل للآداب 2013، وفوز الأمريكية ليديا ديفيس بجائزة (مان بوكر) في العام نفسه أكبر دليل على عودة ذلك الفن بخطى ثابتة".
ويؤكد الحديني أن القصة القصيرة بجميع تنويعاتها أصبحت حاضرة واستطاعت أن تستعيد حضورها بقوة في المشهد الأدبي بفضل مواقع ومنابر التواصل الاجتماعي المختلفة التي تتبنى وتنشر إبداعات كتاب القصة القصيرة، إلى جانب تدشين العديد من الجوائز الأدبية المخصصة للقصة القصيرة.
شبكات التواصل
من منطلق عمله كقاصٍّ وناشر، يرى الدكتور عاطف عبيد، مدير "دار بتانة للنشر" في القاهرة، أن مؤشر القصة القصيرة يتجه في الآونة الأخيرة نحو الصعود، بسبب شبكات التواصل الاجتماعي، التي يعتبرها ورشة كتابة تفاعلية، حيث منحت الكثيرين الفرصة للظهور والمنافسة من خلال نصوص قصيرة. كما أن تلك الشبكات هي نفسها موجة من الشفاهية الجديدة التي ينتج عنها آلاف النصوص التي يمكن إدراجها باطمئنان في خانة القصة القصيرة.
ويرجع عبيد أسباب انتشار محبي فن القصة القصيرة إلى زيادة معدلات القراءة بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية، ليخرج جيل لديه نهم للقراءة مدفوعا بميل فطري لمعرفة ما يدور حوله، لذا كان من الطبيعي أن يزيد عدد القراء بشكل طردي مع زيادة الإصدارات، وكان أكثرها من نصيب القصة القصيرة.
مستقبل القصة القصيرة
الكاتب المصري سمير الفيل ينتظر خلال أيام صدور مجموعته القصصية الجديدة "حذاء بنفسجي بشرائط ذهبية"، ويرى أن عودة القصة القصيرة شيء طبيعي للغاية، فهى فن راسخ في الوجدان استطاع التعبير عن هموم الأمة في عقود سابقة وباستطاعته مواصلة هذا الدور مستقبلا.
يقول الفيل: "القصة القصيرة فن صعب، يعتمد على التكثيف والتركيز والقدرة على اقتناص الدلالة، لذا يهجرها أغلب الكتاب"، مؤكداً أن "كل كتابة حقيقية تترك أثرها لدى المتلقي، لا سيما حين تقترب من الواقع بكل انكساراته وتحولاته العميقة".