الأديب المصري يحيى حقي.. رائد القصة القصيرة
يحيى حقي يعد واحدا من كبار الكتاب والأدباء المصريين والعرب عامة ويلقب بـ"رائد القصة القصيرة"
استيقظ إبراهيم حقي وأيقظ طفله يحيى، الذي سينضم إلى مدرسة "والدة عباس باشا" المجانية، عدّل من هيئته ووجّه زوجته بأن تسرع في تجهيز الطفل ليومه الدراسي الأول لينطلق الاثنان إليها.
ينظر الأب تارة إلى طفله، المولود في 17 يناير/ كانون الثاني 1905، حالما له بمستقبل باهر، وتارة أخرى إلى السماء، مرسلًا التوسلات إلى رب الكون.
في عامه الأول بالمدرسة، خيّب يحيى أمل الجميع، فالطفل الذي توقعوا له مستقبلا مشرقا لم يستطع النجاح في الامتحانات، انكسرت القلوب وضعف الأمل، وظلّت نظرات الأب كما هي لم تتغير، فربما هناك شيء خاطئ في نجله رغم أنه يعرف مستواه جيدًا، فهو ذكي بالفطرة، لمّاح، حسبما حكى حقي عن تلك الفترة.
في العام الثاني وقف الأب بجانب الابن، استطاع أن يقوده لقهر إحساسه بالخوف ورهبة المعلمين، واجتهد في دراسته بمساعدته حتى تمكن من النجاح مرارًا وحصل على الشهادة الابتدائية، ليتغير الحزن المرسوم على الوجوه قبل 5 سنوات إلى فرحة عارمة، فها هو الطفل ينجح ويشق طريقه نحو التميز، حسبما قال حقي في كتاب "أشجان عضو منتسب".
بعدما تمكن من الحصول على الشهادة الابتدائية، شق الطفل طريقة نحو شهادة "البكالوريا" بنجاح، من المدرسة الخديوية التي انتقل إليها، ليحقق رقما جيدا للغاية ويسجّل من بين الـ50 الأوائل على القطر المصري، ليلتحق بعدها بمدرسة الحقوق السلطانية في جامعة فؤاد الأول، ويحصل على الليسانس عام ١٩٢٥ بنجاح أعلى، إذّ كان ترتيبه الـ14.
يقول حقي في سيرته الذاتية: "في أوائل القرن الـ19، قدم لمصر من مسلمي المورة شاب اسمه إبراهيم حقي، كانت خالته حفيظة، خازندارة قصور الخديو إسماعيل، وبواسطتها عين قريبها الوافد في خدمة الحكومة، فعمل في دمياط، ثم أصبح مديرًا في إحدى مصالح مديرية البحيرة".
ويضيف حقي: "رزق إبراهيم بـ3 أبناء (محمد ومحمود وكامل)، الأول هو والد يحيى حقي، التحق بالأزهر ثم انتقل للدراسة بمدرسة فرنسية، وعين موظفًا في وزارة الأوقاف، تزوج بابنة السيد حسين، وكيل مكتب البريد، وأثمر هذا الزواج عن ٩ أبناء، كان ترتيب يحيى الثالث".
عمل يحيى حقي في المحاماة بين دمنهور والإسكندرية، ثم معاونًا للإدارة بمنفلوط بأسيوط، وبعد ذلك انتقل للعمل كأمين للمحفوظات بقنصلية مصر في جدة، ثم في اسطنبول، ثم بقنصلية مصر في روما، ثم إلى ديوان وزارة الخارجية كمدير لمكتب الوزير، وظل يتنقل بين الوظائف الدبلوماسية حتى أُقيل من العمل الدبلوماسي عام ١٩٥٤ عندما تزوج من أجنبية، ليعود إلى مصر ويستقر فيها.
وتولى يحيى رئاسة تحرير مجلة "المجلة" لـ8 سنوات تقريبا، استطاع خلالها كتابة العديد من القصص والمقالات التي لاقت استحسان الجمهور المصري، الذي ظلّ ينتظر المجلة لقراءة كتاباته التي عبّر فيها عن الشارع وعن حال المواطن البسيط.
يعتبر حقي إحدى العلامات المميزة في الأدب والسينما العربية، حيث يعد واحدا من كبار الكتاب والأدباء المصريين والعرب عامة، ليلقب بـ "رائد القصة القصيرة".
وفي بداية التسعينيات، عُرض عليه تولي مهمة رئاسة "مجمع اللغة العربية" المصري، غير أنه رفض المهمة قائلًا: "مازلت أتعلّم اللغة، ونادم لأنني انشغلت بالكتابة الأدبية عن قراءة أعمال شعراء الجاهلية"، حسبما قال في حوار لمجلة "نصف الدنيا" المصرية عام ١٩٩٢.
وتعتبر رواية "قنديل أم هاشم" التي تناقش الحياة اليومية لأفراد المجتمع والصراع بين الحضارات والخرافات والتخلف من أهم أعماله، ومعها "صح النوم"، و"البوسطجي"، و"كناسة الدكان"، ودماء وطين"، و"دمعة فابتسامة"، و"فكرة فابتسامة"، و"سارق الكحل".
تقرب حقي للجمهور البسيط من خلال الشاشة الكبيرة بعدما تحولت بعض أعماله إلى أفلام سينمائية، حيث تحوّلت "قنديل أم هاشم" إلى فيلم عام ١٩٦٨، وأيضًا "البوسطجي" في العام نفسه.
حصل حقي على العديد من الجوائز من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام ١٩٦٩، التي تعد أعلى الجوائز التي تقدمها الدولة للمفكرين والأدباء المصريين، بجانب منحه وسام فارس من الطبقة الأولى من الحكومة الفرنسية عام ١٩٨٣، والدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا.
كما حصل على جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ16، وجائزة الملك فيصل العالمية التي تعد من أهم وأكبر الجوائز العالمية التي تمنح للعلماء والأدباء، تقديرا لعطائه الأدبي ومجهوده الإبداعي الضخم.
ظل حقي طيلة حياته ينتج أعمالًا أدبية مميزة ودراسات نقدية هامة، ولم يتخل في سنوات حياته عن الأدب، واستمر في إشباع رغبته في الكتابة وفي تقديم المزيد، حتى فارق الحياة في 9 من ديسمبر/ كانون الأول، عام ١٩٩٢.
aXA6IDE4LjExOS4xOS4yMDUg جزيرة ام اند امز